يوميات ومذكرات مرضى الكورونا فى أوراق الدكتور ناجح إبراهيم

يوميات ومذكرات مرضى الكورونا فى أوراق الدكتور ناجح إبراهيميوميات ومذكرات مرضى الكورونا فى أوراق الدكتور ناجح إبراهيم

*سلايد رئيسى23-6-2020 | 15:39

كتب: على طه تحت عنوان: "مرضى الكورونا.. يوميات ومذكرات" كتب الدكتور ناجح إبراهيم مقاله الأسبوعى فى جريدة "الوطن" ، يسرد فيها حكايات "كورونا" وضحاياها من المرضى موزعين على عدة فئات وأعمار. ويذكرنا سرد الدكتور ناجح فى مقاله، بالكتّاب الكبار، أمثال د. مصطفى محمود أو قريب له، حيث العبارة السهلة البسيطة والسرد الشيق مع التركيز على الجوانب الإنسانية التى تخلق حالة من التعاطف مع الموضوع وألفة نحو الكاتب. يقول الدكتور ناجح فى مقاله: (1) توفى خاله، كانت جنازته مزدحمة واستمر فى استقبال المعزين فى «مندرة» العائلة ثلاثة أيام، جاء المعزون من الصعيد وعدة محافظات أخرى، التقط من أحدهم العدوى، شعر بصداع عنيف يكاد يحطم رأسه، حرارته عالية جداً، ظنها إنفلونزا عادية، أخذ كل المسكنات دون جدوى، كان البروفين يهدئ الحرارة فيريحه راحة كاذبة ليسرح المرض أكثر فى جسده دون أن يدرى، ظن أن ذلك من الضغط والقلب، حيث لهما تاريخ مرضى معه، وأجرى قسطرة ودعامة للشرايين التاجية. ذهب إلى المستشفى، أجريت له أشعة مقطعية على الصدر والمخ، أظهرت الأولى إصابته بكورونا، لم يجد مكاناً بمستشفيات العزل، فعزل نفسه فى بيته، تدهورت حالته وتفاقمت سريعاً، أصيبت زوجته وابنتاه، أصبح لا يقوى على الوقوف أو السير. كان يتنفس بصعوبة شديدة كأنه يأخذ الهواء من ثقب إبرة، أخيراً وصل إلى مستشفى العزل بعد صعوبات، تم علاجه بطريقة صحيحة ودقيقة، تحسنت حالته سريعاً، وجد كل شىء فى المستشفى دقيقاً وجيداً، حينما وصل إلى المستشفى كانت نسبة الأوكسجين 60%، تحسن بعد عدة أيام من العلاج المركز، تم شفاؤه وخرج من المستشفى، لاحقته دعوات محبيه عبر كل منصات التواصل مما حسّن من روحه المعنوية. (2) يعمل استشارى جلدية، مشهود له بالكفاءة، أصيبت حماته بالكورونا أولاً وبعدها زوجة عمه ثم خاله لواء الصاعقة المتقاعد، وماتوا تباعاً بين الواحد والآخر عدة أيام. جاءت إصاباتهم جراء تجمعهم فى عزومات رمضان، لكل منهم أولاد وأحفاد وأصهار، كانت بعض العزومات تضم أكثر من عشرين شخصاً من الأسرة، طالته الإصابة فعرفها مبكراً، عزل نفسه فى منزله لمدة شهر، كان خاله لواء الصاعقة قد أوصاه مسبقاً أن يصلى عليه، ولكنه لم يتمكن أن يصلى عليه ولا على حماته ولا أن يحضر جنازتيهما. هكذا حالت كورونا بين الأحباء والأرحام، فى آخر أيام التراويح فى شهر رمضان شعر بالمرض يغزوه بقوة، تكسير فظيع فى العظام والعضلات، صداع لا يطاق، حرارة عالية جداً، كحة جافة، فقد كامل للشهية والطعام والشراب بل وكل شىء، لا ينام من الحرارة إلا بعد تناول البنادول، ينام قليلاً ويستيقظ على الألم، ألم العظام والكحة الجافة استمر لديه أسبوعين. لم يذهب إلى أى مستشفى، اعتمد على أصدقائه أطباء الصدر والحميات من داخل مصر وخارجها، كان يصنع المحاليل لنفسه فيها كل عناصر العلاج التى توصل لها مع أصدقائه الأطباء. استعان بابنته طبيبة التحاليل فى أخذ عينات متتابعة، وجد لديه أنيميا حادة، صنع لنفسه منظومة علاجية ودوائية خاصة، ضبط الأنيميا، والضغط، كان يخلط كل يوم