الدكتور قاسم المحبشى يكتب: في إشكالية تجديد وتغيير الخطاب الديني

الدكتور قاسم المحبشى يكتب: في إشكالية تجديد وتغيير الخطاب الدينيالدكتور قاسم المحبشى يكتب: في إشكالية تجديد وتغيير الخطاب الديني

غير مصنف23-6-2020 | 18:51

ثمة شبه أجماع بشأن ما يعيشه الخطاب الديني الإسلامي اليوم من أزمة بنيوية عميقة في مختلف عناصره وانساقه المؤسسية والفقهية والدعوية والفكرية والثقافية والأخلاقية ..الخ. لقد فتح الازهر الشريف في مطلع عام ٢٠٢٠ نافذه للحوار في الموضوعات التي باتت تؤرق الجميع فالخطاب الديني هو الجزء المخفي من جبل الجليد الثقافي العربي الإسلامي الذي تجمد منذ زمن طويل جدا ولم يعد يسقي ويروي الأرضي التي تيبست تربتها وجدب خصبها عن الابذار والإزهار والثمار. وخير تكريم الأسلاف لا يكمن في الاحتفاظ برماد قبورهم والبكاء والدوران حولها بل في جعل الشعلة التي اوقدوها ذات يوم متوهجة باستمرار. لقد كان أبن خلدون هو الوهج الذي يشتعل قبيل انطفاء الشمعة! فمتى يتجاوز العرب الحالة الخلدونية؟ هل نحن بصدد تجديد الخطاب الديني أو تغيير نظام التفكير الباراديم كله؟ يذهب الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة في مقاربة لهذه الإشكالية إلى التالي: " ولا يمكن تجديد الخطاب الديني دون تكوين عقل ديني جديد، ولا أؤمن بإصلاح العقل الديني القديم؛ لأن العقل الديني القديم تشكل في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ومعرفية طرحتها العصور القديمة. والأبنية العقلية القديمة تلاءم عصورها ولا تلائم عصرنا؛ فالزمان غير الزمان والمكان غير المكان، والناس غير الناس، والتحديات القديمة غير التحديات الجديدة" ( ينظر، محمد عثمان الخشت، في الكلمة التي القاها في مؤتمر الأزهر الشريف) قد ينصرف تفكير ضيقي العقول حينما يسمعون أو يقرأون مثل هذا إلى تأويل المعنى باتجاه الرغبة في تغيير الدين الإسلامي ذاته. وهذا تبسيط مخل للقضايا الحيوية الكبرى. الأديان لا تتغير وربما هي الظاهرة التاريخية الوحيدة التي حافظت على ثابتها وجمودها في كل الحضارات والثقافات البشرية، وتاريخ الأديان يختلف عن تاريخ المعرفة البشرية فإذا كان يعرف العلم بأنه تاريخ أخطاءه وتعرف الفلسفة بأنها كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت فالعقائد الدينية منذ أن اكتملت مداراتها الالمانية في الأزمنة الموغلة بالقدم بقيت كما هي لم تتغير. وبحسب الموسوعة العالمية "باريت" طبعة 2001م، فإن عدد الديانات في العالم عبر التاريخ بلغ حوالي 10000 دين متميز، منها 150ديانة بلغ عدد المؤمنين بكل منها مليون فرد أو أكثر، أما بقية الأديان فعدد التابعين لها لم يتجاوز المليون عبر التاريخ، وقد رصدت وحصرت القاعدة حوالي 4200 ديانة وعقيدة، ما بين ملل وفرق وكنائس وطوائف ومذاهب وعشائر" فإذا كانت الشعوب وللحضارات والثقافات التي تعبد الطواطم والاوثان والاصنام قد عجزت عن تغيير ديانتها على مدى الألف السنين كما هو الحال في الهند التي تحتوي أكبر عدد من المعتقدات الدينية والمقدسات المعبودة من الفأر الصغير مرورًا بالأفيال والبقرة حتى الله الواحد الحق إذا كانت الهند ابقت على كل تلك الآلهات الكثيرة في صوامعها التعبدية البوذية والهندوسية ولم تستطيع تغييرها وكذلك الأمر في الصين وأفريقيا وكثير من دول العالم التي نعرفها بما في ذلك استراليا التي تتعايش بها المعتقدات البدائية مع مابعد الحكاية الكبرى. فكيف الأمر بشعوب وحضارات ولدت من رحم الدين وازدهرت تحت راية مثل الحضارة العربية الإسلامية وهي أبرز النماذج الحضارية التي كان للدين عليها الفضل الكبير. ومع ذلك تخلفت عن ركب الحضارة البشرية الحديثة والمعاصرة وتحول دينها من عامل قوة إلى مشكلة عويصة. أن ما نحتاج اليه اليوم هو ليس تجديد الخطاب بمعناها الحرف بما هو قول وكلام والتجديد يقتصر على الأقوال والمخاطبة هذا الفهم للتجديد هو لف ودوران حوال المشكلة الأساسية المتصلة بالبنية الكلية للتفكير العربي الإسلامي الذي يحدث قطيعة معرفية وثقافية منذ تشكيلة في عصر التدوين. علينا أن نحدد الأسئلة التي تستدع الطرح الآن وهنا؟ فما هو الخطاب الذي نود تجديده؟ وكيف نحدد الخطاب الديني ونصنفه بوصفه خطابا مستقلا عن الخطابات الأخرى؟ وما علاقة ذلك بالتاريخ والحضارة وبالمستقبل الذي نريد أن نكونه؟
    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2