على الحدود وفى الداخل.. التوترات الإثيوبية السودانية في ظل الجائحة وصدمة المليون لاجىء (1 من 2)

على الحدود وفى الداخل.. التوترات الإثيوبية السودانية في ظل الجائحة وصدمة المليون لاجىء (1 من 2)على الحدود وفى الداخل.. التوترات الإثيوبية السودانية في ظل الجائحة وصدمة المليون لاجىء (1 من 2)

* عاجل4-6-2020 | 14:04

تقرير يكتبه: جمال رائف [caption id="attachment_473677" align="alignleft" width="300"] جمال رائف[/caption] الحدود السودانية الأثيوبية كانت ولا تزال عقبة صعبة أمام تحسن العلاقات بين البلدين، فبعيدا عن النزاعات الحدودية المزمنة فهناك قضايا أخري تتعلق بتنامي الأنشطة الاجرامية، والإتجار بالبشر، وتهريب السلع والمواد المخدرة، وأيضا الأسلحة، وكلها تعيق طوال الوقت إحداث علاقات صحية بين البلدين، هذا عوضا عن أن الجانب الأثيوبي لن ينسي أن السودان فتحت الحدود أمام جبهة تحرير أريتريا في محطة تاريخية فاصلة في تاريخ استقلال أرتيريا عن أثيوبيا مما يجعل السيطرة علي الحدود صراع نفوذ بين الدولتين إلي الآن. التوتر الأثيوبي السوداني الأخير علي الحدود المشتركة بين الدولتين ليس بجديد بل هو ممتد منذ منتصف القرن الماضي حيث يقوم بين الحين والآخر مجموعات من المزارعين والمسلحيين الأثيبويبن بالتوغل داخل الحدود الشرقية للسودان وبالتحديد منطقة "الفشقة" التابعة لولاية القضارف في محاولة للإستيلاء علي مساحات كبيرة منبسطة من الأراضي تمكنهم من الزراعة والرعي خاصة وأن تلك المنطقة تعد من أجود الأراضى الزراعية التى تزرع بالسمسم والصمغ العربى لموقعها الجغرافي الممتد بين نهرين. وبالطبع يخشى السودان علي أرضه، لكنه أيضا لديه مخاوف من تبديل ديمجرافية هذا النطاق وهو مؤهل لهذا خاصة وأن الاحتلال الانجليزي عام 1902 بدأ في رسم الحدود السودانية الاثيوبية باتفاق مع إمبراطور إثيوبيا حينها ولم يراعي الامتداد القبلي والإثني في تلك المنطقة وبالتالي هناك فرصة سانحة طوال الوقت أمام ضياع الهوية السودانية في هذا الإقليم. وعلي مدار تلك العقود تباينت أوجه النزاع السوداني الاثيوبي علي المناطق الحدودية، بينما يرجع البعض ذروة الازمة إلي الفترة ما بين 1966 الي 1971 حيث تصاعدت النزاعات الحدودية بين الجانبين، بينما هناك وقائع تؤكد أن التصعيد بدأ منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي حيث تسللت مجموعات من المزارعين الأثيوبين واستولت علي منطقة ما بين جبل اللكدي ومنطقة تعرف بـ "شجرة الكوكة" وحاولت السلطات السودانية حينها التعامل معهم ضريبيا ولكن تلك المجموعات رفضت الخضوع للرغبة السودانية، فصارت أزمة شهدت عدة محاولات بهدف تهدئة الأوضاع والحفاظ علي سيادة السودان علي أراضيها ولكن كافة تلك المحاولات التي بدأت مع ستينيات القرن الماضي من الواضح انها لم تؤتي ثمارها وقد مرت مراحل المفاوضات بيت البلدين مؤخرا بعدة محطات يمكن رصد أهمها كالآتي : - عام 1972 وقع الجانبين السوداني والإثيوبي ما يعرف باتفاق أديس أبابا والخاص بترسيم الحدود بين البلدين وهذا بعد سبع سنوات من النقاشات والجهود الدبلوماسية الشاقة ولكن هذا لم ينه الصراع خاصة وأن الاتفاق لم يكن حاسما بشأن بعض مناطق النزاع وخاصة المتواجدة بجنوب السودان . - منذ 2009 وضعت آليات للتعاون العسكري، وآليات