ماكماستر.. من حرب الخليج إلى مراهنات السياسة الأمريكية

ماكماستر.. من حرب الخليج إلى مراهنات السياسة الأمريكيةماكماستر.. من حرب الخليج إلى مراهنات السياسة الأمريكية

*سلايد رئيسى26-2-2017 | 20:21

كتب: وليد فائق
رفض مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال هربرت رايموند ماكماستر، استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي المتطرف" في التعامل مع الإرهابيين، موضحا أن استخدام هذا المصطلح من قِبل الرئيس ترامب ومستشاريه للإشارة إلى الأعمال، التي يقوم بها منتسبون للإسلام "يعد أمرا خاطئاً"، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين شاركوا في أول اجتماع لماكماستر مع فريق المجلس.
وكان "ماكماستر"، قد قال خلال الاجتماع إن استخدام تعبير "الإرهاب الإسلامي المتطرف" أمر خاطئ؛ لأن الأعمال الإرهابية ليست من الإرهاب في شيء، ولا تمت للإسلام بصلة فهي "غير إسلامية"، ونُقل عنه تصريحه "أن المسلمين الذين يرتكبون أعمالا إرهابية ينحرفون عن تعاليم دينهم".
ورأت الصحيفة الأمريكية في موقف الجنرال ماكماستر مؤشرا على أنه قد ينأى بمجلس الأمن القومي عن الآراء الأيديولوجية لسلفه مايكل فلين، كما يُعرف عنه أنه ضد استخدام لغة تسيء للمسلمين.
الجدير بالذكر أن صعوبات جمة وصفت بالولادة المتعثرة، شابت عملية اختيار ترامب لمساعده لشئون الأمن القومي، حتى تم اختيار "هربرت ريموند ماكماستر"، صاحب التاريخ الأكاديمي والعسكرى المشرف، مستشارا للرئيس؛ ليخلف بذلك المستشار السابق "مايكل فلين" الذى استقال بعد أقل من شهر من توليه المنصب على خلفية محادثاته التليفونية مع السفير الروسى فى واشنطن.
 وقد لاقى تعيين ماكماستر ترحابا شديدا من الإعلام وكثير من المراقبين السياسيين حتى من خصوم الرئيس أنفسهم، ومن المعلوم أنه لم يكن هو الخيار الأول لترامب، فعملية الاختيار شهدت أكثر من مرشح، كان أبرزهم الفريق بحري روبرت هاروارد والذى رفض المنصب وفقا لما أعلنه البيت الأبيض، إلا أن تقارير إعلامية متعددة، أشارت إلى أن سبب الرفض اشتراط هاروارد العمل مع فريقه الخاص به، وهو ما رفضه ترامب، قبل أن يخرج هاروارد بنفسه نافياً ذلك، مشيراً إلى أن رفضه المنصب لأسباب شخصية بحتة، ثم بعد ذلك تم ترشيح عدد من الشخصيات كان فى مقدمتهم "جون بولتون" السفير الأمريكى الأسبق لدي الأمم المتحدة أثناء فترة رئاسة جورج بوش الابن وأحد صقور الجمهوريين، والفريق روبرت كاسلين مدير الأكاديمية العسكرية الأمريكية فى ويست بوينت، والفريق متقاعد كيث كيلوج والذى كان يتولى بالفعل المنصب بالوكالة حتى تعيين ماكماستر، الذى يبدو أن ترامب وجد ضالته فيه خاصة بعد أن طال البحث وسط ضغوط متزايدة من الطبقة السياسية فى واشنطن حتى بين الجمهوريين أنفسهم، واتهامات بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تشهد فوضى، وشائعات بأن الرئيس يعاني صعوبة فى إيجاد شخص مناسب يتولى المنصب، وهو ما اضطر ترامب لنفى ذلك بنفسه وليؤكد لوسائل الاعلام وهو على متن طائرته الرئاسية بأن هناك الكثيرين ممن يتطلعون لشغل المنصب، ويبدو أنه أخيراً استقر على ماكماستر قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر من ذلك..
ويبدو أن ترامب قد أراد من تعيين رجل عسكرى محبوب من الجيش فى هذا الموقع النافذ فى الإدارة الأمريكية إلى استمالة المؤسسة العسكرية الأمريكية – أحد اللاعبين الأساسيين فى الملعب السياسى فى واشنطن إن لم تكن اللاعب الرئيسى– خاصة فى ظل العلاقة المتوترة مع هذه المؤسسة وخاصة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وبالطبع فإن وجود ماكماستر سيلطف من هذه الأجواء.
تاريخ حافل بالإنجازات
