ماجد بدران يكتب: الهيمنة الصينية على العالم (3)
هناك أركان ثلاثة للقوة التى تؤدى للهيمنة، القوة العسكرية، الاقتصادية، التقنية والثقافية، وهو ما امتلكته الولايات المتحدة من مقومات قوة أهلتها لتكون الدولة الأولى فى العالم، وعملت الإدارات الأمريكية المتتالية ليكون القرن الحادى والعشرون "قرنًا أمريكيًا".. والصراع الدائر على المستوى العالمى يشتمل على مكونات ثقافية وقيمية، فهو صراع بين ثقافات أو بالأحرى هو صراع بين حضارات، وهو ما تتبناه الصين ومن قبلها الاتحاد السوفيتى السابق من الوقوف ضد انتشار الديمقراطية والليبرالية، فالصين ترفض السطوة الثقافية الأمريكية.
وتمتعت العقيدة السياسية الأمريكية بالمرونة والتكيف منطلقة من مبدأها فى التدخل فى الشئون السياسية للدول الأخرى بهدف الهيمنة عليهم مستغلة للثروة والقوة لديها والتى جعلتها متفوقة على الآخرين.
وتنوعت أدوات الهيمنة الأمريكية، فمنها الاقتصادية من خلال المساعدات المباشرة وغير المباشرة، والسياسية من خلال دعم المعارضة والانقلابات على السلطة، والعسكرية عبر تقديم الدعم العسكرى والتدريبات، ودعم القوات المعارضة، إضافة إلى الغزو المباشر والعقوبات والضغوط الاقتصادية وصولاً إلى الحصار الكامل.
وطريق الصين نحو الهيمنة ليس سهلاً لوجود معوقات عديدة تعترضه، أولها عدم مرونة النظام السياسى، فنظام الحزب الواحد الذى تسيطر عليه نخبة الحزب الشيوعى ليس النموذج الجذاب لدى شعوب العالم بل حتى داخل الصين نفسها، ولا يزال النظام الصينى يرفض الرأى الآخر ولا يتساهل داخليًا، ورغم سياسات الانفتاح التى أصبحت واضحة تحت تأثير الخوف من انهيار الحزب الشيوعى كما حدث فى الاتحاد السوفيتى السابق، ولكن اتضح فعليًا أن هذا الانفتاح لم يكن جديًا ولم يحقق مصداقية، فهو انفتاح خارجى فقط مع استمرار الانغلاق الداخلى.
الصعوبة الثانية ثقافية حضارية وتتمثل فى صعوبة اللغة الصينية وضعف انتشارها، فلغة الاتصال مهمة للتوسع والهيمنة الثقافية على العالم، فاللغة الصينية مقارنة بالإنجليزية تعتبر ميتة، وحائط اللغة ليس سهلاً أمام الهيمنة الصينية لتجاوزه، إضافة إلى المغالاة فى تمجيد التاريخ الصينى الذى تسيطر عليه الأساطير والخرافات.
ولا تزال الصين تعانى من بيروقراطية الدولة وهيمنتها على النظام المالى والمصرفى، وتتحرك أجهزة الدولة المالكة لأكبر خمسة مصارف إلى جانب البنك المركزى لتنفذ توجهات الدولة، وهنا نجد أن عدم مرونة النظام السياسى ألقت ظلالها على النظام الاقتصادى والمالى، الأمر الذى لا يتوافق مع الانفتاح العالمى.
ورغم وجود فائض مذهل فى الناتج القومى الصينى إلا أن ذلك متمثل فى استيلاء الحكومة على جهد الطبقة العاملة، بإرغامها على العيش فى ظروف حياة غير متكافئة مع الجهد البشرى المبذول فى الإنتاج، وهذا الفائض الضخم فى القيمة يصب لصالح الدولة، ويكفى أن نعلم أن متوسط الدخل السنوى فى الصين حوالى 12000 دولار، بينما فى الولايات المتحدة 63000 دولار وستظل مستويات المعيشة فى الصين أقل بكثير مما هى عليه فى أمريكا ودول أوروبا الغربية.
ولو كانت الصين تدفع حقوق الطبقة العاملة كاملة لتراجعت مكانتها الاقتصادية كثيرًا إلى الوراء.. إن عدم عدالة النظام الاقتصادى الصينى سيعرض النظام مستقبلاً لضغوط ومطالب اجتماعية وقد تؤدى لانتفاضات داخلية، وهو عنصر يؤثر سلبًا بقوة فى مسيرة الصين نحو الهيمنة.
وحتى تكون نظرتنا واقعية فلم تصل الصين بعد إلى قوة الولايات المتحدة فى كل المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والحضارية، فالهيمنة لا تزال أمريكية، لكنها ليست هيمنة مطلقة، فالصين لديها ظهور وتواجد قوى فى عالم اليوم إلا أنها لم تصل بعد لمستوى الولايات المتحدة.