د.ناجح إبراهيم يكتب عن عبد الفتاح مصطفي.. أعظم شاعر صوفي
د.ناجح إبراهيم يكتب عن عبد الفتاح مصطفي.. أعظم شاعر صوفي
دار المعارف
يواصل د.ناجح إبراهيم، الكتابة عن القامات المصرية المبدعة، من المفكرين والكتاب، والأدباء الراحلين.
وفى أحدث مقالاته هذا المقال، الذى كتبه عن شاعر كبير، أخذت أعماله حظها من الشهرة التى لم تنلها أعماله.
تحت عنوان"عبد الفتاح مصطفي.. أعظم شاعر صوفي، كتب إبراهيم فى جريدة المصري اليوم مقاله المنشور أمس الجمعة وهذا هو نص المقال:
عبد الفتاح مصطفي.. أعظم شاعر صوفي
• "مولاي إني ببابك قد بسطت يدي,من لي ألوذ به إلاك يا سَندي؟أقوم بالليل والأسحار ساهية,أدعو وهمس دعائي,بالدموع ندى,بنورِ وجهك إني عائذ وجل,ومن يعذ بك لن يشقى إلى الأبدِ"
• كان الشيخ النقشبندى يصدح بصوته الملائكي بهذه الكلمات النورانية التي تجعل القلوب ترفرف إلي السماء وتهفو شوقاً للمحبوب الأعظم سبحانه ويستمر النقشبندى صادحاً" مهما لقيت من الدنيا وعارضه,فأنت لي شغل عما يرى جسدي,تحلو مرارِة عيش في رضاك,وما أُطيق سخطاً على عيش من الرغد"فإذا بنفوسنا تنخلع من الأرض وشهواتها وتسمو فوق الطين فيشجينا ثالثة وهو يخاطب المولي سبحانه" من لي سِواك؟,ومن سِواك يرى قلبي ويسمعه,كل الخلائق ظِل في يدِ الصمد,أدعوك يا رب فأغفر زلتي كرما,وأجعل شفيع دعائي حسن معتقدي".
• كنت أظن وأنا شاب أن الذي أبدع هذه الكلمات الرائعة هو النقشبندى نفسه ولكن علمت بعدها أنه الشاعر الصوفي الكبير عبد الفتاح مصطفي الذي عشقنا كلماته ونحن صغار حينما حفظنا رائعته الإذاعية"قسم"التي تحكى عن ذلك مرزوق العتقي القنوع وأحمد الخياط كبير التجار الجشع الساخط علي كل شيء ورائعته"عوف الأصيل"التي كنا نحفظها عن ظهر قلب ونحن صغار ونعجب من دقة وروعة كلمات أغانيها.
• خلود نشيد"مولاي إني ببابك"لا يرجع إلي روعة الكلمات والصوت واللحن فقط ولكن في إخلاص الثلاثي"عبد الفتاح مصطفي وبليغ والنقشبندى"فلم يتقاض أحدهم مليماً عن كل هذه الأناشيد.
• معظم إبداعات النقشبندى يعود الفضل فيها إلي عبد الفتاح مصطفي وبليغ,كما يعود إلي السادات الذي أمر باستغلال صوت النقشبندى قبل موته فكانت هذه الإبداعات الرائعة من هذا الثلاثي.
• عبد الفتاح مصطفي كتب الشعر وعمره 15 عاماً ونشر إحدى قصائده في الصحف وهو في المرحلة الثانوية عام 1947 وكان النشر في الصحف وقتها صعباً وله موازين دقيقة وخاصة في وجود فطاحل الشعراء مثل شوقي وحافظ ومئات غيرهم,بعدها مباشرة استدعي للكتابة في الإذاعة فكتب لها مجموعة قصائد غنى إحداها محمد عبد الوهاب.
• وهو مؤلف النشيد المشهور"أمجاد يا عرب أمجاد"التي تفتتح به إذاعة صوت العرب والتي بدأت بثها 1953,وكان يمثل بداية ازدهار القومية العربية التي كانت حلماً كبيراً لجيلنا ثم ماتت اليوم.
• ومن أعظم أعماله وحسناته كتابته لسيناريو وحوار وأغاني مسلسل محمد رسول الله,وأغاني الافتتاحية لهذا المسلسل يتغني بها الناس حتى اليوم,وقد حصل علي جائزة أحسن سيناريو وحوار عن هذا المسلسل,مع جائزة نجيب محفوظ للسيناريو.
• وهو كاتب الأغنية الرائعة التي غنتها "سعاد محمد" في فيلم الشيماء أخت الرسول"إنك لا تهدي الأحبة والله يهدي من يشاء"وما زال البعض يتغنى بها وبمعانيها حتى اليوم.
• تأمل كلماته"المبدعة في"ادعوك يا سميع"التي غناها عبد الحليم حافظ وتحمل أروع المعاني وأثرت في الملايين," يارب سبحانك يارب, أدعوك يا سامع دعايا ,يا عالي فوق كل غاية,يا عالم السر وحدك والكل لك في النهاية,اجعلني صادق وأقول الحق لو كان مر ,علمني ما سمعش ألا صوت ضميري الحر,خليني بسمة حنان,كلمة سلام وأمان ,رحمة وعزيمة وعمل نافع,يفيد ما يضر,يا رب "ويقول في قصيدة "أنا من تراب"التي تلخص كل معاني الإسلام" يا رب يا رب,أنا من تراب والاراده هي سرك فيه,تنوره بحكمتك,وبرحمتك تهديه,تراب وسرك اذا مس التراب يحييه,إلهمني حب الخير حب الجمال والحق,خليني أقول للشيطان مهما غواني لأ,علمني اثبت ولو زال الجبل وانشق,إلهمني يا رب,علمني يا رب,يا ربي سبحانك ".
• ومن إبداعاته"عمر الأصيل ما يخيب,وإن مال زمانه وجار,ولا يفوح الطيب إلا في وسط النار".
• ومن روائعه الإنسانية:-"اللي غمر بالجود الشاردة والواردة,لين خضار العود للشوك مع الوردة,خليك مع المعروف وإن كان عدوك فيه".
• "ياما أمم بتقوم وتزول مواكبها,وكلمة حلوة تدوم من بعد صاحبها,كلمة تساوي ألوف,من القلب لو ترضيه","الراضي يعطيه ربه,والساخط تعبان قلبه,وحسابه مزود غلبه,ومصيرها لفراق".
• هو الذي ألف قصيدة طوف وشوف التي غنتها أم كلثوم وفيها من المعاني الراقية الكثير وتعد أفضل قصيدة وصفت مصر,تأمله وهو يمزج الفصحى بالعامية ليصوغ أدق المعاني" طوف بجنة ربنا ببلادنا وأتفرج وشوف,ضفتين بيقولوا أهلا,والنخيل شامخ صفوف,وابتسامة شمسنا أجمل تحية للضيوف,والنسيم يرقص بموج النيل على الناي والدفوف,طوف وشوف,شوف هنا جنب المصانع والمداخن والزحام,الغيطان إلي آخرها المدنه وأبراج الحمام,والسواقي اللي ما نامت ليله من كام ألف عام,شوف جمال الريف وآمن بالمحبة والسلام ".
• عبد الفتاح مصطفي أسطورة مصرية نحت لنفسه أسلوباً خاصاً جمع بين الفصحى والعامية فأبدع فيهما سوياً,لم يأخذ حقه حتى اليوم ولم يتم تكريمه فهناك أقزام بالنسبة له حصلوا علي جوائز مصرية رفيعة دون أن يكون لهم مثقال ذرة من أثره بين الناس .