نادية صبره تكتب: حكومة الخلايا النائمة

نادية صبره تكتب: حكومة الخلايا النائمةنادية صبره تكتب: حكومة الخلايا النائمة

*سلايد رئيسى26-1-2020 | 16:46

في اليوم الأول بعد المائة خرج اللبنانيون في تظاهرات حاشدة في طرابلس وبيروت رفضاً لحكومة (حسان دياب) حتى قبل إعلان البيان الحكومي وهم على قلب رجل واحد رغم أن الانتفاضة الشعبية ليست بقيادة موحدة تضع سياسة واحدة تعمم ولكن ما يعمم هو الغضب والاستياء من القوى التي شكلت هذه الحكومة.. سلطة ما قبل 17 أكتوبر التي قررت صم آذانها عن مطالب اللبنانيين والمضي قدماً في المماطلة والمكابرة.. اللبنانيون الذين خرجوا بجميع شرائحهم شباب ونساء وأطفال وشيوخ وعائلات للمشاركة في الانتفاضة ولكن يبدو أن السلطة عجزت عن التحرك ولم تتعلم شيئاً فعلى مدار مائة يوم لم تسمع الناس ولم تقدم أي مبادرة لحل الأزمة اللبنانية ولم يسمع المحتجون سوى التهديدات الجوفاء والتخوين والاتهامات بالعمالة لدول خارجية وتلقى تمويل من سفارة كذا وسفارة كذا من حزب الله تارة ومن حركة أمل تارة وحتى من وزيرة الداخلية في الحكومة المستقيلة (ريا الحسن) حتى دخل البلد في صراع كبير.. وبات الشعب اللبناني على شفا كارثة إنسانية حقيقية ورغم أن العديد من الدول الأوربية تحاول أن تضغط من خلال سفرائها باتجاه إعطاء الحكومة فرصة ربما تستطيع أن تحقق إنجازاً سريعاً إلا أن اللبنانيين لا يستطيعون أن ينسوا الظروف والملابسات التي صاحبت تكليف (دياب) بتشكيل الحكومة التي فرضت عليهم فرضاً ولا تحظى بشرعية شعبية أو سياسية ولا تمثل قطاعات عديدة من الشعب اللبناني وإن إعطاء فرصة لهذه الحكومة هو تسليم بحكومة ميليشياوية كما وصفوها شكلها أمناء حزب الله لا أكثر ولا أقل وقبول هذه الحكومة هو بمثابة إذعان بأن يحكموا من الجهاز الأمني لحزب الله ولذلك فهذه هي المرة الأولى التي تشكل فيها حكومة في لبنان وتقابل بكلمة (ارحلوا) والطريف أن المتظاهرين أطلقوا عليها عدة مسميات مثل حكومة/ السيد وجميل السيد وحكومة الخلايا النائمة فهم يرون أن حزب الله يضع في هذه الحكومة عشرين خلية نائمة وليس عشرين وزيراً وفي واقع الأمر أنا أراها حكومة أقنعة في بلد يعيش مأساة لم تحدث من قبل وعلى شفا إعلان إفلاسه.. بلد تم تجميد حقه في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة لأنه لم يسدد مستحقات عليه... الجميع كان يعلم أن (حسن نصر الله) الأمين العام لحزب الله حتى آخر لحظة كان يريد سعد الحريري لتشكيل هذه الحكومة ولكن الحريري بما يمتلكه من دهاء سياسي وحس وطني أراد أن يغير من قواعد اللعبة حتى لا يظل لبنان رهينة لحزب الله فجيء بدياب رئيساً للحكومة التي شكلت بشخصيات سياسية من الصف الثاني والعاشر وبنفس نظام المحاصصة البغيض الذي أدى إلى انتشار الفساد ونهب المال العام في البلاد لتظل نفس مجموعة الأحزاب الطائفية المتحكمة والمصرة على إدارة لبنان من وراء الظل. (لبنان) الذي يحاول اللبنانيون استعادته فهم يريدون دولة لا مزرعة.. والغريب أنه في أول اجتماع للحكومة قال حسان دياب إن الحكومة لن تشتغل سياسة وهو تصريح غريب جداً فإن لم تشتغل الحكومة سياسة فلمن سيترك السياسة إذاً؟ بالطبع لحزب الله المصنف منظمة إرهابية بجناحيه العسكري والسياسي من قبل العديد من الدول ومازال متصدر المشهد. وأيضاً لم يخرج دياب بأي خطة أو أي مقدمة توحي بالخطط التي يمتلكها لإخراج البلاد مما هي فيه ناهيك عن تصريحات بعض وزرائه غير المطمئنة مثل وزير المالية الذي قال إن سعر الدولار لن يعود كما كان وأنه سيتجه للاستدانة لسد العجز!. ووزير آخر عزى أزمة الكهرباء إلى وجود اللاجئين السوريين وهي نفس لهجة التيار الوطني الحر بزعامة (جبران باسيل) الذي كان يتولى ملف الكهرباء.. وهو ما يكشف أنها ليست حكومة مواجهة وستبادر إلى طلب المساعدة الملحة وإبداء المرونة للهروب من الإفلاس الكبير وليست قادرة على مواجهة التحديات والمشاكل الاجتماعية التي خلفها حزب الله وحلفاؤه. وكيف ستستطيع أن تنجز في أيام وأسابيع ما لم تستطع أن تنجزه حكومات سابقة خلال سنوات وهي بلا إمكانيات ولم تحصل على ثقة من الداخل تمكنها من التعامل مع دول العالم واكتساب ثقة لجذب الاستثمارات.. إن ما يجري في لبنان واقع اقتصادي مؤلم غير مسبوق هناك إحجام عن تصدير الأموال إلى لبنان ومع نهاية فبراير سيكون مطلوب سداد 250 مليون دولار وهناك جدل قوي فإما دفع الأموال المطلوبة وإرجاء إعلان لبنان دولة مفلسة وفي هذه الحالة ستضع الحكومة يدها على كل الودائع وما تبقى من ثروة أو عدم دفع الأموال لأن المؤسسات اللبنانية بحاجة لشراء الأدوية والوقود والغذاء وهي معادلة كبرى. إن المواطن اللبناني يُهان عندما يحاول الحصول من وديعته في البنوك على ما يوازي 100 دولار أو أقل وهناك العديد من الفيديوهات التي وثقت ضرب مواطنين من قبل موظفي البنوك فكيف للبنانيون إعطاء بعض الثقة لحكومة شُكلت على هذا النحو، حكومة تفليسة.. لا تمتلك سوى خطب رنانة وكأن البلد في أفضل حال. إن الانقسام كبير والشارع اللبناني سيشهد مواجهة كبرى خلال الأيام القادمة بين المحتجين وبين سلطة كل أطرافها يراهنون على لجوء المتظاهرين للعنف بعد أن يصلوا إلى حالة يأس من تلبية مطالبهم لكن اللبنانيون يراهنوا على السلمية التي مكنتهم من خلق لغة جديدة في الشارع اللبناني.. لغة التآلف والوحدة الوطنية، لغة أعاد طرابلس التي كانت تسمى بقندهار الشمال إلى شمال الفرح وصنعوا ثورة جاءت بهواء نقي وكشفت عن شباب تكون وعيه ما بعد التحرر من إسرائيل وسوريا فأرادوا التحرر من إيران ومن الفساد واستطاعوا بسلميتهم إسقاط حكومة ومصممين أيضاً على سحب سلطة من نظام يتداعى لجأ إلى قرار مستفز بقطع التيار الكهربائي عن أماكن التظاهرات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وإقامة جدران عازلة حول المقرات الرسمية مثل المجلس النيابي وقصر بعبدا ولكن الشعب اللبناني لن ييأس سيظل يدق على الأبواب حتى يعود لبنان إليه مرة أخرى.
أضف تعليق