غادة البشارى* تكتب: متى يموت الأوغاد؟!

غادة البشارى* تكتب: متى يموت الأوغاد؟!غادة البشارى* تكتب: متى يموت الأوغاد؟!

* عاجل21-7-2020 | 16:12

في ظل المناظرة الدائمة بين نزاهة الانتماء و شراهة الحرية، ومحاولة إثبات كل منطق منهما بعدم منطقية الآخر، يغيب الإنسان عن وعيه الحقيقي، يفقد إدراكه بالرواسخ، ينجح في إسقاط حق إرثه الأخلاقي في السيطرة، فيكسر بذلك عقدة المبادئ الرشيدة المزمنة، التي طوقت عنق ضميره بحشد من خلايا الذنب النائمة، تتعطل كل وظائفه الحسية وذاكرته السلوكية، يهيم في عالم من الوغادة غريب عنه، لكنه دس فيه انتماءه كي لا يشذ عن السفينة السائرة في محيط الحضارة الملوث، السفينة المحررة رسالتها من أي واعزٍ إنسانيّ، أو أي انتصار يبيح لنفسه انتهاك رأسها " المالي " ، وبعد أن كان أسير الكارثة ، يصبح تحت إيعاز من كابوس هائل ، أحد قراصنة هذه السفينة، يقتسم الحظوظ والألقاب والغنائم مع معاونيه، و يقسم الفقر والجهل.. والموت على عامة الركاب.... إنه كمن يمضي في سرداب طويل ومعتم ، ويحسب أن الأمجاد تلوح له في آخره. أي انتماء نطالب به .. ونحن نولد على أرض تناصبنا العداء ؟! حينما جلست لأستهل مقال اليوم ، داهمني هذا التساؤل متجاهلاً الاتفاق الذي عقدته مع القارئ ، فانتبهت على الفور لهذه المصيدة، ووجدتني أهمس بصوت مغلول متهكم : إن الالتزام بانعطافات السياسة حديث سمج للغاية ، ومتعجرفٌ أكثر مما يطيق جلد القارئ، سأتكفل بالبحث عن موضوع آخر فيه من النبل الاجتماعيّ ما لا يقحم مقالي في قضية نسب! .. ماذا لو تحدثت مثلاً عن سبب ارتفاع معدل الجريمة العائلية منذ عشر سنوات حتى الآن، أو لو جعلته تحقيقًا صحفيّا في كارثة انتحار الشباب المكتظة هذه الآونة، أو لأتحدث عن طُرفة إحياء التوائم - صدفةً -على الطريق بعد موتهم في ثمانينات هذا القرن. أووو.. أو ماذا لو قرأت من بعيد المشهد الاقتصادي لدينا اليوم ، بغض العقل عن شانعة السوق السوداء، و ديدنها، و من سوّاها، و كارثة اختفاء الطبقة الوسطى فجأة من السلم الإحصائي للموَاطنة الليبية، كأن أحل مثلاً معضلة الموظف " النزيه " في معرفة الفرق بين الرشوة والعمولة، وأيهما أكثر قيدًا للربح الفوريّ، أو اتطرق إلى ماهية السوق الطارئ، وأيدولوجية الموقف الطارئ، وأبعاد الخطاب الطارئ، ونص القانون الطارئ، والسلسلة الطارئية بأكملها... لا.. لا .. هذا الحديث غير شهي للتناول ، يكاد المرء يشعر أن هذه الأحاديث نيئة جدًا، نيئة بالقدر الذي تحتاج إلى إعادة طهو في أفران عالية النباهة، تعمل على إصلاح جذري لما أخطأه المطبخ المجتمعيّ. في ظل وغادة المنطق، وجفاف الضمير الذي هو المنفذ الشرعيّ إلى جفاف الانتماء. - متى يموت الأوغاد؟ .. سألت ذات يوم أحد الأصدقاء - فأجابني : عندما نموت نحن!! انتابتني نوبة صمت تأملية امتدت لوقت، كأني بُعثرت في محارة ملقاة على شاطئ جزيرة معزولة، عدت بعدها .. ولم أعد.. ظلت إجابته تلاحقني أينما رحت، تنفلت من فكرة إلى معنى فتساؤل ثم إلى فكرة .. وهكذا ،هذه الحاسة الفلسفية المتنمرة لديّ ما تفتأ أن تحشر أنفها في لحظات التنوير الحاسمة هذه.. تُرى إلى ماذا كان يرمي بجملته " عندما نموت نحن " ؟! ولماذا اشترط وجودهم بوجودنا؟!..ثم لماذا علينا أن نموت كي يموتون؟! يا إلهي ...إنه بالتأكيد لم يعنَ إننا نحن الأوغاد.. إن انقرضنا انقرضوا...او ربما عنيَ ذلك بالفعل.. ألم تقل الرواية " إن الإنسان ذئب على أخيه الإنسان " ؟! ولم تكشف عن الشرط الإنساني المقصود في اللفظتين . تخيلوا معي ..هذا الميلاد.. الأسِرة ضئيلة، ضئيلة بالقدر الذي لا تستوعب فيه الكائنات الممددة فوقها، إنها مصطفة كأسنان المشط الواحد، يلتصق رأسها بجدار ضبابيّ، لا معالم استدلالية له، لا تفصلها عن بعضها سوى أحياز ضعيفة من الهراء واللغط ، أمهات بوجوه دون ملامح ترقد ، أجسادهن أقرب لمومياوات مستجلبة من سراديب الكاتاكوم ، الغريب هنا ..أن صدمة الانزياح بين عالمين متباينين تماما باتت غير جديرة بالقلق المألوف، إنها أشبه بالوقت الذي تستغرقه في تقشير تفاحة وأكلها، الكل يتدافع خارج الأرحام بيسر عجيب، كائنات هلامية، يتضاعف حجمها بمقدار خارق للمنطق، لكن الرؤوس تبقى كتل صغيرة صماء، منزوعة الأمخاخ، سحلية الوجوه. هكذا يولد الأوغاد في بلادنا ..وهكذا نستقبلهم نحن .. بكل خسارة..! زاعمين أن الوغد كائن هلاميّ لزج برأس وذيل, لا تخيفه الأزمنة بتاتاً , و لا يخجل من ممارسة عادته السرية في أي زمن, وعلى أي مخدع. ............................................................................................ *أديبة وشاعرة ليبية
أضف تعليق

أكتوبر .. تفاصيل الحكاية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا