كتبت: نادية صبره
حصل رئيس المخابرات العراقي "مصطفى الكاظمي" على تكليف من رئيس الجمهورية "برهم صالح" الخميس الماضي لتشكيل الحكومة العراقية بعد دعم جميع القوى السياسية "شيعية وسنية وكردية" له خلفاً لمحافظ النجف السابق "عدنان الزرفي" الذي اعتذر عن التكليف بالرغم من أنه استكمل التشكيل الحكومي وأرسله للبرلمان وكان ينتظر تحديد موعد جلسة التصويت على المنهاج وكابينة الوزراء.. وقد أورد "الزرفي" في رسالة الاعتذار التي وجهها إلى العراقيين وأرسل نسخة منها إلى رئيس الجمهورية عبارة غامضة قال فيها أنه قرر الانسحاب لأن هناك أسباباً "داخلية وخارجية" تقف خلف عدم إكماله المهمة...!
الجدير بالذكر أن عشرة فصائل عراقية مسلحة أطلقت على نفسها اسم المقاومة الإسلامية قد أعلنت في بيان شديد اللهجة رفضها الحاد تكليف الزرفي الذي تعتبره مرشح الإستخبارات الأمريكية كما وجهت تهديداً مباشراً لكل من سيدعم تمرير الحكومة برلمانياً.
وفي مفاجأة غير متوقعة وبالرغم من أن البيت الشيعي كان منقسماً على نفسه إلا أنهم توافقوا على "مصطفى الكاظمي" واستبعاد "الزرفي" بعد أن أعطت إيران الضوء الأخضر للأحزاب الشيعية فتوافقت عليه ونظراً لما تتمتع به زعامات البيت الشيعي من قدرة على التحكم بالقرارات السياسية في العراق تم تكليف الكاظمي بعد أن جرى ترشيحه من قبل تحالف البناء بزعامة "هادي العامري" والذي يضم أيضاً ائتلاف دولة القانون بزعامة "المالكي" والكتل السياسية الممثلة لفصائل المقاومة الإسلامية.
ومن الواضح بالطبع أن الفاعل السياسي السني الكردي تقاطع مع الإسلام السياسي الشيعي لذلك حصل "الكاظمي" على دعم من القوى السياسية الكردية وعلى رأسها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و "الإتحاد الوطني الكردستاني" مقابل تعهده بالحفاظ على حقوق الأكراد وفقاً للدستور العراقي...
كما حصل على دعم سني بتأييد كلاً من تحالف القوى العراقية الممثل السياسي الأبرز للسنة في البرلمان بزعامة رئيس مجلس النواب "محمد الحلبوسي" وأيضاً تحالف الوطنية بزعامة "إياد علاوي".
"الكاظمي" وفي تغريدة نشرها عقب التكليف تعهد بتشكيل حكومة تلبي مطالب العراقيين وتصون سيادة البلاد...
وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ تشكيل حكومة "عادل عبد المهدي" يتوافق الفريقين الشيعيين المنقسمين تحالف البناء بزعامة هادي العامري وتحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر وأيضاً يتوافق سنة إيران وهم الفريق الأغلب سياسياً بزعامة محمد الحلبوسي وسنة أمريكا بقيادة إياد علاوي...
وبالرغم من حصول "الكاظمي" على دعم جميع الكتل السياسية بمختلف توجهاتها مما يعكس قبولاً أمريكياً وإيرانياً الأمر الذي يتيح له فرصة لم تتكرر لإعداد برنامج حكومي وتشكيل حكومة يمكن تمريرها بسهولة في البرلمان خلال مدة دستورية أقصاها 30 يوماً إلا أن الصورة ليست وردية فقد غاب عن المشهد صوت الجماهير العراقية التي ما أن تم الإعلان عن تكليف "الكاظمي" حتى خرجت إلى شوارع بغداد بالمئات.
تهتف ضد الكاظمي وضد جميع القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي العراقي والمهيمنة على القرار وتم كسر حظر التجوال وامتلأت ساحة التحرير بالثوار الذين خرجوا لرفض مرشح الأحزاب مصطفى الكاظمي وتعالت الهتافات مثل: "مرفوض بأمر الشعب" "مرفوض بأمر الثوار" "مرفوض بأمر الأحرار" ، "دماء الشهداء لن تذهب سدى" ، "تضحيات الجرحى لن تذهب سدى" ، "الثورة قائمة ومستمرة" ، "لن نقبل بمرشح الأحزاب" ،"باسم التحرير مرفوض" إضافة إلى تمزيق صور الكاظمي وهتافات أخرى وصفته بأنه زعيم ميليشيا وزعيم النشالة!...
للأسف العراق الشقيق يمر بمرحلة خطيرة وحساسة جداً فهو يعاني من كارثة إقتصادية بسبب تدني أسعار النفط الأمر الذي يهدد بعدم القدرة على دفع الرواتب بعد شهرين من الآن.. إلا أن كل القوى السياسية تبحث عن مصالحها الخاصة بالرغم من أن الوضع أصبح حياة أو موت بالسنة للعراقيين..
كان الأجدى بالقوى العراقية الإستماع إلى صوت الجماهير المنتفضة لأنه دون ذلك فإن العراق ذاهب بإتجاه خطير جداً ولا يبشر بالخير.
وقد أصدرت الجبهة الوطنية العراقية المنظمة للتظاهرات بيان دعت فيه جميع القوى للرافضة للعملية السياسية إلى اصطفاف وطني لتعزيز صمود ثوار أكتوبر لإفشال ما أسمته مخططات السلطة الحاكمة في العراق للإنقضاض على ما حققته الثوار لمنع ترتيب أوراقهم من جديد واستغلال تداعيات فايروس كورونا وإنعكاسه على التواجد الجماهيري في ساحات الاعتصام وذلك من خلال التوافق على "مصطفى الكاظمي" كرئيس للحكومة ليكون إمتداد لحكومة عادل عبد المهدي وهو توافق إستباقي خوفاً من إنهيار العملية السياسية ومنظومتها الطائفية.
إن التحديات التي تواجه العراق كثيرة وأولها إستعادة هيبة الدولة وتصحيح وضع ميليشيا الحشد الشعبي وتحول العراق نفسه إلى ساحة لتصفية الصراع الأمريكي الإيراني
وكان هناك تصريح لوزير الخارجية الأمريكي ، "مايك بومبيو" منذ ثلاثة أيام قال فيه إن الولايات المتحدة ستدعم رئيس الوزراء الذي سيلبي مطالب المحتجين... فهل الكاظمي تتوافر لديه الإرادة السياسية لتلبية مطالب المحتجين وأولها محاربة الفساد ومحاكمة قتلة المتظاهرين وقد تولى المنصب رغماً عن إرادة الجماهير؟