ماجد بدران يكتب: أنوار الله
ماجد بدران يكتب: أنوار الله
هو النور الذى أفاض على هذا العالم.. أضاء الكون، فأشرقت الأرض بنور ربها، وقد أطلق الله جل جلاله اسم «النور» على نفسه فى سورة حملت اسم «سورة النور» فى كتابه العزيز، قال تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» النور 35، فالكون كان ظلمة أناره ظهور الحق فيه، وتتحدث الآيات عن نور الله تعالى، وذلك على هيئة مثل لتقريب المعنى، ونور الله تعالى هو أنوار هدايته التى أضاءت الوجود وحولت الظلمات إلى نور، ومثل نور الله الذى أنار به لعباده سبيل الرشاد.. وجاء «النور» فى كتاب الله على عدة معانٍ، أطلقه الله سبحانه على نفسه، وأطلقه على القرآن، وأطلقه على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأطلقه على الهداية والإيمان، فالنور فى القرآن على خمسة مقاصد، نور الرحمن، ونور القرآن، ونور النبي، ونور الإيمان، ونور الأكوان.
والنور اسم من أسماء الله تعالى، وقد ورد لفظ «النور» فى القرآن الكريم فى خمسة وأربعين موضعًا، جاء فى جميعها بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» البقرة 257.
كما ورد لفظ «النور» على عدة معانٍ، هي: الإسلام، ومن ذلك قوله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ» التوبة 32، وقوله تعالى: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ» الصف 8، ويعنى بالنور فى هذا الموضع الإسلام، وبمعنى الإيمان، بقوله تعالى: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» البقرة 275، وعلى هذا المعنى أيضًا قوله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ» النور 40.
فمن لم يرزقه الله إيمانًا وهدى فما له من نور، وبمعنى القرآن بقوله تعالى: «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» الأنعام 122، وقوله تعالى: « وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» الحديد 28.
وقوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» النساء 174، وهنا النور بمعنى القرآن، لأن القرآن فيه هدى للناس، وبمعنى الهادى، بقوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ» النور 35. فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون، وبمعنى ضوء النهار، بقوله تعالى: «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» الأنعام 1، وبمعنى ضوء يهبه الله للمؤمن يوم القيامة على الصراط، لقوله تعالى: «يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» الحديد 12، وبمعنى بيان الحلال من الحرام، بقوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ» المائدة 44، ويعنى جلاء وضياء من ظلمة الضلالة، وقوله تعالى: « وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً» الشورى 53، وبمعنى العدل، بقوله تعالى: «وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ» الزمر 69. عندما يتجلى الحق تبارك وتعالى للخلائق لفصل القضاء، وبمعنى النبى صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى: « قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ» المائدة 15.
فكان سيدنا محمد هو ذلك النور المبين الذى ظهر فجأة من جزيرة العرب بمكة، والذى أخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، لقوله تعالى: «وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً» الأحزاب 46.
هذه الأنوار يسّرت لبنى آدم سُبل معرفته سبحانه، ووسائل بلوغ مرضاته جل جلاله، وهذا النور رغم أنه قد عم الكون، لكن لا يهتدى إليه إلا من فتح الله بصيرته وشرح صدره للإسلام فعرف الله.
فالاهتداء إلى هذا النور سعادة لا ينالها إلا من أدركته العناية الإلهية والهداية الربانية «يهدى الله لنوره من يشاء»، وهذه الهداية جاءت عن طريق الأنبياء والرُسل الذين أكرمهم الله برسالاته وكتبه فقال: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ».
والخسارة الكبرى هى خسارة من ابتعد عن نور الله أو رفض الاستنارة واختار الظلمات، وما أسعد من سار فى نور الله حتى يلقاه، «رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وهذا الدعاء النافع جاء ذكره فى كتاب الله العزيز الحكيم من دعاء المؤمنين فى يوم القيامة، فيستجيب الله دعوتهم ويوصلهم بما معهم من النور إلى جنات النعيم.
اللهم اغمرنا بنورك وأدم علينا فضلك، ونعوذ بك أن نقترب من الظلمات أو نسقط فى غياهبها.