إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: دى مصر يا عبلة !
إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: دى مصر يا عبلة !
كان المشهد الأخير فى فيلم الصعود إلى الهاوية الذى يحكى تفاصيل القبض على الجاسوسة هبة سليم التى كانت تعمل لحساب إسرائيل.. ونجاح جهاز المخابرات المصرية فى إعادتها إلى مصر.. كان المشهد يبدو عميقا ومؤثرا ومليئا بالمعانى..
كانت الجاسوسة التى جسّدت شخصيتها الفنانة الراحلة مديحة كامل تجلس بجوار ضابط المخابرات المصرى الذى جسّد دوره الفنان العظيم محمود ياسين فى الطائرة التى أعادتها إلى مصر.. وبينما كانت الطائرة على وشك الهبوط نظرت الجاسوسة من النافذة فقال لها ضابط المخابرات كلمات تعمد أن توجعها..
"ده الهرم.. وده النيل.. دى مصر يا عبلة"!!!
كان المعنى الذى عبّر عنه ضابط المخابرات المصرى.. أن الجاسوسة هبة سليم أو عبلة كامل طبقا لسيناريو الفيلم.. أصبحت مصر بالنسبة لها بلدا غريبا لا تعرفه وإن كانت تحمل الجنسية المصرية.. وذلك بعد أن خانت وطنها وتعاونت مع العدو لتدميره..
كان ذلك قبل نحو خمسون عاما.. أيامها كان التحدى الوحيد الذى تواجهه مصر هو استعادة سيناء التى احتلتها إسرائيل.. وكان الخطر الوحيد الذى يهدد أمن مصر القومى هو استمرار هذا الاحتلال وفشل مصر فى تحرير أراضيها المحتلة..
كان هذا التحدى وهذا الخطر الشغل الشاغل لمصر على جميع المستويات..
القيادة السياسية كانت متفرغة تقريبا لمعركة تحرير سيناء وكان همها الحصول على دعم عسكرى مناسب ودعم دولى سياسى يساعد مصر على استعادة أراضيها..
وكانت القوات المسلحة متفرغة بالكامل للتجهيز والإعداد لحرب كانت آتية لا محالة..
الاستخبارات المصرية تواصل العمل ليلا ونهارا فى كل أنحاء العالم.. لمطاردة الجواسيس والعملاء وحماية الجبهة الداخلية وإمداد القيادة السياسية والعسكرية بالمعلومات التى تساعدها على اتخاذ القرار المناسب..
وكانت الجبهة الداخلية أيضا مشغولة بهذا الخطر وهذا التحدى..
كانت هناك مصانع كثيرة تعمل من أجل التجهيز للمعركة الكبرى.. مصانع حربية لإنتاج الأسلحة والذخائر.. ومصانع غذائية لتأمين ما يحتاجه الجيش أثناء المعارك ومصانع لإنتاج الدواء والعقاقير التى تحتاجها الجيوش وقت الحروب..
حتى الفن كان له دوره فى مواجهة هذا التحدى وهذا الخطر.. إما بدعم المجهود الحربى بالأموال والتبرعات وإما برفع الروح المعنوية للجيش والشعب..
وحتى الملايين من البسطاء من الفلاحين والعمال والموظفين الذين لم يكن لهم دور مباشر فى مواجهة التحدى والخطر الذى تواجهه مصر.. كان مجرد إيمانهم بقدرة وطنهم على تحرير الأرض.. يمثل دعما لمصر وحماية لجبهتها الداخلية..
هذه هى مصر التى كان ضابط المخابرات المصرى يتحدث عنها للجاسوسة التى خانت وطنها.. وهذا هو التحدى الذى كانت تواجهه والخطر الذى كان يحيق بها.. وهكذا كانت مصر بجميع مستوياتها تتعامل مع هذا الخطر وهذا التحدى..
هل اختلفت صورة مصر واختلفت التحديات والأخطار التى تواجهها بعد مرور نصف قرن على هذه الأحداث؟..
بالتأكيد الصورة أصبحت مختلفة تماما.. والتحدى والخطر أصبح أضعافا مضاعفة!..
إذا نظرت إلى الحدود الغربية فهناك المليشيات والمرتزقة الذين أصبحوا يحتلون ليبيا تقريبا.. إلى جانب الوجود العسكرى التركى الذى يحاول أن يبتلع ليبيا كلها بكل ثرواتها وكل إمكاناتها.. والأهم أنه سيمثل تهديدا مباشرا للحدود المصرية خاصة فى ظل أوهام عودة الدولة العثمانية التى تسيطر على الرئيس التركى أردوغان..