زيت الزيتون مع حبة البركة مع العسل لمساعدة الأدوية، أغلق التليفون والفيس وانعزل بنفسه عما أسماه الرياء الإلكترونى، شعر أنه قريب من الله، أدرك المعانى الحقيقية لقوله تعالى «فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»، انكشفت أمامه كل عيوبه، شعر بعظمة الخلوة مع الله، لا شىء يعوقك اليوم عن السير إلى الله، لا عيادة، لا مرضى، لا أصدقاء، الوقت ممتد وجميل لا يقطعك عن الله قاطع، قدمك فى الدنيا والأخرى فى الآخرة، سكرات الموت أقرب إليك من نبض الحياة، أخيراً أعطاك الله فرصة جديدة للعمل الصالح وخدمة الناس، هكذا قد شفى من هذا الوباء القاتل برحمة الله وفضله، آه ما أضعف الإنسان وأهونه، عاش حقاً كل اللحظات مع قوله تعالى «وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً». (3) فى الثانية والستين من عمره يحمل هموماً كثيرة وخاصة بعد إحالته للمعاش، وإغلاق كورونا سبلاً كثيرة كانت تدر عليه ربحاً إضافياً، يسد خلل المعاش الضئيل، أصيب بإرهاق شديد، مع قىء وسخونة، ظنها فى البداية خللاً فى المعدة، زادت الأعراض وتفاقمت. ذهب إلى مستشفى الصدر فى محافظته، قالوا له: اعزل نفسك فى المنزل وخذ هذا العلاج، كان بسيطاً ورديئاً ولا يصد ولا يرد فيروس الكورونا الشرس. خاف أن يعيش مع زوجته وأولاده، ذهب إلى شقة يملكها قديماً ومكث فيها وحيداً فريداً، زادته العزلة الكاملة ضيقاً وهماً ومرضاً، فهو اجتماعى لم يتعود هذا السجن الانفرادى حتى لو كان بإرادته، ظلت حالته تتدهور فلم يستطع المشى والحركة ولا التنفس إلا بصعوبة. أقنعه بعض الأطباء من أقربائه أنه فى حالة الخطر ويتحتم دخوله فوراً مستشفى العزل. كان رافضاً ومتهيباً من ذلك، ظن أن فيه إهمالاً أو فوضى، دخل المستشفى ونسبة الأكسجين بالجهاز 60% وكل شىء فيه مدمر تقريباً، بدأ التحسن تدريجياً، وصلت نسبة الأكسجين بعد أيام 90% بالجهاز. بدأ يشعر أنه وُلد من جديد، شعر بإخلاص الأطباء والممرضات، ظل يدعو لهم ليل نهار أمامهم وفى سره، كانوا يخدمون المرضى وكأنهم أهلهم وذووهم. تحسنت معنوياته بعد أن شعر أن نهر العافية بدأ يدب فى عروقه وبعد أن كاد يشرف على الموت، شعر بإخلاص أسرته وأقاربه، حزن على سوء ظنه ببعضهم، بدأ يتذوق الطعام مرة أخرى ويحبه، وبدأ يتنفس بطريقة أقرب للعادية، كان مثل غيره من المرضى مستلقياً على بطنه، ذهل حينما علم أن رئيس قسم الصدر بكلية طب أسيوط والمسئول عن كل مستشفيات العزل أصيب ويوجد فى غرفة بجواره، علم أن إخلاصه فى عمله ودأبه فى رعاية المرضى كان سبباً فى إصابته، إذ كان يذهب بنفسه إلى أهم خمسة مستشفيات عزل بالصعيد، عاد لحب الناس من جديد كما بدأ. كل مريض وهو فى حالته الشديدة يفكر فى تقسيم أمواله على أولاده، هذا يزيده رهقاً وهماً وحزناً، الأفضل أن يغزو قلبه الأمل والتفاؤل وأنه سيعافى ويعود إلى أسرته وأولاده. شعر بدعوات آلاف الناس ممن خدمهم وأعانهم وأسعدهم قديماً، وكان يشعر بنكرانهم وجحودهم، ما زال الخير فى الناس موجوداً وسيظل حتى يوم القيامة، وإن حجبه الزبد والزور، عزم على العودة لاحتضان الناس جميعاً من جديد كما تعلم من أمه التى يشعر أنه لولا دعواتها لهلك فى هذه الجائحة.
أضف تعليق

المنتدى الحضري العالمي شهادة دولية للدولة المصرية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2