د.ناجح إبراهيم يكتب: معاش الشهيد لأسر الأطباء

"الله محبة"كلام من ذهب خرج من وعاء النبوة الصافي,ويعد من أعظم كلمات المسيح رسول السلام التي لو طبقها الناس في حياتهم لانتهت صراعات وأحقاد ونزاعات وتقاتل الناس علي الحطام. دين الله ورسالات الأنبياء كغيث السماء لا ينتفع به إلا إذا نزل علي أرض خصبة،أما العقول المغلقة والقلوب القاسية فهي غير مؤهلة لكتاب الله ورسالات الأنبياء ولو حفظت تعاليمها عن ظهر قلب,وحينها فليس العيب في الدين ولكن في المتلقي عن الله ورسالاته. من أعظم الحكم التي تكاد تنطق في واقع الحياة"من طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلاً بحق". من أجمل كلمات د/مصطفي الفقي عن وثائق الأزهر التي صدرت في عهد الإمام الأكبر د/الطيب"كأنها صادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان وليست صادرة عن الأزهر من شدة اهتمامها بحقوق الإنسان". أكبر أخطاء الجماعات الإسلامية شيوع التفكير بالتمني في أفرادها,فإذا أحب أحدهم شيئاً رآه موجوداً ومنتصراً رغم هزيمته وغيابه,وإذا كره شيئاً تصور زواله وهزيمته وهو ملء السمع والبصر ويحقق كل يوم انتصاراً بعد انتصار،إنه يعيش حالة من إنكار الواقع ليعيش في عالم يتصوره لنفسه وغير موجود في الحقيقة. لبنان بلد العجائب,فيها حزب سياسي له جيش أقوى من جيش الدولة ويملك أسلحة ثقيلة,وله جهاز استخبارات يخترق لبنان كلها وأقوي من استخبارات الدولة,وأقسم بالولاء والطاعة الكاملة للمرشد الإيراني،ولم يفعل ذلك مع الدولة اللبنانية ويسيطر سيطرة تامة علي المرفأ والمطار ومعظم الحدود اللبنانية السورية،وهو الفاعل الحقيقي في الشأن اللبناني الداخلي والخارجي,من يخرج عن طوعه فرأس الحريري الطائر مآله,يدشن ويدرب ويسلح الميلشيات في كل مكان,يحارب في عدة دول دون علم أو إذن الدولة وهو في الوقت نفسه حزب سياسي له نواب في البرلمان. وقع قرابة50 ألف لبناني عريضة لماكرون تطلب عودة الاستعمار الفرنسي للبنان,وما أدراكم ما الاستعمار الفرنسي الذي كان أقسي دائماً من الانجليزي وقتل أكثر من مليون جزائري وصنع مذابح في تونس وغيرها,إنهم يستجيرون من رمضاء الاحتلال الإيراني وحزب الله بالاستعمار الفرنسي. والحقيقة أن معظم العرب الآن يرغبون في الاستعمار فمعظم الجماعات الإسلامية السياسية وكذلك التكفيرية ترغب في الاحتلال التركي,والحوثيون في اليمن وأكثر شيعة الخليج يرغبون في الاحتلال الإيراني,وهؤلاء اللبنانيون وغيرهم يتمنون عودة الاحتلال الفرنسي,إنها نزعة العبودية تعود للعرب من جديد. أما الاحتلال الإسرائيلي فكلنا نقدم له الجائزة تلو الأخرى لتفضله باحتلال بلادنا,وهكذا تتوزع بلاد العرب بين الاحتلال الإسرائيلي والإيراني والتركي والأمريكي,وتدور معظم أوطان العرب بين الاحتلال أو الاستبداد. من أجمل كلمات الراحل العظيم د/كمال أبو المجد قوله"يفقد المجتمع بصيرته وحكمته لعدة أسباب إما خوفاً,أو طمعاً أو جهلاً"وأقول:أن هذه الثلاثة موجودة الآن في بلاد العرب. من آخر كلمات د/أحمد ماضي نائب مدير مستشفي صدر المعمورة والذي استشهد بكورونا بعد أن كان علي رأس المتصدين لها"بينما أنا راقد علي سريري في العناية المركزة أكافح كي أتنفس الهواء بصعوبة،وأعاني من ألم رهيب ينهش كل قطعة من جسدي الذي لم يبق فيه شيء غير متصل بأنابيب وخراطيم,أراقب نظرات زملائي من الأطباء والتمريض ما بين خوف ورجاء لمقاومة هبوط حاد في الأكسجين في جسدي معلناً فشل جهازي التنفسي الرباني،وبداية طريق أنا أعلم نهايته المحتومة فلطالما شاهدته وأنا الطبيب المسؤول عن علاج هذا المرض الفتاك،ومنذ أيام ودعت زميلاً لي كان يرقد علي بعد خطوات مني وقد سبقني إلي ما أنا ذاهب إليه الآن". وأردف بقلمه:"لست والله خائفاً،فأشهد الله بأني لم أقصر في أداء الواجب وتحمل الأمانة,وأرجو من الله أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم،وأن يجعل عملنا ومرضنا في ميزان حسناتنا,فإن حانت لحظة الفراق أدعو الله أن يتكفل بأسرتي وأطفالي،وصيتي إليك"يا الله"أطفالي الذين لن أفرح بهم،وأن تذكروني إخوتي بكل جميل". ما أعظم رسالة الطب والأطباء,وما أعظم هذا الطبيب العظيم أحمد ماضي الذي استشهد بعد أن تقدم بصدره عارياً لمقاومة المرض وعلاج آلاف المرضى في أكبر مستشفي للصدر في غرب الدلتا كلها.  هؤلاء الأطباء الذين استشهدوا في مواجهة كورونا تستحق أسرهم معاش الشهيد الذي يمنح لشهداء الجيش والشرطة،علي الأقل ليعيشوا كراماً,وأن يكون لأولادهم استثناء في كليات الطب الخاصة،سلام علي الشهداء وأهل الإحياء والإحسان.