الإسلام انتشل المرأة من أوضاع سيئة كانت عليها، وأعلى مكانتها وأسقط عنها تهمة إغواء آدم فى الجنة، فالشيطان هو الذى أغوى آدم وحواء معاً، وقرر أن الرجل والمرأة متساويان فى الاعتبار الإنسانى والكرامة التى منحها الله «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ». وصف الرسول المرأة بـ«شَقَائِقُ الرِّجَالِ» بما يعنى المساواة والندية، وهما سواء أمام الله، أما تعبير القرآن «بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ» فيدل على أن كلاً منهما مكمل للآخر، ولا تستقر الحياة إلا بمشاركتهما معاً.
هناك خلط ظالم بين الإسلام كدين سمح، والسلوك السيئ لبعض المسلمين تجاه المرأة، وهذا لا يرجع إلى الإسلام، وإنما إلى أعراف وتقاليد مجتمعية بالية. أكثرنا يميل إلى تعليق كل مشكلاتنا على شماعة الغير. سهام النقد التى فى جعبتنا نوجّهها إلى «الآخر»، فلم يعد لدينا سهم واحد فى جعبتنا نوجّهه إلى أنفسنا حتى تراكمت مشكلاتنا دون أن نبحث عن حل ملائم لها. زمن المعجزات قد انتهى، والتغيير يجب أن يكون ذاتياً، والقانون القرآنى يحدده لنا «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ». الإسلام دين قائم على الحوار والإقناع والمجادلة بالتالى هى أحسن. بدون الحوار لن تتحقق أى فريضة من الفرائض الأخرى، وبدونه لن نستطيع أن نلتقى على كلمة سواء، ولن يهدأ التناحر المذهبى والطائفى والعقائدى المحتدم، وسيظل بعضنا يحارب الآخر، وسيربح الغلاة والتكفيريون، والمتلاعبون بالعقول. الإسلام فقط هو الذى يعترف بالديانات الأخرى ويؤمن بجميع الأنبياء.
نحن «أمة الحوار» وليس فى ديننا ولا فى شريعتنا ما نتوجّس منه أو نستحى منه، بل على العكس من ذلك تماماً، فنحن نمتلك الوثيقة السماوية الوحيدة التى لا ريب فيها، هناك 700 آية قرآنية تحث على إعمال العقل والتفكير، محاولة تعطيل العقل عن أداء وظيفته تعد تعطيلاً لحكمة الله فى خلق العقل. الإسلام يعتبر عدم استخدام العقل خطيئة وذنباً سنُحاسب عليه وعلى مدى حسن أو إساءة استخدامه. قضى الإسلام على الدجل والشعوذة أو الاعتقاد فى الخرافات والأوهام، وأبطل الكهانة وركز على المسئولية الفردية، وجعل الحفاظ على العقل من مقاصد الشريعة.
هذه بعض كلمات العلامة والمجدد والفيلسوف د. حمدى زقزوق، الذى وافته المنية منذ أيام، بعد أن ملأ الدنيا علماً وخلقاً، فقد درس للإمام الأكبر د. الطيب الفلسفة فى الماجستير، وهو الوحيد الذى خرج الطيب لاستقباله خارج المشيخة، وقبل أن يعمل تحت رئاسة تلميذه، ونعاه بأرقى العبارات. د. زقزوق لم يكن فيلسوفاً فحسب، لكنه كان إدارياً فريداً، وهو الوحيد الذى لم يُضبط بخطأ قيمى أو أخلاقى أو لفظة تفحش أو لحظة طيش أو فساد. وقد ظل وزيراً للأوقاف 11 عاماً متواصلة فما شابته شائبة فى هذه الوزارة الشائكة، وكان يتمنى مع كل تغيير وزارى أن يُقال ليعود إلى محراب العلم.
يقول للجميع حتى للسائق والبائع والعامل: لو سمحت، من فضلك. يحفظ الجميل. مات أبوه وهو طفل فكفله شقيقه الأكبر، وهو أول أزهرى يحضر دكتوراه فلسفة فى أوروبا، كان عاشقاً لحجة الإسلام الغزالى، ومعجباً بفكر محمد عبده، ويعد هو والغزالى الصغير، ود. عمارة، ود. عبدالعزيز سيف النصر من المدرسة العقلية التى تجمع بين النص والعقل جمعاً صحيحاً، يسميه البعض ابن رشد المصرى. ويُعد د. زقزوق عالماً موسوعياً، فقد ألف قرابة 60 كتاباً بلغات مختلفة أهمها العربية والألمانية، وقد أسلمت زوجته الألمانية ورفيقة دراسته دون ضغط منه بعد 8 سنوات من زواجهما وأصبحت رمزاً إسلامياً حقيقياً، تطوع فى شبابه أثناء العدوان الثلاثى، وكان يكتب فى «الرسالة» وعمره 17 عاماً، وتتلمذ على يد العقاد والزيات وبنت الشاطئ ومحمد البهى، أيام كانت تزخر مصر بالآداب والحريات معاً، انتهت مساحة المقال ولم يجف المداد عن ذكر هذا العالم العفو والرحيم.