نادية صبره تكتب: الذئاب المنفردة
نادية صبره تكتب: الذئاب المنفردة
شهدت فرنسا منذ السادس عشر من أكتوبر الماضي ثلاث حوادث إرهابية منها ذبح شاب شيشاني مدرس عرض رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وقتل ثلاث أشخاص في كنيسة بمدينة (نيس) الفرنسية وإطلاق نار على كاهن يوناني ومازالت فرنسا مرشحة للمزيد من الهجمات الإرهابية بحسب الخبراء الأمنيين وأعقب هذه الحوادث تصريحات من الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) فجرت غضباً وإستياءاً في الشارع العربي والإسلامي.
وقد إلتقط الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) الفرصة ليشن هجوماً شديداً على الرئيس الفرنسي وصل إلى حد وصفه بأنه بحاجة إلى علاج من الإضطرابات النفسية كما طالب الشعب التركي بمقاطعة البضائع الفرنسية مما اضطر باريس إلى سحب سفيرها من أنقرة..
والواقع أن التظاهرات التي خرجت منددة بتصريحات ماكرون وحملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية وكل ما يعبر عن حالة الغضب والغليان في العواصم الإسلامية هو رد فعل طبيعي ويمكن تفهمه لأن المسملمين جُرحوا في دينهم ولكن الشو الإعلامي الذي يقوم به الرئيس التركي لا ينطلى على أحد.. لأن أردوغان نفسه مشكلة وعبئ على الإسلام فهي يذكى المذهبية والطائفية وهو لا يدافع عن الإسلام بقدر ما يستخدمه لمصالحه التوسعية ومنها تمدده في البحر المتوسط وشمال إفريقيا وتصفية حساباته مع أوروبا وخاصة فرنسا التي تأخرت كثيراً فالقضاء على الإرهاب ومحاربة التطرف كانت تقتضي فرض قيود على التدفقات المالية القطرية لتجفيف مصادر الإرهاب والآن تدفع بسياسة العلاج الأمني وبآلاف الجنود لحماية الكنائس والمدارس وهذه السياسة وحدها لن تجدي نفعاً.
لقد إستفاقت فرنسا بعد فوات الآوان وماكرون الآن يدفع ثمن التساهل مع التطرف الإيراني والتردد في مواجهة أردوغان وغض الطرف عن الجمعيات التي تمولها قطر في فرنسا..
يدفع ثمن سياسة المهادنة والتساهل مع التطرف هذا الإرهاب الذي يحمل عنوان الإسلامي وهو لا يمثل الإسلام في شيء بل إن الدول الإسلامية قاطبة أدانت أي عملية إرهابية والمسلمون في فرنسا يرفضون ذلك ويقفون ضده وهم ضحايا التعاملات والتراكمات.
إن ترحيل 24 ألف متطرف من فرنسا وغلق الجمعيات المدعومة من قطر هي خطوة جيدة كان يجب أن تتم منذ عدة سنوات وهي تصل إلى (12) جمعية ومنظمة مثل الرحمة والبر والتقوى والإحسان ومسجد بلال في ضواحي باريس وبركة المدينة الذي طلب مديرها اللجوء السياسي لتركيا بعد إخضاعه قيد الإقامة الجبرية وإعتقال معاونة وهذه الجمعية تحديدأً محسوبة على تركيا وهناك شكوك حول فرع الجمعية في تركيا وهي تتبنى الفكر المتشدد وتعمل على نشر التطرف وأفكار الكراهية والعنف.
هذه الجمعيات التي أصبحت على الآراضي الفرنسية بمثابة قنبلة موقوتة ويتم الآن تفكيكها تباعأً من الذي سمح لها بالتواجد وأن تعمل وتمول وتستغل هامش الحريات رغم إرتباطها بتنظيم إرهابي وهناك إحتفاء من قطر وتركيا وإستياء من غلق هذه الجمعيات..
