إسماعيل منتصر  يكتب «خواطر حرة جدا»: شهادة وفاة الفوضى!

إسماعيل منتصر  يكتب «خواطر حرة جدا»: شهادة وفاة الفوضى!إسماعيل منتصر  يكتب «خواطر حرة جدا»: شهادة وفاة الفوضى!

* عاجل22-7-2020 | 14:52

 هذا يوم لا ينسى ولا يجب أن ينسى.. وكيف ينسى المرء اليوم الذى أشرف فيه على الغرق فى بحر عميق وراح يصارع أمواج عاتية عالية.. عندما امتدت إليه من خلال الموج.. يد قوية صلبة جذبته ودفعته إلى شاطئ الأمان؟!..
كيف ننسى يوم 24 يوليو؟!
فى هذا اليوم قبل سبع سنوات وبالتحديد يوم 24 يوليو من عام 2013.. طلب وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسى من المصريين النزول يوم الجمعة إلى الشوارع والميادين لإعطائه تفويضًا بمكافحة ما أسماه بالإرهاب المحتمل.. وذلك بعد خطوة عزل الرئيس السابق محمد مرسى فى الثالث من نفس الشهر.
فهم المصريون الرسالة ونزلوا إلى الشوارع والميادين فى الموعد المحدد.. ليس فقط من أجل منح وزير الدفاع تفويضًا بمكافحة الإرهاب.. فقد كانوا على يقين من أنه لن يتأخر لحظة عن مواجهة الإرهاب بتفويض وبدون تفويض.. ولكنهم فى الحقيقة استشعروا أن هذا الرجل قادر على الإمساك بزمام الأمور فى هذا الوقت الذى اقتربت فيه مصر من الغرق فى بحر الفوضى..
هل تذكرون أيام الفوضى؟!..
هل تذكرون كيف كانت واجهات المحال التجارية تحطم جهارًا نهارًا ليتم نهب ما بداخلها.. هل تذكرون عصابات الاستيلاء على السيارات الخاصة التى انتشرت على امتداد الطرق.. تجبر السيارات على الوقوف وتجبر أصحابها على التوقيع على عقود بيع لها؟!..
هل تذكرون اللجان الشعبية التى تحولت إلى ما يشبه المليشيات.. توقف المارة والسيارات وتفتشهم وتستجوبهم؟!
كان الرجل يجلس فى سيارته إلى جانب زوجته أو شقيقته أو حتى خطيبته فيمد العشرات وجوههم من نافذة السيارة يسألون: الهانم تقربلك إيه؟!..
هل تذكرون مظاهرات أيام الجمعة التى لم يكن أحد يعرف أسبابها ومبرراتها؟!..
هل تذكرون الاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات التى أصابت الاقتصاد بالشلل فاضطرت آلاف المصانع لإغلاق أبوابها؟!..
هل تذكرون استهانة المواطنين بالدولة التى نجم عنها البناء فوق آلاف الأفدنة الزراعية وبناء الأبراج السكنية العشوائية؟!..
هل تذكرون أرقى أماكن وسط المدينة التى استولى عليها الباعة الجائلين وحولوها إلى سوق عكاظ؟!..
هل تذكرون التوك توك الذى انتشر فى شوارع القاهرة وكبرى المدن المصرية.. انتشار النار فى الهشيم؟..
كنت أيامها رئيسًا لمؤسسة صحفية وقد أتاح لى موقعى أن أكون على علم بكل ما يجرى فى المؤسسات الصحفية وغير الصحفية..
كان عمال هذه المؤسسات يضغطون على الإدارات لزيادة مرتباتهم ومضاعفة أرباحهم أو خسائرهم فى الحقيقة.. فوجدت المؤسسات نفسها مكبلة بأعباء مالية رهيبة!..
وكان من المفترض أن تختفى كل مظاهر الفوضى بعد انتخاب رئيس للجمهورية فى عام 2012.. كان من المفترض أن ينجح الإخوان بعد وصولهم إلى الحكم فى القضاء على كل مظاهر الفوضى.. لكن الفوضى انتشرت أكثر وأكثر واتسعت مساحتها..
لم تتوقف المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات بل زاد عليها حرب أهلية أطلت بوجهها القبيح على مصر.. وأصبحت مصر بالفعل قنبلة موقوتة..
كان ضعف الإخوان وأدائهم الفاشل وعدم قدرتهم على قيادة البلاد.. سببًا فى استمرار الفوضى واتساع نطاقها.. أضف إلى ذلك ممارسات الإخوان أنفسهم التى أثبتت للمصريين أنهم على غير ما يتظاهرون جماعة تمارس الاستبداد بكل أشكاله.. فزادت احتجاجات المصريين وزاد سخطهم فاتسعت مساحة الفوضى أكثر وأكثر..