للاجتماعات على مستوى الوزراء ورؤساء الأركان والخبراء والفرق المتعاملة الحدودية بين البلدين. - خلال أكتوبر من عام 2017 اتفقت اللجنة الأمنية بين ولاية القضارف السودانية وإقليم الأمهرا الإثيوبي في ختام الاجتماعات المشتركة بمدينة بحر دار الأثيوبية على رفع توصية لقيادتي البلدين للموافقة على نشر قوات مشتركة على طول الشريط الحدودي. - منتصف أغسطس من العام 2018 وقع الجيش السوداني اتفاقا مع نظيره الأثيوبي بالخرطوم لسحب قوات الطرفين على جانبي الحدود تمهيدا لنشر قوات مشتركة لمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والقضاء على أي توترات أمنية محتملة. - بحلول عام 2019 تم التوقيع على اتفاق الخرطوم، وقام بالتوقيع عن الجانب السوداني رئيس الأركان المشتركة كمال عبدالمعروف الماح،ي وعن الجانب الإثيوبي الجنرال سعارا ميوكنن يامارا رئيس أركان الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وقال عبدالمعروف في تصريحات صحفية حينها إن الخبراء بين البلدين سيجتمعون في القضارف لإعداد تفاصيل أماكن القوات الحدودية التي ستكون في مواقعها المحددة قبل حلول الخريف ومن ثم تفعيل البروتوكول المشترك، وقال "سنخطو خطوات بعيدة في شراكة استراتيجية وتعاون نموذجي لكل القارة الإفريقية وبين دول الجوار" وأضاف: " وقعنا هذا البروتكول لنشر قوات من الطرفين كعمل مشترك واستهدينا فيه بتجربتنا مع الجارة تشاد وأن السودان ظل يقدم مبادرات إقليمية من أجل حفظ أمن واستقرار المنطقة التي تعج بالصراعات". الأبقار وتصعيد الأزمة و لم تفضي تلك الخطوات إلي نتيجة حقيقة بل ظلت التوترات قائمة علي الحدود السودانية الإثيوبية لتظهر علي السطح مجددا بسبب قطيع من الأبقار حيث أعلنت القوات المسلحة السودانية في شهر مارس من هذا العام 2020 أن شهيدين قد سقطا بين جنودها فى اشتباكات مسلحة مع عصابات الشفتة الإثيوبية فى منطقة الفشقة السودانية المحتلة على الحدود الشرقية مع إثيوبيا وقامت بسرقة عدد من الأبقار، لتشهد منطقة الفشقة فى ولاية القضارف شرق السودان منذ هذا الحين هجمات متكررة على مزارعيها وسكانها من العصابات الإثيوبية المسلحة في ظل صمت إثيوبي، الأمر الذي أستفز الجانب السوداني الذي كان يأمل في حلول سياسية لتلك الأزمة المزمنة التي تعاني منها الحدود بين الدولتين، وهو ما دفع الجيش السوداني للتحرك عسكريا نحو تلك المنطقة معلنا فرض السيطرة والاشتباك المسلح إذا لزم الأمر، بل وصرح رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان أن القوات السودانية جاهزة لحماية البلاد وحراسة حدودها، وذلك في أعقاب زيارة له إلى مواقع قوة من الجيش بمنطقة القلابات الحدودية مع دولة أثيوبيا، وبعد أيام من نشر الجيش السوداني لقواته فى منطقة الفشقة الصغرى المتنازع عليها الخرطوم. أما الجانب الرسمي الإثيوبي فقد اتبع موقف يمكن وصفه بالغامض وأيضا غير الساعي للحل حيث دارت اتصالات بين رئيس وزراء اثيوبيا ابي أحمد ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وهكذا رئيس المجلس المجلس السوداني عبد الفتاح البرهان وشهدت المحادثات حديث دبلوماسي لم يترجم علي أرض الواقع وظلت التوترات قائمة حتي بعد انعقاد اجتماع اللجنة المختصة بهذا الأمر في أديس أبابا والتي تبعها بأيام تصعيد متزايد للنزاع الحدودي بين