إن أردوغان فتح باب خطير وهو التحرك الفردي أو ما يسمى بسياسة (الذئاب المنفردة) وهو أكبر تحدي أمني لأنه مهما كانت الخطة الأمنية الفرنسية على قدر من الإحكام فهناك ثغرات يمكن إستغلالها للقيام بعمل فردي والدلائل كثيرة فالشاب الشيشاني الذي ذبح المدرس ينتمي لمنظمة على الأقل مرتبطة بحركة حماس والجميع يعلم من هي حماس وما هي إرتباطاتها ومرجعياتها لذا تم حل جمعية الشيخ ياسين عقب الحادث مباشرة.. كذلك الشاب المعتدي في (نيس) لم يكن له تاريخ في الإرهاب وبشهادة أقاربه وأصدقائه في تونس لم يكن ينتمي لأي تنظيم إرهابي داخل تونس وليس له أي نشاطات ودخل إلى (نيس) قادماً من إيطاليا قبل الحادث بساعات.. وكما قال وزير الداخلية الفرنسي (هذا الشاب جاء فرنسا ليقتل) لذا فهناك حلقة مفقودة يحاول الأمن الفرنسي والتونسي كشف غموضها خلال الأيام القادمة.. وهي من يقوم بتجنيد هؤلاء الشباب وإرسالهم للضفة الأخرى بترتيب من الإخوان أما عن تنظيم (المهدي) الذي تبنى عملية (نيس) وهو تنظيم سلفى متواجد بالجنوب التونسي فأتشكك في أمره وأعتقد أن هذا التبني الغرض منه طمس بعض الحقائق وإبعاد الإرتباطات الخارجية لهذا الحادث للفصل بين ما يجري في فرنسا وبين أردوغان الذي يريد إستخدام فرنسا كمنصة للإرهاب في أوروبا ويستخدم تونس بعد التضييق عليه في ليبيا.
وقد صعدت المعارضة التركية ضده بعد تصريحاته الأخيرة ودعوته لمقاطعة المنتجات الفرنسية حيث قال (كمال كليتشدار) زعيم حزب الشعب المعارض: (الأتراك سئموا المشاكل ونريد العيش بسلام.. الصراعات والنزاعات لن تفيدنا) ثم وجه سؤالاً لأردوغان هل تركت مواطن لديه قدرة شرائية للمنتجات الفرنسية؟ وتحداه أن يغلق مصنع (رينو) للسيارات الفرنسية الذي يعمل به (150) ألف عامل تركي وأن يُوقف التبادل التجاري مع فرنسا وأن تقوم زوجة أردوغان بالتخلي عن حقيبة يدها الفرنسية باهظة الثمن وتحرقها كما طالبته زعيمة حزب الخير القومي (ميرال أكشنار) بالإبتعاد عن توظيف سياسة تركيا الخارجية لصالح أنانيته والكف عن تصرفات المراهقين لأن البلاد في أزمة إقتصادية غير مسبوقة وهو داخل في صراعات مع ثلاثة عشرة دولة...
بمنتهى الوضوح نحن الآن أمام مشروعين: مشروع الإسلام الوسطي الذي يبرز تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو للرفق والتسامح وقبول الآخر والتعايش وحوار الأديان وهذا المشروع تتبناه مصر والسعودية والإمارات ومشروع الحروب والصراعات الطائفية والفكر الإرهابي المتطرف الذي تتبناه تركيا وقطر وإيران.
إن أردوغان لا يسئم من مسألة اللعب على المشاعر الدينية ولا يعرف سوى سياسة المرتزقة الذي ينقلهم من سوريا إلى ليبيا إلى أذربيجان ويهدد أوروبا بفتح الحدود أمام المهاجرين ويدير شبكات أمنية لها علاقة بنشر الفكر المتطرف وتمويله من جهات عديدة تلبي مشاريع توسعية عنصرية لا علاقة لها بالإسلام والهدف منها إعادة إنتاج الإمبراطورية العثمانية البائدة وعلى العالم أن يدرك خطورة أردوغان وأطماعه وطموحاته.