كتبت: أمل إبراهيم
عندما نتحدث عن تاجر المخدرات فى أى مجتمع نحن غالبا نتحدث عن شخصية بها الكثير من الجوانب السلبية التى تتفق مع كونه مجرم وشخص مدمر يجب أن ينال أقصى عقوبة تتناسب مع الجرم الذى يقوم به .
ونحن هنا نتحدث مع شخصيات درامية، تعبر عن بشر، حتى لو كانوا مجرمين إلا أنهم بشر، يمكن أن نكرههم أو نتعاطف معهم، أو نعجب بتجسيد الشخصية من ممثل معين دون آخر، وبالسيناريو الذى رسمها على الورق
وحسب ما يشيعه الكثيرون أن من يتاجرون فى المخدرات لا يتعاطونها
وعندما نذكر كلمة تاجر المخدرات فى مصر فحتما يتوارد فى ذاكرة أغلبنا تجسيد لها من إحدى الشخصيات التى قدمتها الأفلام المصرية القديمة والحديثة لأنها بالطبع شخصية ثرية يمكن أن تكون محور العديد من القصص .
بالنسبة لى كلمة" تاجر مخدرات " يتراءى لى فورا فيلم العار الذى يحفظه أغلبنا عن ظهر قلب ، الفنان طيب الملامح عبد البديع العربى الذى جسد شخصية الحاج عبد التواب صاحب دكان العطارة فى الحسين نتابع فى الفيلم كيف كان الحاج عبد التواب رجلا طيبا وتبدو على وجهه علامات السماحة يتعامل بمنتهى الكرم مع أهل بيته وغيرهم من زبائن المحل حتى أنه يلقن العامل عنده درسا عن الحسنة المخفية ويرفض بكل إصرار شرب الخمر لأنه حج بيت الله ولا يقرب المحرمات بل يتحدث بكل إقتناع أن تجارة الحشيش هى نوع من تجارة الأعشاب كما قال فى حديث له أثناء مقابلة مع" الرجل الكبير" والرجل الكبير مصطلح معروف فى الأفلام المصرية ويعنى واحدا من الشخصيات التى لاتظهر إلا فى نهاية الفيلم أو فى لقطات قصيرة وهو الشخص المسؤول عن إدخال المخدرات من الخارج وتوزيعها بين التجار فى السوق.
و السؤال الذى يحيرنى كلما شاهدت فيلم العار هو أن الأب" عبد البديع العربى " عاش حياته يتاجر فى الخفاء وهو مقتنع تماما أنه لم يخطىء وربى أولاده الأربعة وعاش ميسورا مع أسرته ووصل أبناءه إلى أعلى المراكز إجتماعيا ومات فى حادث بصورة طبيعية أى أنه كإنسان عاش حياة ناجحة ولكن المخرج والكاتب كان يرى أن الجزاء من نصيب أولاده من بعده كما نعرف فى نهاية الفيلم المصحوبة بآية قرآنية تناسب القصة !!
ومن الأدوار التى تعد علامة واضحة فى الأفلام المصرية شخصية المعلم" هدهد " فى "أرض الخوف" قدم الدور بإقتدار الفنان حمدى غيث و يعتبر أروع أدواره حيث تقمص دور التاجر الكبير المتدين الذى يغدق بكرم على كل من حوله ولا يترك صبيانه حتى من يتم القبض عليه يقوم هو بإعالة أسرته والاطمئنان عليها ويقتل أى خائن من صبيانه بلا رحمة ، يرفض رفضا باتا التعامل مع تجار البودرة لأنه كما يعتقد يسممون الناس و يتحدث بفلسفة وعمق عن معنى الحياة والصراع بين الخير والشر ويبرر القتل رغم أنه متأكد أن نهايته هى الموت مقتولا .
ومن الأدوار التى تعتبر مفاجأة للمشاهدين جاءت شخصية" البهظ بيه" فى فيلم الكيف التى قام بها الفنان الرائع جميل راتب الذى تحدث عن دوره فى أحد اللقاءات قائلا أنه كان رافضا له ويرى أنه لا يناسبه ولم يعجبه إلا أن المؤلف والمخرج أقنعاه أن الدور سيكون مفاجأة للجمهور.
وفى مشهد لا ينسى يتحدث مع يحيى الفخرانى عن شهوة الكيف وأن المصريين فراعنة بنوا الأهرامات ولا خوف على صحتهم من الاكاذيب التى يروجها رجال الاقتصاد الذين يريدون نشر ثقافة الجوع ومنع الناس من العز الذى يخلقه الكيف ويضرب مثلا أنه بدأ عمله فى تعبئة الشاى وغشه مع نشارة الخشب ولكن مع أرتفاع سعرها توقف عن خلط الشاى فاعترض الناس على الطعم الذى إعتادوه وهنا يصور كيف يصبح الكيف عادة عند الناس يمكن خلقها .
العديد من الادوار والشخصيات والقصص المختلفة كانت البطولة لشخصية تاجر المخدرات زينهم فى فيلم الامبراطور بطولة أحمد زكى الذى جسد دور الشاب الذى يحاول بكل جموح أن يسيطر على سوق المخدرات فى مصر ويستبيح كل الطرق المهم الوصول إلى الثروة والنفوذ ويعيش فى خوف من ضياع تلك الإمبراطورية ويحاول تأمين نفسه من الجميع الذين تحولوا إلى أعداء له حتى أقرب الأصدقاء له .
ومن السينما إلى التليفزيون كانت مسلسل حدائق الشيطان علامة مميزة تحكى قصة مندور أبو الدهب الذى قدم دوره الفنان السورى جمال سليمان بإقتدار شديد ونال إعجاب المشاهدين رغم أنه قدم شخصية تاجر المخدرات الذى يعيش فى الصعيد ويمتلك الكثير ويرهب كل الناس من حوله ولكننا فى النهاية نشعر بالتعاطف معه عندما أصيب بالمرض ولوعة الحب .
الغريب أن أغلب الأدوار التى قدم أصحابها شخصية تاجر المخدرات حازت على إعجاب المشاهدين وحدث معها نوع من التعاطف التى تجعل المشاهد يشعر بالحزن عند القبض عليهم أو موتهم فى نهاية القصة وهذه علامة إستفهام كبيرة