البلدين. كورونا والصدع الأفريقي الجديد اتبع آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي منذ قدومه لسدة الحكم سياسيت التهدئة في القرن الأفريقي وهذا تنفيذا لأهداف وثيقة السياسية الخارجية الاثيوبية التي أعدت مسبقا ونصت علي معالجة أزمات اثيوبيا مع دول الجوار. وبالفعل سعي رئيس الوزراء الجديد لتهدئة النزاعات مع السودان وإريتريا وجيبوتي وكينيا والصومال، ولكن ربما هناك مستحدث جعل الجانب الإثيوبي يتخلي عن سياسية التهدئة التي لم تعتدها إثيوبيا، وعادت لممارسه نشاطاتها المزعجة والمعهودة تجاه جيرانها، والمرجح أن جائحة كورونا هي السبب وراء عودة إثيوبيا لسياساتها العدوانية حيث أن اثيوبيا الآن تواجه فيروس كورونا بإمكانيات محدودة في ظل انشغال حلفائها عنها بما لديهم من مصائب بسبب نفس الوباء. ومن الواضح أن تلك الإمكانيات التي قد لا تكفي احتياجات الشعب الإثيوبي لن تكفي بالطبع العدد الكبير من اللاجئين التي تسضيفهم علي أراضيها حيث تعد إثيوبيا ثاني دولة أفريقية من حيث استقبال عدد اللاجئين. ووفق أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فهي تستضيف حالياً أكثر من 735,000 شخص من 26 جنسية، أغلبيتهم من جنوب السودان (329,123 شخص)، والصومال (191,575)، وإريتريا (139,281)، والسودان (42,285)، ومن المتوقع أن يزداد عدد اللاجئين بشكل كبير خلال هذا العام حيث تستمر إثيوببا في استقبال أعداد جديدة من اللاجئين الجدد تصل أرقامهم إلي ما يقرب من 100 ألف شخص، علي مدار العام المنقضي فقط، هذا بالإضافة إلي تزايد أعداد النزوح الداخلي وانعدام الأمن الغذائي، وهى أزمة تمس نحو 8.4 مليون شخص ممن هم بحاجة للمساعدة الإنسانية. هذا العام 2020 ، ومع صدمة المليون لاجئ التي تقترب من إثيوبيا جعلتها تتحرك بشكل أسرع لطلب المساعدة من الأمم المتحدة هذا ما دفع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمطالبة المجتمع الدولي بتقديم دعم لعمليات اللاجئين في إثيوبيا من خلال إطلاق نداء للتمويل بمبلغ 658 مليون دولار أمريكي يهدف لمساعدة أكثر من 735,000 لاجئ وما يزيد عن نصف مليون شخص من المجتمع الإثيوبي المضيف في عام 2020 ،كما أشار تقرير المفوضية للجهود الإنسانية المشتركة مع المانحين لمساعدة أكثر من 1.5 مليون إثيوبي من النازحين بسبب النزاعات والآثار المناخية في أعقاب عملية العودة الواسعة النطاق التي قامت بها الحكومة للنازحين خلال العام الماضي. وتدعم المفوضية (كما تعلن) جهود إعادة الإدماج والتعافي للإثيوبيين المتضررين من النزوح، بمن فيهم العائدون والمجتمعات المضيفة الأكثر ضعفاً. تلك الأرقام الكبيرة من اللاجئين والنازحين تؤكد أن إثيوبيا في أزمة حقيقة تحاول خلالها التخلص من هذا الملف الثقيل الذي سيعيق تصديها لفيروس كورونا في ظل ضعف الإمكانيات. وتظهر مؤشرات أن الخلاف الحدودي الأخير بين إثيوبيا والسودان، ربما يسمح للأولى بتمرير - علي الأقل - أكثر من ٤٠ ألف لاجئ سوداني. ويبقى السؤال الأبرز هنا: هل تضحي أديس أبابا بالمصالحة التاريخية التي عقدتها مؤخرا مع إريتريا في سبيل التخلص من اللاجئين الإريتريين والذي تقترب أعدادهم من 200 الف لاجئ؟! [caption id="attachment_473602" align="alignnone" width="300"] التوترات الإثيوبية السودانية[/caption]
أضف تعليق