د.قاسم المحبشى* يكتب: العولمة والإعلام الجديد

د.قاسم المحبشى* يكتب: العولمة والإعلام الجديدد.قاسم المحبشى* يكتب: العولمة والإعلام الجديد

*سلايد رئيسى19-5-2020 | 12:50

لما كان مقدراً علينا أن نعيش في هذا العصر ونتأثر وننفعل بما يعتمل فيه من أحداث ووقائع ومتغيرات متسارعة الايقاع في مختلف صعد الحياة ومجالاتها المتنوعة، فلا بد لنا من التعرف على طبيعة عالمنا الراهن ودينامياته وقوه الفاعلة، حتى نتمكن من تدبير أمر فيها بوصفنا كائنات عاقلة، يجب أن تعرف ذاتها وتاريخها وعالمها وتفهم ما يدور حولها من تحولات ومتغيرات وتحديات حيوية؛حضارية وثقافية ومدنية، ولعل من بين أبرز ملامح المشهد العالمي الراهن تأتي ظاهرة العولمة والإعلام الجديد في المقدمة، وهذا موضوع مقالنا اليوم. يعد الإعلام الجديد أحد مظاهر العولمة وأبرز مقاوماتها الراهنة، إذ بات العالم شديد التداخل والتواصل والتفاعل في فضاء إعلامي تواصلي تفاعلي مستمر.. أي أنه بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات وانتقال الصوت والصورة عبر موجات الأثير سيكون العالم مجالاً للرؤية ومكاناً مكشوفاً للجميع. وبذلك تحطمت كل الحواجز والحدود التي كانت في الماضي القريب تفصل بين القارات والشعوب والدول واللغات والثقافات، حيث يمكن للناس أن يتبادوا تحية الصباح كل يوم من طرف الأرض إلى طرفها، بل يمكنهم أن يتحاوروا ويتخاصموا ويتقاتلوا في أية لحظة، كما يحدث في القرية الصغيرة في أقصى الريف. فالعولمة - إذن - هي العالم وقد أصبح قرية صغيرة يعرف أهلها عنها كلَّ شاردة وواردة، كل صغيرة وكبيرة، نظرا لدخول الإعلام كشريك أساسي في التنشئة الاجتماعية وفي تكوين الرأي العام من جهة، واستحواذ وسائل الإعلام الجديد في الوقت الحاضر على اهتماماتنا وانتباهنا، ومحاصرتها لنا في أي مكان نذهب إليه، وفي جميع الأوقات من جهة أخرى.. بحيث بتنا معرضين - أكثر من أي وقت مضى - لمضامين ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه يوميا من الرسائل. فإذا كان أبسط تعريف للعولمة هو (العالم بعد انكماش الزمان والمكان)، فإن الموكد أن الإعلام الجديد كان له الدور المحور في بلوغ هذا الانكماش، إذ إن التكنولوجيا الرقمية لم تِحدث فقط تحولاً في العالم، بل تمكنت من خلق عالمها المجازي أيضاً، فأقمار الإرسال التلفزيوني الصناعية اليوم مكنت الناس على طرفي الكوكب من التعرض بانتظام لطائفة واسعة من المحفزات الثقافية. فالمشاهدون الروس متعلقون بالتمثيليات التلفزيونية الأمريكية وقادة الشرق الأوسط، يعتبرون محطة الـ(سي إن إن) مصدراً رئيساً حتى للمعلومات والأفكار. والموسيقى الأمريكية والأفلام الأمريكية والبرامج التلفزيونية أصبحت شديدة الهيمنة ورائجة جداً ومشاهدة جداً حتى إنها تتواجد في كل مكان على الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة، وهي تؤثر فعلياً في أنماط وحياة وتطلعات كل الأمم، وهكذا لم تعمل العولمة على خلق عالم موحد، فهي ليست مرادفاً للتعبير (عالم واحد)، بل هي تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة، أي مرتبطة فيما بينها. إن العالم بوجود الإعلام الجديد لم يعد يدار بالأسلحة أو الطاقة أو المال، بل إنه صار يدار بالأرقام والرموز الصغيرة … وأن هناك حربا تحدث الآن … إنها ليست من يملك رصاصاً أكثر أو أسلحة فتّاكة، إنها حول من يسيطر على المعرفة بمعناها الواسع، علم ونظريات ومناهج ومعلومات وثقافة واعلان وأخبار: ماذا نسمع أو نرى، كيف نقوم بعملنا؟ وكيف نفكر؟ ماذا يمكننا قوله للعالم؟ وماذا نمتلك من طاقة معرفية علمية مفيدة قادرة على المنافسة؟ ختاما نقول: إن الإعلام الجديد وأدواته وخصائصه المتزايد النمو والاتساع في الفضاء الرقمي بات سيفا ذا حدين؛ إذبقدر ما لهذا النجاح من آثار إيجابية على تقديم وإيصال المعارف دون حواجز ودون قيود، بقدر ما له العديد من الآثار السلبية على حياة المجتمعات المستهلكة التي لا تمتلك ثقافة علمية وتقنية راسخة للتعامل مع قيم وأدوات العلم والتقنية المعاصرة. ……………………….. * أكاديمى وشاعر وأديب يمنى
أضف تعليق