عاطف عبد الغنى يكتب: قصة مؤسسة للخير تسير على قدمين

عاطف عبد الغنى يكتب: قصة مؤسسة للخير تسير على قدمينعاطف عبد الغنى يكتب: قصة مؤسسة للخير تسير على قدمين

*سلايد رئيسى18-6-2017 | 18:02

للفقر فى مصر خريطة معروفة، ومطبوعة فى الأوراق الرسمية فى نسخات عديدة، لكن من النادر أن تجدها مرسومة على قلوب أو ضمائر من يملكون المال الوفير والغنى السافه فى هذا البلد.
.. وفى هذا البلد قبل ثلاثين أو أربعين عامًا كنت على قناعة بصدق مقولة أبى أنه : "لا أحد ينام دون عشاء" ، ومع تغير الأحوال انقلبت العبارة فصرنا نسمع أن كثيرين ينامون على الطوى وكثيرين لا يتناولون فى يومهم إلا وجبة واحدة من ثلاث مفروضة، وكثيرين يشتهون بقايا طعام آخرين، وربما يشتهى هؤلاء الأخيرون طعام قلة تستجلب طعامها ساخنًا من مطاعم باريس.. هذا واقع صرنا نعرفه ونتألم به، لكن نيازى سلام لم يكتف مثل كثيرين بمجرد الألم، عندما قرر أن يواجه جوع البطون ويستر الأجساد العارية ويداوى أسقامها فيتحول فى ذاته إلى مؤسسة خيرية.
(1)
هو مؤمن أن ما منحه الله له من نعمة فى المال والصحة والحياة الهانئة، ما هو إلا وسائل ترتبت عليها مسئوليات، وهو يمتلك من الحكمة ما أدرك معه أن ما وصل إليه كان بفضل من الله وليس بمهارة منه، وأن الله سبحانه عندما ألهمه فكرة بنك الطعام لم يكن هذا إلا استخدام من الله سبحانه لشخصه.
اشتهرت الأسرة التى انتمى إليها هذا الرجل بغنى المال، لكن فى هذا البلد الذى تتغير فيه الأحوال كثيرًا نامت الأسرة واستيقظت فى ماض من الزمان، فوجدت نفسها فقيرة – مثل كثير من الأسر – على إثر قرار اشتهر بالتأميم.
وتعلم الشاب نيازى من أبيه الدرس الأول والأهم فى حياته وهو أن «الضربة التى لا تقتلك تقويك»، ورأى الشاب أباه يبدأ من جديد.. ويتعثر الأب ويقوم من عثرته مرة ومرات أخرى لكنه لا يستسلم، وأورث الأب ابنه هذه العزيمة، ومنحه هذه القوة، ليبدأ صعود التل مرة ومرات، حتى صار الشاب فيما بعد رجل الأعمال الشهير الذى يشار له بالبنان، ولم يشتهر سلام الابن كمطور لصناعة الحديد، أو الأسمنت، أو المقاولات، ولكن اشتهر مطورًا فى صناعة البر والخيرات.
كانت البداية تأسيسه لبنك الطعام قبل ما يقرب من 12 عامًا، والفكرة مصرية مائة فى المائة، الهدف منها توفير وجبة طعام ساخنة شهية للمحرومين من الطعام، فجاء بنك الطعام يجهزه ويطهى فى مطابخ المؤسسة، ولا يكتفى باستغلال فوائض الطعام الخارجة من الفنادق الفاخرة فقط.
 ولم يمض كثير من الوقت حتى صارت وجبات بنك الطعام تصل يوميًا إلى ما يتراوح بين 250 إلى 300 ألف أسرة يزيد عدد أفرادها على مليون ونصف المليون فى مجموعها، ويرتفع هذا المجموع إلى ما يقرب من 10 ملايين فرد تصلهم هدية بنك الطعام فى المواسم مثل رمضان والأعياد.
(2)
ولم يغر رجل الأعمال سلام أحد رواد العمل الأهلى التطوعى النجاح الذى حققه بنك الطعام على الاكتفاء والقعود، بل على العكس قرر أن يساهم بمشروعات، وفى مشروعات أخرى، لأجل تغيير ظروف الكثيرين من فقراء هذا البلد نحو الأفضل، وجرت قاطرة بنك الطعام عربات أخرى للخير تمثلت فى مؤسسات تعاملت واقتحمت كل مظاهر الفقر، فأسس سلام بنوك الشفاء لمعالجة الأمراض، والكساء لستر الأجساد، والتشغيل لمواجهة أزمة البطالة، وأنشأ مصنعًا للملابس، والبطاطين من خلال إعادة تطوير القمامة، وأسس بنك الأمل للمساعدة فى تنمية مهارات العاطلين، والمتعطلين، وجعلهم أكثر كفاءة للعمل، ليس فى مصر فقط، ولكن لمنحهم الفرصة للسفر والالتحاق بالعمل فى الخارج.
استثمارات هائلة ومبالغ طائلة يتم تدويرها الآن فى هذه النشاطات، والابتكارات، والقيم التى يحاول سلام والذين معه تنميتها مجددا فى نفوس المصريين.
من هذه الابتكارات والبرامج ما تتوجه به مؤسسة الطعام لأطفال المدارس حيث تم تخصيص أطباء يشرفون على تغذية هؤلاء الأطفال وأغلبهم من الفقراء، ويتم من خلال البرنامج تقديم وجبة ساخنة لهم يشرف على إنتاجها أمهات الأطفال أنفسهم، وتُطهى داخل مطابخ المدارس وتتقاضى الأمهات الطاهيات أجرهن، هن ومن يساعدهن فى طهى وتوزيع الوجبات، فتتحقق المصلحة للجميع.
ومن ضمن البرامج أيضا، التوعية بعدم إهدار الطعام، ويتم توجيه هذه التوعية بالأساس إلى الفنادق حتى يستفيد الفقراء مما يهدر من البوفيهات المفتوحة فى الفنادق الكبرى، وهى كميات هائلة، ولك أن تعرف أن بنك الطعام ينتج من هذا «الهدر» فقط 18 مليون وجبة كل شهر تساوى قيمتها ما يقرب من أربعة مليارات جنيه (!!)
(3)
كل ما سبق لم يكف الرجل أو يمنعه من أن يحلم بما هو أكثر، وحلم سلام يمتد لعام 2020، والتاريخ الأخير لم يحدده الرجل من فراغ – كما يقول – ولكن تم تحديده نتيجة دراسات ويقين، ويحلم سلام ومن معه أنهم قادرون على حل مشكلة الفقر فى مصر.
 وفى حلم الرجل أن تتجمع كل البنوك ومؤسسات الخير التى تم تأسيسها وهى إضافة إلى بنك الطعام، بنوك الكساء والشفاء والسكن والمهارات فى بنك مركزى واحد وأن تتوحد مؤسسات الخير لتصبح مؤسسة واحدة، وقد تحقق جزء من حلمه هذا فى مؤسسة أطلق عليها مؤسسة «تروس» يشارك فيها سلام ومؤسساته عددًا من المؤسسات الخيرية ورجال الأعمال الذين يمتلكون مثله اليقين والإيمان بالله خالق هذا الكون ورازق البشر، ولا يُحزن الرجل أكثر من أن يسمع أو يقرأ أن هناك دولا مانحة لمصر، ويردد مستنكرا: هل وصلنا إلى هذا الحد؟!
(4)
الإيمان بالله هذا الذى حوله المرجفون والكارهون للخيرات إلى تهمة، حاولوا من خلالها استدراج الرجل ومؤسساته بعد عامين من ثورة يناير إلى مربع تسييس العمل الخيرى، فاتهموا سلام بالانتماء للإخوان سعيًا منهم إلى تخريب أعماله، أو إيقاف نشاطاته على الأقل، واضطر الرجل أن يبرئ نفسه وعمله من شُبهة أو تهمة التسييس، وأن ينفى عن نفسه تهمة الانتساب إلى أى انتماءات، أو توجهات أو إغراءات سياسية، أو دينية، واضطر الرجل أن يدافع عن نفسه ويثبت بكل الطرق أنه لا يعمل بالسياسة ولا يتعاطاها، وأن مؤسساته لا يداخلها الإخوان، إن هذا النأى بنفسه، ونشاطاته، عن هذا المربع الممجوج هو ما أدى به إلى النجاح والوصول إلى ما وصل إليه فى خدمة الناس، ولم ينجح مخطط استنزاف الرجل أو ابتزازه.
وتحول نيازى سلام فى ذاته من رجل خير إلى مؤسسة، تتسابق كل الجمعيات والمؤسسات إلى ضمه فى مجالس أمنائها، فتجده مشاركا فى مستشفى 57357، وفى مصر الخير، و معًا لتطوير العشوائيات، والأورمان، وجمعية رسالة وسلاحه الأول والأخير.. اليقين.. اليقين فى الله، وهدفه وغايته سبحانه وتعالى من خلق الإنسان.
أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2