من آيات الله فى الحَبْ والنوى

من آيات الله فى الحَبْ والنوىمن آيات الله فى الحَبْ والنوى

* عاجل4-6-2017 | 17:39

د. أحمد السايح
قال تعالى فى سورة الأنعام "إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ ذَلِكُمْ اللَّهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " (سورة الأنعام الآيات 97:95).
فى هذه الآيات الكريمات، تتدفق المدلولات، والمشاهد، والعبارات، فى موجات متلاحقة، ونحن أمام كتاب الكون المفتوح الذى يمر به الغافلون فى كل لحظة، فلا يقفون أمام خوارقه وآياته، ويمر به المطموسون فلا تتفتح عيونهم على عجائبه وبدائعه.. ها هو القرآن الكريم يرتاد بالناس هذا الوجود، ويقف أمام معالمه العجيبة، ويفتح الأعين مشاهدة الباهرة، ويثير تطلع الناس إلى بدائعه التى يمر عليها الغافلون غافلين.
" إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى " ذلك هو الله، وتلك هى بعض آثار قدرته.
فلينظروا فى هذا الذى أبدعته القدرة القادرة، التى قام سلطانها على كل شىء ونفذ علمها إلى كل شىء.
فهذه الحبة الصغيرة التى لا تكاد تمسك بها العين يفلقها الخالق، فيخرج من كيانها الضعيف، وجرمها الصغير شجرة عظيمة مورقة، مزهرة مثمرة، إنها المعجزة التى لا يدرى سرها أحد، فضلا على أن يملك صنعها أحد.
معجزة الحياة، نشأة وحركة.. وفى كل لحظة تنفلق الحبة الساكنة، عن نبتة نامية، وتنفلق النواة الهامدة عن شجرة صاعدة.
والحياة الكامنة فى الحبة والنواة، النامية فى النبتة والشجرة، سر مكنون لا يعلم حقيقته إلا الله ولا يعلم مصدره إلا الله.
وتقف البشرة بعد كل ما رأت من ظواهر الحياة وأشكالها، وبعد كل ما درست من خصائصها وأطوارها، تقف أمام هذا السر المغيب، كما وقف الإنسان الأول، وتدرك الوظيفة والمظهر وتجهل المصدر والجوهر.. والحياة ماضية فى طريقها، والمعجزة تقع فى كل لحظة.. ومنذ البدء أخرج الله: الحى من الميت فقد كان هذا الكون أو على الأقل كانت هذه الأرض، ولم يكن هناك حياة ثم كانت الحياة أخرجها الله من الموات.. كيف؟.. لا ندرى.
وهى منذ ذلك الحين تخرج من الميت فتتحول الذرات الميتة فى كل لحظة عن طريق الأحياء.. إلى مواد عضوية حية تدخل فى كيان الأجسام الحية، وأصلها ذرات ميتة إلى خلايا حية.. والعكس كذلك ففى كل لحظة تتحول خلايا حية إلى ذرات ميتة، إلى أن يتحول الكائن الحى كله ذات يوم إلى ذرات ميتة.
فهذه النواة اليابسة التى لا تتجاوز جرمها جرم حصاة صغيرة يفتقها الخلاق العليم فيخرج من أجوائها نخلة باسقة، تطاول السماء وتناطح السحاب، فالله سبحانه وتعالى يشق الحب والنوى فى التراب، فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على تنوع أشكالها وألوانها وطعومها من النوى.
قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ) ولا يقدر إلا الله أن يصنع ذلك، لا يقدر إلا الله أن ينشئ الحياة منذ البدء من الموت، ولا يقدر إلا الله أن يجهز الكائن الحى بالقدرة على إحالة الذرات إلى خلايا حية، ولا يقدر إلا الله على تحويل الخلايا الحية مرة أخرى إلى ذرات ميتة.
قال تعالى فى سورة البقرة: "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (سورة البقرة الآيتان: 28 ، 29).
فالله سبحانه وتعالى يخرج الحى من الميت، ويخرج الميت من الحى وفى هذا العرض للإحياء والأمانة، مثل ظاهر يرى فيه الإنسان العاقل صورة لحياته هو، وأنه كان فى عالم الموات، ثم إذا هو كائن حى عاقل، ثم إذا هو مردود إلى عالم الموات مرة أخرى، فهل تعجز القدرة الإلهية عن رده مرة ثانية إلى الحياة إن ذلك فى تقدير الإنسانية أمر أهون مما سبق من إيجاد الحياة من العدم.
"فأنى توفكون" إنكار على هؤلاء الضالين أن يكون لهم متجه غير الله، ثم هو دعوة مجددة لهم أن يتركوا هذا الطريق الآثم الذى هم فيه، وإلا كانوا فى الهالكين.
وقوله تعالى (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً) هو استعراض لعرض آيات من قدرة الله سبحانه خالق الضياء والظلام، يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح، فيضئ الوجود ويستنير الأفق، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده، ويجئ النهار بضيائه وإشراقه، وذلك من آثار قدرته- عز وجل- على خلق الأشياء المتضادة المختلفة، الدالة على كمال عظمته، وعظيم سلطانه.
وكما أنه فلق الإصباح فقد جعل الليل ساجيا مظلما لتسكن فيه الأشياء وجعل الشمس والقمر بحساب مقنن مقدر، لا يتغير ولا يضطرب.. بل لكل منه منازل يسلكها ضمن النظام الدقيق للمجموعة الشمسية مع الأرض مما يترتب عليه ما يترتب، والجميع جار بتقدير العزيز الذى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء.
وكما فعل هذا كله، فقد جعل النجوم ليهتدى بها الإنسان فى ظلمات البر والبحر فلولاها لضاع الإنسان ولم يستطع أن يسلك طريقا بحريا، ولا أن يهتدى فى الظلام إلى طريق.
وبعد ذلك تبقى مزية النهج القرآنى فى مخاطبة الفطرة بالحقائق الكونية، لا فى صورة نظرية، ولكن صورة واقعية، صورة تتجلى من ورائها يد المبدع، وتقديره ورحمته، وتدبيره، صورة مؤثرة فى العقل والقلب، موحية للبصيرة والعقل، دافعة إلى التدبر والتذكر، وإلى استخدام العلم والمعرفة للوصول إلى الحقيقة الكبرى المتناسقة.
يقول الله تعالى " قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " فالاهتداء هو الاهتداء فى الظلمات الحسية والواقعية، وفى ظلمات العقل والضمير.
وكم فصل رب العزة آياته، ولكن العالم وحده هو الذى يعرفها، ويعلقها ويؤمن بالله الذى خلق السماوات والأرض وأنزل القرآن.
أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2