د. ناجح إبراهيم يكتب: سر الأزمة الإيرانية
د. ناجح إبراهيم يكتب: سر الأزمة الإيرانية
- إيران ذات حضارة عريقة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، أنجبت آلاف العلماء والمفكرين والشعراء والأدباء والفقهاء والحكماء فى كل العصور، فمنها أعظم علماء الإسلام والسنة مثل «أبوحنيفة، حجة الإسلام الغزالى، سيبويه، الرازى، الثعلبى، النسائى، الشيرازى، ومئات غيرهم»، كما خرجت مئات العلماء العظام فى العصر الحديث فى كافة التخصصات.
- إيران تعانى الآن رغم توسع إمبراطوريتها، من مشاكل خطيرة وحصار اقتصادى ومناوشات عسكرية مستمرة، ورغم أن إيران تواجه خصومها دوماً عن طريق محاربتهم بالوكالة عن طريق الميليشيات التابعة لها، التى تنتشر فى سبع دول تقريباً، ورغم تدفق الأموال الطائلة على الإمام المرشد من أموال الخمس الذى يأتى من كل مكان وبعضها من الشيعة العرب، الذين يوالون المرشد أكثر من ولائهم لدولهم وحكوماتهم، إلا أن هذه الأموال الطائلة لا تكفى لنفقات الإمبراطورية المترامية الأطراف، التى كادت تكتسح نصف بلاد العرب، فميليشيات الإمبراطورية تحارب فى كل مكان، وما أدراكم ما نفقات الحروب وتخريبها للاقتصاد حتى فى الدول الغنية.
- وصحيح أن معظم الدماء التى تراق فى حروب الإمبراطورية، خاصة بعد الحرب العراقية الإيرانية هى دماء الميليشيات -ليست إيرانية- ولكن كثرة وتواصل الخسائر يلقى عبئاً جسيماً على إيران نفسها.
- كل هذه الإشكاليات نتجت من نظرية «ولاية الفقيه»، التى تجعل المرشد معصوماً لا تجوز معارضته أو نقده أو مراجعته أو تصويبه، وتلزم طاعته للكافة فى كل المجالات وإلا كفروا.
- وهذه الطاعة ملزمة حتى للمتخصصين فى العسكرية والسياسة والاقتصاد، وتعطيه الحق فى الحكم باسم الإله والدين حكماً مطلقاً وتمنحه كل حقوق النبى التى اكتسبها بالوحى حتى دون وحى.
- وهذه النظرية هى لب المشكلة فى الدولة الإيرانية، وهى التى صنعت الازدواجية الكبيرة التى تجعل إيران دولة ذات وجهين، وجه الدولة الحضارى البراجماتى، ووجه الإمبراطورية التى تتوسع على حساب الغير وترعى الميليشيات التى تقتل وتذبح على المذهب والهوية، وتجرى تطهيراً عرقياً فى بلاد كثيرة، وتحارب بالوكالة نيابة عن إيران خارج أرضها وبلادها، ولا تخجل من كونها عراقية أو يمنية أو لبنانية أنها من جند الإمام وسدنته، ضاربة بالولاء الوطنى عرض الحائط.
- فإيران هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تحكم برأسين وتعانى من ازدواج السلطة، أحدهما رأس دينى والآخر سياسى، وكل شىء هو رأس المرشد، والآخر رأس سياسى ضعيف هو رأس الرئيس.
- والمرشد هو الأقوى والأقدر والأنفذ رأياً وقراراً وسلطة، بل يجب على الرئيس ومعاونيه طاعته ولا تجوز معصيته من أى أحد فى الدولة ليس فى أمور الدين فحسب بل فى كل الأمور.
- الرئيس مجرد ظل للمرشد، وهو ومؤسساته لا حول لهم ولا قوة فى مقابل المرشد الذى يملك كل شىء ويتحكم بقراره فى كل شىء ويدين له كل شىء، وقد وضحت هذه الازدواجية فى عصر الرئيس الإصلاحى خاتمى الذى حاول الإصلاح والتحرر فحيل بينه وبين ذلك.
- وتعانى إيران من ازدواجية عسكرية، بين الجيش الذى يمثل الدولة، والحرس الثورى الذى يمثل المرشد والإمبراطورية، ويحارب دون علم أو إذن الدولة فى عدة دول ويكون ميليشيات فى كل أرض يستطيع الوصول إليها، ويدربها ويسلحها ويوجهها، ويأمرها بكل ما يريده، بدءاً من الحرب بالوكالة وانتهاءً بتفجير الخصوم ومساجدهم.
- وتظهر الازدواجية بين براجماتية وخبرة الدولة الإيرانية وشعبوية خطاب الميليشيات، فالدولة طالما نسقت مع أمريكا فى احتلال أفغانستان والعراق وملفات كثيرة أخرى، فى حين تهتف الميليشيات وشعوب الإمبراطورية «الموت لأمريكا».
- وتتضح هذه الازدواجية فى مسئولية الدولة الإيرانية عن رعاياها الإيرانيين فقط، أما المرشد والإمبراطورية والحرس الثورى فيعتبرون الشيعى السعودى واللبنانى والسورى والأفغانى واليمنى من رعاياهم وليس من رعايا دولهم، وواجب عليه الولاء المطلق للإمام والإمبراطورية، وهذه وحدها تسبب أزمة كبرى لإيران مع دول مجاورة كثيرة.
- والخلاصة أن إيران أزمتها من داخلها وليس من خارجها، ونرجو لها كل خير فى فك هذه الازدواجية وتطليق هذه الميليشيات لتعود إلى دورها الحضارى العظيم.