والواقع أن ماكماستر يبدو بالفعل هو الرجل المناسب لهذا المنصب وقد سبق و اختارته مجلة التايم فى قائمة أكثر 10 أشخاص تأثيرا فى العالم عام 2014، ولم لا وهو قائد عسكرى فذ يحمل تاريخا مشرفا منذ تخرج من الأكاديمية العسكرية الأمريكية فى عام 1984، أكاديمياً اهتم ماكماستر منذ تخرجه بالبحث فى التاريخ العسكرى حيث حصل على درجة الماجستير فى التاريخ من جامعة نورث كالرولينا فى عام 1984، ولم يستغرق الأمر أكثر من عامين آخرين ليحصل بعدها على الدكتوراه فى التاريخ العسكري من الأكاديمية العسكرية عام 1996.
وفى نفس العام فإن ماكماستر المعروف عنه الصراحة والحسم، نشر كتاباً عن تاريخ حرب فيتنام بعنوان "التقصير فى الواجب"، وهو ما لفت إليه انتباه القادة العسكريين والإعلام الأمريكى الذين أشادوا به، وانتقد الكتاب بشدة قرارات أمريكا خلال الحرب مشدداً على أن واشنطن قد خسرت الحرب حتى قبل أن تبدأ فى نشر وحدات الجيش على أرض المعركة، الكتاب جعل كثيرا من المتابعين يصنفون الرجل بأنه "مفكر عسكرى عميق"، لقب المفكر العسكرى لازمة كثيراً بعدها، خاصة بعد أن أثنت عليه مجلة تايم واصفة إياه "بمفكر الجيش المحارب فى القرن الحادى والعشرين".
أما عن خدمته العسكرية الميدانية فلم تكن أقل إنجازا من مثيلتها الأكاديمية، فقد تولى ماكماستر مواقع قيادية خلال حرب الخليج أوائل التسعينيات من القرن الماضى، مما ساعده بعدها فى العمل فى القيادة المركزية خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكان قد تولى إدارة قوات الشفافية ومكافحة الفساد فى أفغانستان.
وبزغ نجم ماكماستر – الحاصل على نوط النجمة الفضية للشجاعة – بصورة أكبر فى عام 2005، عندما قاد معركة "تلعفر" فى العراق، باستراتيجية عسكرية جديدة، تختلف كلية عن المخططات التقليدية للقوات الأمريكية هناك، ونجحت استراتيجيته بالفعل وسيطر على المدينة بطريقة أبهرت قادة الجيش وجعلت الرئيس بوش الابن ووزيرة خارجيته وقتها كونداليزا رايس يثنيان علي خطته، ولكن الدعم الاهم بالطبع كان الثناء من الاعلام وقادته العسكريين، العراق لعب دوراً مهماً أيضاً فى تاريخ ماكماستر العسكرى حيث عاد إليه مرة أخرى عام 2007 مع مجموعة من الأكاديميين العسكريين الأمريكيين شكلوا بصورة غير رسمية "مركز عقول بغداد" مهمته كانت التوصل لمنهج جديد فى الحرب بعد تأزم الموقف فى العراق، وفى عام 2008 عمل فى مركز الجيش لتكامل القدرات، ثم قائداً لمركز التميز لمناورات الجيش، وبالطبع فإن إنجازاته الأكاديمية والميدانية خلال هذه الخدمة العسكرية الطويلة أهلته لكي يحصل على رتبة "ليفتانت جنرال" والتى تعادل رتبة فريق.
صراع متوقع
مهمة ماكماستر الجديدة لن تكون سهلة البتة، خاصة أن هناك خلافات متباينة فى الرؤي بين إدارة ترامب ومستشاره الجديد، والخلاف قد بدأ مبكراً ومنذ اللحظة الأولى لدخول ماكماستر البيت الأبيض، وفى أول اجتماع له مع فريقة الجديد حيث اعلنها صراحة انه يرفض كلياً استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي الراديكالى" وهو المصطلح الذى اعتاد ترامب نفسه وأقطاب إدارته استخدامه، مشدداً على أن هذا المصطلح يثير غضب المسلمين و"شركائنا فى الحرب ضد الإرهاب" على حد قوله، وماكماستر يتفق فى هذا مع الرئيس السابق "باراك أوباما" الذى أكد على حتمية عدم إظهار الحرب على الإرهاب على  أنها حرب بين الأديان، وبالطبع موقف ماكماستر قد يؤدي إلى مواجهة محتدمة مع مستشارى ترامب الباقين – بل ومع ترامب نفسه، وبالطبع صراحة ماكماستر المعروفة عنه وقوة شخصيته قد تؤدى إلى صدام متوقع بين الرجلين، فهل يستطيع المحارب القادم من ميادين القتال، اقتحام دهاليز السياسة فى البيت الأبيض وتغيير استراتيجية ساكنه الجديد وإنقاذ ترامب وإدارته من الفوضى التى يتهمه بها خصومه؟! هذا ما ستسفر عنه الأحداث القادمة.
أضف تعليق