لواء دكتور سمير فرج يكتب: سوق الجمال
لواء دكتور سمير فرج يكتب: سوق الجمال
تعتبر العلاقات العامة، أحد المسئوليات التي تضطلع بها إدارة الشئون المعنوية، بالقوات المسلحة المصرية، والتي منها الإعداد لاستقبال جميع زوار، وضيوف، القوات المسلحة المصرية، من الخارج، سواء العسكريين، أو المدنيين، والمنوط بها الاهتمام بعدد كبير من التفاصيل، داخل أروقة القوات المسلحة المصرية، بدءاً من مراسم الاستقبال، المناسبة لكل ضيف، في الموانئ الجوية أو البرية أو البحرية، مروراً بكافة تفاصيل الإقامة، والزيارات، والاجتماعات، والانتقالات، حتى تمام مراسم الوداع، عند انتهاء الزيارة.
والحقيقة أنني بذلت جهداً، كبيراً، في تطوير أداء العلاقات العامة، أثناء إدارتي للشئون المعنوية، إيماناً مني بدوره المحوري، في ترك انطباعات، وذكريات، محددة، لدى الضيف، أياً كانت وظيفته ودرجته وأهميته، عن مصر، وشعبها، وقواتها المسلحة، وهو ما كنت أحرص، بشدة، أن يكون انطباعاً إيجابياً. كان من أدق مهام العلاقات العامة، هو الإعداد لاستقبال زيارات وزراء الدفاع الأجانب، والذي كان عدد كبير منهم، خاصة من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية، يصحبون معهم زوجاتهم، لأنها، بالطبع، "فرصة لزيارة مصر العظيمة، التي حلموا بزيارتها، منذ أول يوم لدراسة التاريخ، في الطفولة"، كما كانوا يقولون. وحيث كان جدول أعمال زيارة السادة وزراء الدفاع، يتحدد وفقاً لطبيعة الزيارة، والهدف منها، فإن برنامج زيارة حرم وزير الدفاع، يتحدد وفقاً لأهوائها، واهتماماتها، وهو ما كان يبدأ بالتنسيق مع سفارة بلادها، للتعرف على الطلبات الخاصة، أثناء الزيارة، سواء في الزيارات، أو البرامج الغذائية المتبعة، وغير ذلك من التفاصيل، تمهيداً لعرض المقترح الخاص بنا، للزيارة، والذي يشمل المعالم الرئيسية، الهامة، التي يمكن ضمها للجدول، في حدود الوقت المتاح، وعلى رأسها، منطقة الأهرامات، والمتحف المصري، والكنيسة المعلقة، ومجمع الأديان، ومسار العائلة المقدسة، وغيرهم من الأماكن التاريخية، التي تزخر بها مصر.
كان تلك الأسئلة، تقودنا، في بعض الأحيان، للعديد من المفاجآت، والمفارقات، غير المتوقعة، لزيارة أماكن، أو مناطق، غريبة، أذكر منها، أن طلبت حرم أحد وزراء الدفاع، الأمريكان، إضافة سوق الجمال، في إمبابة، لجدول زياراتها، لرغبتها في رؤية صغار الجمال، وإطعامهم بنفسها، بعدما قرأت عن هذا السوق في مصر. فوجئت، في الحقيقة، بالطلب، وحيث أنني أعلم بوجود ذلك السوق، إلا أنني لم أزره من قبل، فقد أرسلت مجموعة استطلاعية للتحري، والإفادة، إلا أنهم أوصوا بالاعتذار عن تلبية مطلب حرم الوزير، لصعوبة اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة. ونظراً لمعرفتي بأن تلك النوعية من الاعتذارات، قد تترك انطباعاً خاطئاً عن مصر، ومستويات الأمن والأمان بها، فقد قررت، في اليوم التالي، أن أزور سوق الجمال بنفسي، فوجدته سوق، بدائي، للغاية، يماثل أسواق المواشي في الريف المصري، ولم أجد غضاضة في أن تزوره حرم وزير الدفاع الأمريكي، بعدما نسقت مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على إجراء بعض "الرتوش"، في المكان، خاصة فيما يتعلق بأعمال النظافة، مع الإبقاء على الطبيعة الريفية للمكان. وبالفعل تمت الزيارة، ودامت لأكثر من ساعة، رغم ما كان مخطط لها من 20 دقيقة، ذكرت، بعدها، حرم الوزير أنها كانت من أمتع الزيارات في حياتها.
كان ضيوف مصر يقومون بواجبهم، قبل الزيارة، بالبحث والاستعلام، فوصلنا، يوماً، طلباً، آخر، من حرم أحد وزراء الدفاع، الأوروبيون، لزيارة مزرعة الخيول المصرية، بالشرقية، والتي تعد، في الحقيقة، واحدة من النقاط المضيئة، في سجلات وزارة الزراعة المصرية، لما تحتويه من نوعيات، نادرة، من الخيول العربية، الأصيلة، للمهتمين بذلك المجال. فقضت الزائرة، يوماً كاملاً، بالمزرعة، استمتعت خلاله بركوب الخيل، ومتابعتها، والحديث عن خصائلها النادرة، مع القائمين عليها، واشترت، لنفسها، سرج خيل، مُطعم بالفضة، وهدايا، أخرى، عديدة، لأصدقائها من محبي الخيول، ومحترفيها.
من الزيارات التي ظلت عالقة في ذهني، رغم مرور السنوات، عندما طلبت حرم أحد وزراء الدفاع الأمريكيين، زيارة مستشفى حكومي، للأطفال، لاهتمامها بالأمر، من خلال جمعية أهلية، ترأسها في الولايات المتحدة، لرعاية مرضى الأطفال؛ وبعد التشاور، والتنسيق، مع الجهات المعنية، وقع الاختيار على مستشفى أبو الريش للأطفال، باعتبارها من أهم مستشفيات الأطفال، ليس في مصر، فقط، بل وفي العالم العربي. فتوجهت إلى المستشفى، تمهيداً للزيارة، فوجدتها رغم إمكاناتها العلمية العالية، من حيث كفاءة الأطباء …