ويعلم الله وحده ما الذى كان يمكن أن تصل إليه مصر إذا استمرت هذه الفوضى ولم تجد من يوقفها..
هل تريد أن تعرف ماذا تفعل الفوضى فى البلاد والعباد؟!..
أذهب إلى لبنان.. وسوف تجد بلدًا على وشك الانهيار.. معدلات البطالة زادت إلى خمسين فى المائة.. أكثر من ستين فى المائة من اللبنانيين أصبح تحت خط الفقر.. المؤسسات والشركات وحتى المستشفيات بدأت تستغنى عن العاملين فيها.. وطبعًا انهارت قيمة الليرة أمام الدولار وانعكس ذلك على أسعار الغذاء والدواء.. وإذا سألت أى لبنانى الآن.. كيف تفكر فى المستقبل.. فالرد الوحيد المشترك هو.. الهجرة خارج لبنان..
انظر إلى سوريا.. ستجد نصف السوريين فى الشوارع.. وليتها شوارع المدن السورية وإنما شوارع العالم.. مخيمات ومعسكرات وبؤس وعيشة ضنك.. وإذا نظرت إلى النظام السياسى فى سوريا تجد العالم يتعامل معها بطريقة ما يطلبه المستمعون.. موسكو تبحث عن نفوذ.. تدخل سوريا.. إيران تبحث عن تواجد.. تدخل سوريا.. تركيا تبحث عن دور.. تدخل سوريا.. أما إسرائيل فهى تدخل وتخرج من سوريا كما تريد.
انظر إلى العراق.. أو إلى اليمن أو ليبيا.. أو أى بلد مر عليها قطار الربيع العربى فأغرقها فى الفوضى.. ستجد انهيار وانقسام واقتصاد مدمر وحروب أهلية.. والأهم غياب الإرادة الوطنية فى ظل هيمنة التدخلات الإقليمية والدولية..
هذه هى الفوضى التى أنقذ الله منها البلاد والعباد فى مصر.. وكان ذلك بعد 24 يوليو 2013..
كان إحساس المصريين بعد سماع نداء الفريق أول عبد الفتاح السيسى.. أن هناك رجل قوى صاحب رؤية قادر على السيطرة على زمام الأمور..
وعندما استجاب المصريين لنداء السيسى بالفعل ونزلوا إلى الشوارع والميادين لمنحه التفويض لمحاربة الإرهاب.. كان لنزولهم فى الحقيقة معنى أهم وأشمل..
كان المعنى الأكبر لنزول المصريين هو أنهم وضعوا كل ثقتهم فى هذا الرجل القوى الذى خلصهم من الإخوان والذى انحاز إلى إرادتهم..
وكان من الطبيعى أمام كل هذه المشاعر والأحاسيس أن تختفى الفوضى وتزول كل مظاهرها.
كان يوم 24 يوليو من عام 2013 حدًا فاصلاً بين الفوضى والاستقرار..
اختفت المظاهرات والمليونيات.. الشوارع بدأت تنضبط.. مؤسسات الدولة بدأت تستعيد عافيتها واستقرارها ونظامها..
حتى الناس أصبحوا كارهين لأى مظهر من مظاهر الفوضى..
لا زلت أتذكر جيدًا ذلك المشهد الذى جعلتنى المصادفة قريب من تفاصيله وأبطاله..
كنت عائدًا بسيارتى من طريق إسكندرية الصحراوى إلى منطقة المهندسين عن طريق محور 26 يوليو..
على مدخل طريق المحور وقف عسكرى مرور صغير السن يبدو بلا حول ولا قوة ينظم المرور.. وجاءت سيارة نقل تحاول الصعود وكان ذلك ممنوعًا..
وقف العسكرى الصغير أمام السيارة يمنع صعودها، فما كان من السائق إلا أن نزل إلى الشارع فأمسك بالعسكرى بقوة وألقاه أرضا بعيدًا عن طريق سيارته ثم أمسك الحاجز الحديدى فألقاه بعيدًا على جانب الطريق.. وذهب يركب سيارته (!!!)..
كان مشهدًا مؤلمًا يعكس ما تعانى منه مصر من فوضى.. لكن المفاجأة أن ثلاثة شبان نزلوا من سياراتهم وانهالوا على السائق ضربا وأهانه وأجبروه على الصعود إلى سيارته والعودة بها إلى طريق إسكندرية الصحراوى..
ساعتها أدركت أن الفوضى ماتت فى مصر!..
وأظن أن تاريخ موتها كما هو مسجل فى شهادة الوفاة.. 24 يوليو 2013.
أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2