عاطف عبد الغنى يكتب: غلطة أمير صغير (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: غلطة أمير صغير (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: غلطة أمير صغير (!!)

* عاجل28-5-2017 | 22:12

يحصى فقهاء السياسة 149 تعريفًا مختلفًا لـ «الدولة» لا أعتقد أن واحدًا من هذه التعريفات السياسية والقانونية الجادة ينطبق على «قطر» التى ينقصها على الأقل عنصر أو عنصران ليصح تسميتها بـ «الدولة».
وعناصر الدولة أربعة (الشعب والإقليم والحكومة والسيادة)، وإذا كانت العائلة المالكة أو الحاكمة فى قطر تستطيع أن تشترى بأموالها شعبًا وتمنحه الجنسية (عملية التجنيس)، لتعوض النقص الكبير فى أعداد القطريين مقابل الأجانب الذين يعيشون على أرضها، أو النقص فى الخبرات والكوادر والفنيين، وحتى أبطال الرياضة، وتستطيع كذلك أن تشترى أو تستأجر أرضًا، يابسة أو جزرا، وقد فعلها أمير قطر حين اشترى قبل سنوات ست جزر يونانية على البحر الأيونى بقيمة 8.5 مليون يورو.
وفيما يخص الحكومة، فالأمير هو الحكومة، وهو يحكم، ولا معقب من سلطة فى الإمارة لحكمه، ويبقى العنصر الرابع من عناصر الدولة وهو عنصر السيادة والتى تنقسم بدورها إلى سيادة داخلية للدولة على شعبها، وسيادة خارجية وتعنى الاستقلال.
(1)
والسؤال الأول فى هذا المقال: هل يستطيع حكام ذلك النتوء الجغرافى الآسيوى، أن يدعوا امتلاك السيادة بعد أن ربضت الطائرات العسكرية الأمريكية على أرض قاعدتى العديد والسيلية؟!.. أترك لكم الإجابة.
والسؤال الثانى: من أين أتى تميم بهذه الشجاعة التى تجاوز فيها حدود الأدب مع أمريكا ذاتها ؟! الإجابة: أتصور أنها جاءته من عبارة تتكون من 10 كلمات قالها ترامب فى خطابه الذى ألقاه فى القمة الإسلامية الأمريكية الأخيرة، والتى يبدو أنها أفقدت الأمير الصغير صوابه.
 قال ترامب مجاملا من وصفهم بالمساهمين فى الأمن الإقليمى: «وتعتبر قطر التى تستضيف القيادة المركزية الأمريكية شريكا استراتيجيا».
ومن الجائز أن تميم أخطأ ترجمة العبارة، وانعكس هذا الخطأ فى سلوكه اللاحق من خلال تلك التصريحات التى أطلقها وينطبق عليها أوصاف المراهقة والانتحار السياسى.
 وحدث أنه بعد ساعات من تصريحات ترامب وبينما يستعرض الأمير الصغير تخريج دفعة من جنود قطريين مميزين (حسب وصف التلفزيون القطرى) فى حين لا يستقيم هذا الوصف مع مشهد الجنود الذين يبدون فى حالة من البؤس والفقر العسكرى المزرى، تعكس قناعة لدى المشاهد أن هؤلاء الجنود  ينتمون لجيش لا يمكن أن يصمد فى مجابهة كتيبة أمن مدربة لفض الشغب فى دولة عربية، فما بالك بأمريكا؟! والمضحك هو مشهد الأمير المفدى للبلاد منتصبا يستعرض جنوده، بينما يجرى شريط الأخبار بتصريحاته المنفلته.
وإذا تجاوزنا ما يخص الأشقاء فى هذه التصريحات، لأنه أمر ليس بجديد على حكام قطر، ينبغى أن نتوقف عند ما يخص الولايات المتحدة وسوف نكتشف بالفعل حجم المأزق الذى وضعت فيه قطر نفسها:
قال تميم إن العلاقة مع الولايات المتحدة قوية ومتينة، رغم التوجهات غير الإيجابية للإدارة الأمريكية الحالية مضيفا: «مع ثقتنا أن الوضع القائم لن يستمر بسبب التحقيقات العدلية تجاه مخالفات وتجاوزات الرئيس الأمريكى».
 هذا تصريح يحمل هجومًا صريحًا ضد ترامب شخصيًا، فدعك منه واقرأ ما بعده منسوبا لأمير البلاد المفدى: «قاعدة العديد مع أنها تمثل حصانة لقطر من أطماع بعض الدول المجاورة إلا أنها هى الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكرى بالمنطقة فى تشابك للمصالح يفوق قدرة أى إدارة على تغييره» (!!)
وأحيلكم لجملة ترامب التى وردت فى خطابه عن قطر فى القمة الغابرة وأعلق : هل صدّق تميم أن أمريكا تنظر إلى قطر كشريك استراتيجى؟! وقديما كانوا يقولون إن القريب من السلطة كراكب الأسد يُغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه، وتميم المغبوط على قاعدتى العديد والسيلية الأمريكيتين، يعرف موضعه من أمريكا، التى يمكن أن تلقيه من على ظهرها فى أى وقت وتضعه عند أقدامها.. ويبدو أن أمريكا الرسمية عازمة على ذلك حال تجاوز آل ثان القطريين دورهم فى اللعبة السياسية الشرق أوسطية.
(2)
اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة الأمريكية هو الذى أعطى الضوء الأخضر منذ سنوات قليلة لفضح حكام قطر ومهاجمتهم.. لقد أغضب اللوبى اليهودى دعم القطريين المادى والمعنوى لحماس تحديدا، وتم إرسال إشارات كثيرة إلى قطر عبر المنظمات الحقوقية التى فتحت تحقيقات وسرّبت معلومات عن تجاوزات قطر الإنسانية بحق العمالة الأجنبية على أراضيها، وعبر التضييق على بعض منظمات المجتمع المدنى التى تعمل داخل أمريكا، كوسيط للتمويلات القطرية التى تصل للمنظمات التى لها صلة بالإخوان فى أمريكا، أو لشراء دعم وتأييد بعض السياسيين والمتنفذين فى الإدارة الأمريكية وخاصة أثناء حُكم الديمقراطيين أوباما وهيلارى كلينتون التى تدير هى وزوجها إحدى هذه المنظمات وتلقت بدورها دعما قطريا.
وما كان يقال باستحياء تفجر بلا خجل خلال الساعات القليلة الماضية بعد انفلات لسان الأمير.. اتبعته حملة إعلامية مكثفة ضد قطر، ذهبت فيها مجلة «فورين بولسى» المعبرة عن التوجهات الرسمية لسياسات الإدارة الأمريكية الخارجية إلى وصف قطر بأنها «ذات وجهين» وأشار التقرير من طرف خفى إلى أن الإمارة تلعب بذيلها، أو كما جاء فى تقرير المجلة أن الإمارة التى تعتمد على أمريكا فى تحقيق أمنها واصلت على مدار أكثر من 20 عامًا تبنى عدد من السياسات ليست فقط تلك التى فشلت فى تعزيز المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، بل أنها فى قضايا كثيرة قامت بتقويض تلك المصالح بشكل فعّال.
وأخطر مما سبق أن تؤكد «فورين بوليسى» أن لائحة الاتهام ضد قطر طويلة للغاية على سردها بالكامل، لكن بعض المقتطفات منها سيئة بما يكفى.
لقد نص التقرير صراحة على دعم قطر لحماس على مدار سنوات، وكيف كانت قطر بمثابة ممولها الأكثر أهمية، والملاذ الآمن لقيادات حماس، وزيّل التقرير هذه الفقرة بالإشارة إلى أن القطريين قد وضعوا رهانهم على الإسلاميين الذين يتبنون العنف فى غزة.. الملتزمين بتدمير إسرائيل (!!)
(3)
«فورين بوليسى» لم تعزف وحدها هذه النغمات، فقد عزفت معها جوقة إعلامية أمريكية كل ألوان الموسيقى الجنائزية التى تقدم للانقلاب الأمريكى اليهودى القادم على قطر.. ويحدث هذا فى غيبة من إدراك الأمير الحاكم الآن فى الإمارة أقصد تميم – تحديدًا – أن المنطقة تشهد فشلا للمشروع الذى كانت أسرته تراهن عليه، والتى ألقت فيه بكل ما تملك من أوراق اللعبة، ولم يعد فى يديها الآن ما تراهن به أو تلعب عليه.
(4)
صديق عاش فى السعودية فترة طويلة من الزمن أخبرنى أنه على الحدود السعودية القطرية هناك منفذ برى اسمه سلوى، والحركة على هذا المنفذ تعكس غالبًا صورة العلاقات الثنائية بين المملكة السعودية وقطر، فعندما تتوتر هذه العلاقات مثلما حدث فى شهر مارس من عام 2014 مثلا وسحبت على أثره المملكة سفيرها فى قطر، يتوقف عبور الأفراد والسيارات ويغلق المنفذ، هو ومعابر حدودية أخرى، وأضاف الصديق أيضا جملة فهمت مغزاها قال فيها : إن الدبابات السعودية تربض فى مكان ليس بعيدًا عن هذا المعبر.
لكننى لا أتصور مثلا أن الأشقاء فى السعودية يمكن أن يفعلوا كما فعل صدام ذات يوم أسود حين أمر دباباته بعبور الحدود إلى الكويت، وأقصى وأقسى ما يمكن أن تفعله السعودية وباقى دول الخليج العربى تجاه قطر هو غلق المعابر والقلوب تجاه قطر، وسياساتها التى تجاوزت فيها مع الأشقاء إلى درجة يصعب معها النسيان أو التسامح.
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2