الشيخ كمال محمود مهدي* يكتب: «وإن عدتم عدنا»

الشيخ كمال محمود مهدي* يكتب: «وإن عدتم عدنا»الشيخ كمال محمود مهدي* يكتب: «وإن عدتم عدنا»

* عاجل18-4-2020 | 16:53

الحمد لله كاشف الضرِّ والبلوى، وفارج الكربات، ومجيب الدعوات في اللحظات إذا صدقت النيات في التضرع والقربى، أحمده – سبحانه – لا يحمد غيره في الضراء والسراء، وبعد أحبتي في الله: إن الله جل وعلا حينما يغضب من عباده يعلن عليهم الحرب وحرب الله ليست بقاذفات القنابل ولا الصواريخ إنما هي حرب من نوع آخر حرب ذكر الله جل وعلا نموذجا منها في سورة الأعراف في قوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) انظر أخي الكريم إلى هذه الأسلحة الطوفان فاض ماء النيل فأغرق الديار ثم ماذا والجراد انتشرت فأكلت الزروع والثمار ثم القمل امتلأت فرشهم بالقمل فلا يستطيعون النوم ثم الضفادع تحول طعامهم إلا ضفادع ثم الدم تحول الماء إلى دم فإذا أراد الواحد منهم أن يشرب تحول الماء إلا دم فلا طعام ولا شراب ولا نوم # أتدرون لما كل ذلك؟ لأنهم استكبروا وكانوا قوما مجرمين.... فمن تجاوز الحد في الطغيان كان مصيره الهلاك قال تعالي (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ) فماذا فعل آل فرعون تجاه هذه الحرب وهذا البلاء وكيف تعاملوا مع هذا البلاء؟....... علموا أنه لا مفر ولامهرب من ذلك إلا بالرجوع إلى الله والتضرع والدعاء قال تعالى مصورا حالهم ( وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) فاستجاب الله جل وعلا وكشف عنهم الرجز والبلاء فماذا فعلوا تجاه ذلك؟ هل اعتبروا ورجعواعن طغيانم وشكروا الله جل وعلا... تعالوا بنا لنرى ذلك من خلال الآيات قال تعالى (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) للأسف الشديد ما اعتبروا ولا اتعظوا ولا رجعوا بل عادوا إلى ما كانوا عليه ونقضوا عهدهم وهنا حل بهم ما هو أشد وأعظم ما فيه الهلاك والدمار قال تعال ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) وقد صور الله تعالى عودة النفس إلى خالقها حال المصائب والنكبات في مشهد بديع يأخذ بالقلوب والألباب، فضرب مثلاً بقوم ركبوا البحر في صفاء جوه، وهدوء موجه، وطيب ريحه التي أخذت تداعب مركبهم فتنقله بين صفحات الماء في يسر وسهولة، حتى إذا نعموا وفرحوا بما هم فيه، جاءتهم ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان كأمثال الجبال، فانقلب سكون البحر أمواجاً متلاطمة، وصفاء السماء ظلمة ومطرا غزيراً وبرقاً ورعداً، فخاف ركاب السفينة واضطربوا .. وتقلبت بهم الظنون كما تتقلب الأمواج بسفينتهم .. فتارة يتمسكون بأمل النجاة .. فتأتي شدة الأمواج لتحطم أملهم .. فيبلغ بهم اليأس والقنوط مبلغاً يكادون معه أن يرموا بأنفسهم إلى البحر استعجالا للهلاك.. وفي خضم هذه المنازعات النفسية .. يبرز صوت خفي .. لا يزال يكبر، ويكبر .. حتى يزيل عن قلب صاحبه غبار سنين طويلة، من الغفلة والمعصية .. ويملأ نفس صاحبه ثقة ويقينا بالله رب العالمين ..  فينطلق صوته بالدعاء في خضوع تام مصحوب بأمل ورجاء ..اللهم أغثنا... اللهم أغثنا .. إنه صوت الفطرة ونداء الحق الذي يربط القلوب بخالقها .. فينجيهم الله سبحانه .. ويبدل حزنهم فرحاً .. وخوفهم أمناً .. بفضل توبتهم ورجوعهم إليه ... لكن هل يتمسكون بتوبتهم ويبقون على استقامتهم ؟ .. كلا .. فما أن يشعروا بالأمن حتى يعودوا إلى ما هم عليه من الشرك والجحود... وهذه صورة تتكرر في حياتنا، على ظهر سفينة أو متن طائرة، أو حتى في سيارة انحرفت عن الطريق، وكادت تهوي في واد سحيق، لولا دعاء الخالق والاستغاثة به، صورة تحكي تقلب النفس الإنسانية وتمردها على الله فهي في حال شدتها تلجأ إليه وتستغيث به، فإذا شعرت بالأمان رجعت إلى عصيانها وتمردها، وكأن الله قادر عليها في شدتها وغير قادر عليها في أمانها . ولنا في كل ذلك عبرة فنحن اليوم ابتلينا بهذا الوباء (( كورونا )) فماذا نحن فاعلون؟ هل سنعود ونرجع؟ ولكن أي رجوع؟ رجوع إلى الله أم رجوع إلى الغفلة و العصيان.. **فلعتبر ولنتعظ ولنأخذ من ذلك عبرة  وعلينا أن نوقن بأن الذي يرجع إلى الله  فإنما يأوي إلى ركن شديد، وأن نوقن بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينجِّي من الكربات، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ولنعلم أن العقاب تنبيه للناس حتى يعودوا و يرجعوا و يسارعوا بالتوبة .... و لو كان الأمر بلا عقاب أو تذكير لنسيت الأمة و استمرت المعاصي فهل سنعود؟؟؟؟ يقول جل وعلا : { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } أي إن عدتم إلى الإفساد في الأرض { عُدْنَا } إلى عقوبتكم، أسأل الله تعالى أن يوفقنا للعودة إليه َوأن يوفقنا لصالح العمل، وأن يقينا الغفلةَ وطولَ الأمل.
أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2