إسلام كمال يكتب: «ليدى» البواب..ودرس لكل متواكل!

إسلام كمال يكتب: «ليدى» البواب..ودرس لكل متواكل!إسلام كمال يكتب: «ليدى» البواب..ودرس لكل متواكل!

* عاجل26-10-2020 | 21:21

تلك المرآة، التى تناطح الدنيا على كبر سنها، وصعوبة حالها، حتى إننى لا أرى أبناء كبار لها..إختفت، أين ذهبت؟!..لا أعرف!
تلك المرأة، التى، لا أعرف إسمها،حتى، رغم إنى أرقمها كل يوم، شبحا مثيرا، يهرول قبل أن يكتسى النور السماء، فارسا مغوارا، في ظل نسمات الصباح الجميلة..تبهرنى أفعالها، على بساطتها، وعدم استثنائيتها، فهى قصة من قصص المعافرة المصرية المعتادة، لكنها تفوق الجميع وفق تصورى بتعقد بساطتها، فهى تلاحق شمس النهار، وديك الصباح، فتراها تجرى كل شروق، أو حتى قبل الشروق، لتنهش من الدنيا الشرسة، ما تستطيع بالحلال، من جنيهات يعينها على إلتزامات الشهر.
قصيرة، لكن خطوتها طويلة، فتصل لهدفها، في أقل وقت، وبأقل جهد، لها يدان كأي بشرى، لكن أفعالها، ليست كالبشر..تلهب حماسة الكل في عز الصباح الباكر، صيفا كان أو شتاء،حتى تحرج الشباب الذين يعرفون حلاوة التبكير، ويستمتعون بمشاهد قفزها بين السيارات، التى تنظفها بقطعة قماش، لا تتصور بالمرة أن ينتهى مشهد المعركة بين هذه الأسطح القذرة وهذه العجوز المئاوحة،بهذا الانتصار المبهر، فالسيارات كأنها "زيرو" تباع في أفخم الآچانسات!
نعم إن كل هذه التوصفيات المبهرة لليدى زوجة البواب القصير العجوز، في العمارة المجاورة لى، هى ليدى لأنها تفعل كل ذلك، كل يوم، حتى لا ترتكن إلى مساعدات اعتيادية من المحبين ورجال وسيدات الخير.. قدميها الآن لا تحملها،صرخت في وجهها، وقالت لها إرحمينى، فلست كما كنت، وإستهلكتينى مع الأيام والسنوات، فحصلت على عكاز معدني يعاونها في الحركة،لا اعرف من أين، ولم ترتكن، ولم تستسلم، ولم تمد يدها..تقدم لمن يشده عرضها المعقد في بساطته، البسيط في تعقده، درسا يوميا، حول إن الحياة تستمر مهما كانت التحديات، والقرار لك أنت وليس للظروف، وغيرها من الحجج، التى إعتاد عليها المستسلمون!
تغير المشهد قليلا، فالعجوز الآن لا تفترق عن رفيقها المعدنى الجديد، فقط من الممكن أن تتركه قليلا، وهى تحتضن السيارة لتنظف ثناياها بقوة وشراسة، ثم تعود إليه، بعد أن تنتهى دورتها حول السيارة المستهدفة، وكأنها تعود لحبيب إبتعد طويلا، هذا واضح من نظراتها السريعة له.
لا أعرف إسمها، ولا يهمنى وسط كل هذه التفاصيل، فماذا لو كانت صبرية أو عديلة أو محاسن، ولمن لا يعرفها، ويتوقع أن تكون ملامحها مريحة، سأفاجأك بإن ملامحها ليست مريحة، شرسة بشكل مقلق، وكأنها هاربة من "تار" في الجنوب الصعيدى، تلك التى القصص التى سمعنا عنها، وقرأنا منها كثيرا.. مبالغات لحظات النظر لها، تحمل الكثير من التصورات، تستيقظ منها، مع خطواتها الجمبازية على إطارات السيارات، التى أحيانا أحن عليها من هذا العذاب، فهذه ليست مجرد عمليات تخليصها من أتربة يوم عابر، بل جلسات تعذيب معتقل في واحد من أشرس المعتقلات الديكتاتورية، الله يرحمك أيتها من العجلات من هذا العذاب اليومى!
صباحك خير، أيتها السيدة العجوز المئاوحة..كلماتى هذه، مجرد تعبير عن إمتنانى، والله يعطيكى الصحة والمدد، كبديل عن الولد، أكتب كل هذا، وأنا أعرف إنها مجرد قشريات من صعوبات وتحديات تواجهينها يوميا!
أضف تعليق

إعلان آراك 2