وإذا نظرت إلى الحدود الشرقية وإلى سيناء.. فهناك الإرهاب الذى يحاول أن يلحق الضرر بمصر وسمعة مصر.. صحيح أن الجيش المصرى نجح فى تقليص خطر الإرهاب، لكن هذا الإرهاب لا زال يستميت فى محاولاته للإضرار بمصر..
وإذا نظرت جنوبا فهناك مشكلة سد النهضة الذى أصبح يمثل بالنسبة لمصر معركة وجود.. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فقد كشفت أثيوبيا عن نواياها تجاه مصر وعن خططها لبناء سدود جديدة كفيلة بحرمان مصر من مياه النيل تماما..
وإذا نظرت إلى الشمال.. حيث البحر المتوسط تجد تركيا تحاول أن تستولى على ما هو ليس من حقها من ثروات نفطية وغازية.. وهو ما يتطلب من مصر أن تبقى على أهبة الاستعداد للحفاظ على ثرواتها فى المتوسط..
وإذا نظرت ناحية البحر الأحمر تجد إيران تحاول أن تسيطر على المدخل الجنوبى للبحر حيث باب المندب..
أضف إلى كل هذه التحديات وكل هذه الأخطار.. التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الذى يحارب مصر فى كل مكان ويحاول إلحاق الضرر بها.. إما اقتصاديا وإما إعلاميا عن طريق أربع قنوات تنبح ليلا ونهارا ضد مصر.. ولك أن تتخيل أنك تعيش فى بيت يحوطه الكلاب من كل جهة ولا يتوقفون عن النباح لحظة واحدة!..
الإخوان يحاولون أيضا بالشائعات والأكاذيب ودعاوى التحريض.. تهديد استقرار مصر.. وهناك دولة مثل قطر فتحت أبوابها وخزائنها لهؤلاء الإخوان وللإرهابيين عموما لتوجيه الضربات إلى مصر..
وتتعامل مصر إلى جانب ذلك كله مع مجتمع دولى لا يقيم وزنا ولا اعتبارا إلا لمصالحه!..
كل ذلك على المستوى الخارجى، أما على مستوى الجبهة الداخلية فهناك تحديات اقتصادية صعبة ومعقدة زاد من صعوبتها وتعقيدها وباء الكورونا الذى فرض نفسه ضيفا ثقيلا على العالم يأبى مغادرة المنزل (!!!)
ولا تملك القيادة السياسية ترف تجاهل أى تحد وأى خطر من كل هذه التحديات والأخطار.. لا تملك حتى ترف تأجيل الاهتمام بإحداها على حساب الأخرى.. وإنما مطلوب من القيادة السياسية أن تفكر فيها كلها وأن يكون لكل خطر وكل تحدى حساباته الخاصة.. وأن يتم اتخاذ القرارات المناسبة فى التوقيتات المناسبة لكل هذه التحديات والأخطار..
ولا تملك القوات المسلحة ترف الاهتمام بجبهة على حساب جبهة أخرى وإنما عليها أن تكون على أعلى درجة من الجاهزية على جميع الجبهات..
وليس مطلوبا من الجبهة الداخلية إلا أن تكون على نفس القدر من المسئولية فى مواجهة هذه التحديات والأخطار..
كل واحد عليه أن يؤدى واجبه ويقوم بدوره على الوجه الأكمل.. العامل والفلاح والموظف والمهندس والطبيب والمحامى والصحفى والفنان.. كل واحد بلا استثناء..
وعلينا جميعا أن نتحد للحفاظ على استقرار مصر وأن نتحول إلى حائط صد قوى فى مواجهة شائعات وأكاذيب أهل الشر..
والأهم ألا نتحول إلى خنجر يطعن ظهر الوطن.. تماما كما حاولت عبلة كامل أو هبة سليم أن تفعل قبل خمسين عاما..
والإنسان لا يتحول إلى خنجر فى ظهر الوطن فقط بالتجسس لصالح الموساد.. ولكنه يصبح كذلك بإطلاق الشائعات والأكاذيب ونشرها.. وهناك أيضا من يعمل على هدم الوطن وهز استقراره بآرائه البلهاء ووطنيته الزائفة التى تخفى ورائها أحقادًا شخصية!..
يا كل مصرى ويا كل مصرية.. هذه هى مصر فلا تكونوا "عبلة" (!!!)