طارق السيد متولى يكتب: قصة الحياة
طارق السيد متولى يكتب: قصة الحياة
صعد عازف البيانو الشهير الذى تعدى الثمانين من عمره، ولكنه كان فى كامل لياقته إلى المسرح وبعد أن انحنى لتصفيق الجماهير التى امتلأت بهم قاعة المسرح جلس على البيانو وبعد أن هدأت الأصوات بدأ العزف، فإذا به يعزف نغمة واحدة يعيدها مرارا وتكرارا لمدة ما يقرب من ربع الساعة، وهنا بدأ الجمهور فى القاعة ينظر إلى بعضه البعض بدهشة ويتساءلون فيما بينهم: هل هناك خطأ ما فى البيانو أو السماعات ؟! هل فقد العازف قدرته على العزف ؟! أين مقطوعاته الموسيقية الشهيرة الجميلة ؟!.
لكن العازف الشهير استمر يعزف نفس النغمة الواحدة حتى ضجت القاعة بأصوات الحاضرين واستياءهم، وقام أحد الرجال فى الصف الأول ووجه كلامه إلى العازف متسائلاً: "ما هذا العزف نحن لم نأت لنسمع هذه الموسيقى المملة وهذه النغمة السخيفة."
فتوقف العازف عن العزف ثم أخذ الميكرفون وتكلم فى جموع الحاضرين، فقال لهم: ألم تعجبكم هذه الموسيقى ؟ فأجابه الجميع: لا ، وقالت إحدى السيدات بأسلوب هادىء ومتحضر أى موسيقى ؟! حضرتك لم تعزف إلا نغمة واحدة ليس هناك أى موسيقى!
فأجابهم قائلا : حسنا.. إن الموسيقى الجميلة التى تحبونها تتألف من نغمات مختلفة كل نغمة لها صوت ووقع وشخصية مختلفة تماما عن الأخرى لكنها عندما تشترك مع بعضها وتتحد فى تناغم صحيح تنتج مقطوعة موسيقية جميلة تؤثر فى سامعيها، وتشعرهم بالسعادة، فلماذا لا نتقبل نحن البشر اختلافاتنا والأشخاص المختلفين عنا؟!
لو أنكم جميعا شخص واحد مثل هذه النغمة الواحدة لما تشكلت ملامح الحياة الجميلة، ولأصبح العالم ممل وسخيف وليس له معنى.
كل إنسان وكل شخص له شكل مختلف وصوت مختلف، له شخصية مختلفة وظروف مختلفة، ووقع مختلف، له دور مختلف يؤديه فى قصة الحياة.
الاختلاف سنة الحياة التى لابد منها، نحن لا نستطيع أن نقضى على الاختلاف لأننا لا نستطيع أن نخلق شخصا أو شيئاً، لكننا نستطيع أن نتناغم، ونتعاون، ونشترك، ونشارك، جميعا فى إنتاج حياة جميلة، حياة ناجحة، ومميزة.
بهذه الكلمات أنهى العازف حديثه للجمهور ثم بدأ عزف موسيقاه الشهيرة الجميلة، فانتشى جموع الحاضرين وراحوا يصفقون له بحب وحرارة.