أذكر أثناء استعداد العالم لتوديع القرن العشرين، أن سئل رئيس الوزراء الياباني، حينها، عن استعدادات بلاده لاستقبال الألفية الجديدة، فأجاب، دونما تردد، أن الاستعدادات بدأت منذ سنوات، بتأهيل، وإعداد، الشباب الياباني، ليقود أمته، في القرن الحادي والعشرين؛ لقد تمحورت رؤية اليابان، واستراتيجيتها، حول الشباب ... والشباب ... ثم الشباب.
وأذكر حينما كنت محافظاً للأقصر، عندما طلبت من الأخ الأستاذ الدكتور سامح فريد، عميد كلية طب القصر العيني، آنذاك، تدبير إرسال قافلة طبية لتقديم العلاج للأهالي، في القرى، والنجوع الفقيرة، أن أرسل سيادته، بالفعل، قافلة تضم كبار الأساتذة، ورؤساء الأقسام المتخصصة، ليس فقط لتقديم العلاج، وإنما أضاف إليها عنصراً حيوياً، تمثل في عقد محاضرات علمية لشباب الأطباء، في محافظة الأقصر، فكانت المفاجأة في الإقبال الكبير، الغير مسبوق، من الأطباء، الذين توافدوا من قرى، ونجوع المحافظة، من وحداتها الصحية، ومستشفياتها، متكبدين مشقة الانتقال، الذي تطلب، في بعض الأحيان، استخدام ثلاث وسائل مواصلات، للوصول لمقر انعقاد المحاضرات، كل ذلك على نفقتهم الخاصة، مما دفعني، في اليوم التالي، لتعديل الترتيبات الإدارية للمحاضرات، للتخفيف عن هؤلاء الشباب، وبما يتناسب مع أعداد الحضور من شباب الأطباء، المتعطشين للعلم، والفكر، الحديث في مجالهم.
تذكرت كل ذلك، أثناء مشاركتي في المؤتمر العلمي السنوي، الذي نظمته، في الأسبوع الماضي، الأكاديمية الطبية العسكرية، للقوات المسلحة المصرية، بالتعاون مع الجمعية المصرية لأمراض القلب، الذي شارك فيه نخبة متميزة من الأساتذة المصريين، والخبراء الأجانب، المتخصصين في ذلك المجال، وبحضور نحو 1500 طبيب قلب مصري، من جميع المستشفيات، والمراكز، المصرية، خاصة، وحكومية، وجامعية، وخيرية. شرُفت بالمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بمحاضرة عامة، عنوانها "مصر إلى أين في 2020"، وخرج المؤتمر في صورة مشرفة، مضاهي أكبر المؤتمرات الدولية المتخصصة، بما يدعو للفخر، سواء من الناحية التنظيمية، بداية من الدخول، وتسجيل الحضور، وجاهزية قاعات العرض، وغرف المحاضرات، وورش العمل، الذين زودوا بأعلى مستويات التكنولوجيا الحديثة، أو من حيث المحتوى العلمي.
شملت جلسات المؤتمر بث حي، مباشر، لعدد 12 عملية قسطرة، معقدة، من داخل غرف عمليات مستشفى القلب، بمجمع مستشفيات كوبرى القبة العسكري، باستخدام تقنية “Video Conference”، من خلال ثلاث شاشات، عملاقة، عُرض على الأولى منها، إجراء فريق طبي مصري، بصحبة خبير أجنبي، قسطرة تداخلية، لحالة معقدة، باستخدام أحدث التقنيات التكنولوجية، والأجهزة الحديثة، المتطورة، لمدة 45 دقيقة، بينما عرضت الشاشة الثانية، تصوير لمراحل دخول القسطرة، في شريان القلب، وأسلوب التغلب على الوضع الصحي، وإدارة العملية، أما الشاشة الثالثة، فكانت شاشة تفاعلية، خصصها فريق إدارة المؤتمر، لتلقي الأسئلة، الواردة من السادة الأطباء الحضور، والرد عليها من قِبل الخبراء المصريين والأجانب.
حرصت على حضور معظم جلسات المؤتمر، ليس فقط، بصفتي متحدث فيه، وإنما لاهتمامي بأمراض القلب، منذ انضمامي لنادى الدعامات، للمرة الأولى، منذ عدة سنوات، على يد اللواء طبيب خالد شكري، وما تلاه، في العام الماضي، من اعتماد عضويتي به، على يد العميد طبيب محمد خضر، وبإشراف كبير عائلة أطباء القلب، بالقوات المسلحة المصرية، اللواء طبيب سيد عبد الحفيظ، فشعرت بفخر عظيم، وأنا أشهد هذا التقدم العلمي في بلدي الحبيبة مصر، وكانت سعادتي الأكبر، لمشاهدة هذا العدد الكبير من الحضور، من شباب الأطباء، الذي حرص على حضور المؤتمر، والمشاركة في فعالياته، ومتابعة ندواته، وورش عمله، لما يضيفه إليه من خبرات، وما يتيحه له من فرصة للاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم، في مجال أمراض، وجراحات القلب، وهو ما لم يكن ليتسنى لهم، سوى بحضور المؤتمرات العلمية المتخصصة، التي تعقد، دورياً، في مختلف دول العالم، وهو ما يحتاج إلى تمويل كبير، قد لا يتاح لمعظمهم.
وقد تم تقسيم المؤتمر، من الناحية العلمية، إلى شقين؛ أولهما تقنيات علاج أمراض القلب باستخدام القسطرة التداخلية، في حالات الانسدادات المزمنة، وضيق شرايين القلب، خاصة الرئيسية منها، والضيق المتعدد بالشرايين، أما الشق الثاني، فخصص للتعرف على أحدث الأجهزة، والمعدات، الطبية، المستخدمة في تقنيات العلاج، مثل أجهزة الموجات الصوتية، وأجهزة الرنين المغناطيسي، وأجهزة كهرباء القلب، ومنظمات القلب، وغيرهم من الأجهزة، والمعدات، التي تشهد تطوراً دورياً، كل عام، وهو الأمر الذي أتاح فرصة عظيمة، لكبرى الشركات العالمية، لعرض إنتاجها الحديث من تلك الأجهزة الطبية، سواء المستخدمة في التشخيص، أو في التدخل الجراحي. من وجهة نظري، ووجهة نظر الخبراء، يعتبر هذا المؤتمر الطبي الدولي، وما سيعقبه من مؤتمرات علمية متخصصة، بادرة خير، وأمل، لشباب الأطباء المصريين، المتخصصين في مجال القلب، لرفع كفاءتهم، وإمكاناتهم العلمية، والعملية، في هذا التخصص الحرج، بعد كل ما عرضه أمامهم، وعرفهم عليه من أحدث التقنيات، والأجهزة، التي تطورت بشكل مذهل، بما أحدث طفرة، هائلة، خلال السنوات القليلة الماضية.
وأخيراً، لا يفوتني الإشادة بما أحرزته القوات المسلحة المصرية، من تقدم كبير، في مجال الرعاية الطبية، ليس للعسكريين، فحسب، وإنما لعموم الشعب المصري، المتاح له الاستفادة من تلك الخدمات، بأسعار تنافسية، تقل عن نظيرتها في المستشفيات الخاصة، وتزيد عنها في الكفاءة والإمكانات. ومن هنا، أتقدم بخالص الشكر إلى اللواء طبيب خالد شكري، رئيس المؤتمر، واللواء طبيب أمين فؤاد، والعميد طبيب محمد خضر، مساعدي رئيس المؤتمر، على الجهد الرائع، والمتميز، لإخراج هذا المؤتمر بالصورة التي رأيناه عليها، وأشد على أيديهم أن هذه النوعية من المؤتمرات العالمية، وما تتضمنه من محتوى علمي عالمي، وتقنيات تكنولوجية حديثة، سوف ينعكس إيجاباً على كفاءة المنظومة الطبية في جميع أنحاء مصر، اتساقاً مع السياسة العامة للدولة، وبما فيه فائدة لجميع أبنائها من الأطباء، وأفراد الشعب المتعطش لجودة الرعاية الطبية، وبما يضع مصر في مكانها اللائق في ترتيب الدول من حيث مؤشر جودة الخدمة الصحية.
Email:
[email protected]