عاطف عبد الغنى يكتب: الزنوجية والصهيونية.. ومياه النيل (2 من 3).. زواج الحبشة من إسرائيل !

عاطف عبد الغنى يكتب: الزنوجية والصهيونية.. ومياه النيل (2 من 3).. زواج الحبشة من إسرائيل !عاطف عبد الغنى يكتب: الزنوجية والصهيونية.. ومياه النيل (2 من 3).. زواج الحبشة من إسرائيل !

*سلايد رئيسى27-8-2017 | 15:57

فى مثل هذا الأسبوع «الأخير من شهر أغسطس»، قبل 120 عامًا، اجتمع تيودور هرتزل المحامى اليهودى بمجموعة من بنى جلدته المشتتين فى أوروبا، وتدارسوا فكرة جهنمية وهى كذلك لأنها ستقود منطقة الشرق الأوسط فيما بعد إلى آتون الجحيم، وأطلقوا على اجتماعه «المؤتمر الصهيونى الأول». واتفق المجتمعون فى هذا المؤتمر على السعى لإنشاء وطن قومى لليهود.. وكما فعل أسلافهم الذين جمعوا لهم التوارة عندما كانوا سبايا وعبيدًا فى العراق، قرر المجتمعون أن يسبغوا على فكرتهم مسوح القداسة، صحيح أن غالبيتهم لم يكونوا رجال دين ولا كهنوت، ويتعاملون مع اليهودية على أنها جنس وعرقية، لكنهم كانوا يدركون جيدا أن إسباغ القداسة على مشروعهم السياسى الاستيطانى كفيل بأن يجذب لهم زبائن كثيرة.

(1)

وللسبب السابق كان ترشيح فلسطين مكانا لهذا الوطن، وأخرجوا من نصوص التوارة ما يحبذ فكرة أنها أرض الميعاد التى وهبها الله لأبيهم (هم فقط) إبراهيم أو إبراهام، وفيها جبل صهيون الذى سرقه أجدادهم قبل ما يزيد على ثلاثة آلاف عام من سكانه الأصليين «اليبوسيين» وكان عليه حصن شهير للأخيرين فانتزعوه منهم، ووضعوا عليه «تابوت العهد» فأصبح بالنسبة لهم مكانا مقدسًا. ..لا تأخذ فى بالك، فهذا تاريخ ملفق، وهم أنفسهم يعترفون بسرقاتهم وخداعهم حتى لإلاههم فى كتبهم المقدسة التى جمعوها من الأساطير ليجلدوا بها ذاتهم، وجلسوا جوارها لآلاف السنين يبكون ضياع مملكة داود وسليمان، ويسعون إلى اليوم لإعادتها والانتقام من أعدائهم الذين أذلوهم على طول التاريخ وعرضه، وإذا كانت حكايات التاريخ مسلية، فمنها أيضا نستطيع أن نفهم الحوادث والبشر. رشحوا فلسطين لكنهم وضعوا بدائل لها فى حال فشلهم فى الحصول عليها، ومن البدائل التى طرحها اليهود فى مؤتمرهم الصهيونى الأول لإنشاء وطنهم: أوغندا، أو كينيا، ضمن ما أسموه «مشروع شرق إفريقيا»، ويبدو أن اقتراحاتهم تعثرت، فذهبوا بعد المؤتمر الصهيونى الرابع (انعقد عام 1900) إلى اللورد كرومر وطلبوا منه إقامة وطن قومى لهم فى السودان، المستعمرة تحت التاج البريطانى، لماذا السودان؟!.. لأنها تتماشى مع رغبة يهود روسيا الذين ساءت أحوالهم فى هذا التاريخ ورغبوا فى الهجرة إلى أراض زراعية خصبة يزرعونها، إضافة إلى أن شرق ووسط أفريقيا مكان مناسب لذلك فى وجود يهود أفارقة، وفشلوا فيما سبق فطرحوا فى المؤتمر الصهيونى السادس (1903م) الاستيطان فى شبة جزيرة سيناء بدعوى أنهم من خلال وجودهم فيها سوف يعملون على حماية بريطانيا حليفتهم من الثورة الشعبية المصرية الوشيكة الاندلاع ضدهم، ولم تبلع بريطانيا الطعم. وانتهى الأمر إلى تبنى فلسطين كمكان وحيد مرشح لإقامة دولة يتجمع فيها يهود العالم.

(2)

القصد أن أفريقيا منذ البداية كانت فى ذهن اليهود، ومنذ التأسيس الأول لإسرائيل، ولم تغب، وظلت تمثل عقيدة استراتيجية، ومجالا حيويا للمخططين، وأصحاب القرار، منذ هرتزل الرائد الأول للفكرة الصهيونية ورفاقه، وحتى رئيس الوزارء الحالى نتنياهو. ومع إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 شكّلت منطقة القرن الإفريقى، والبحر الأحمر، وحوض النيل، أماكن بالغة الأهمية لإسرائيل، وأمنها القومى، وعمدت أيضا منذ البداية إلى إيجاد تواجد قوى وراسخ لها، وسعت إلى النفاذ لدول هذه المنطقة لأسباب ليست فقط أمنية وعسكرية ولكن اقتصادية واستراتيجية، مثل توسيع جبهة أصدقائها بضم دول أفريقيا لتكسر بهم عزلتها التى فرضها العرب عليها، وضمان هجرة اليهود الأفارقة (الفلاشا)، وعدم السماح بأن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية، ومن الأهداف الاستراتيجية المهمة أيضا تطويق الأمن المائى العربى.

(3)

منذ البداية أيضا وضعت إسرائيل عددًا من النظريات والمخططات، أخلصت لها، واشتغلت عليها، منها على سبيل المثال مخطط «شد الأطراف» الذى صاغه بن جوريون أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل بعد قيامها، ويهدف المخطط إلى وضع أطراف الدول العربية فى حالة توتر، واحتراق دائمين، من خلال دفع الجماعات العرقية والأثينية فى الدول العربية إلى الثورة والتمرد والانفجار والسعى إلى الانفصال لتفتيت الدول والأمثلة (جنوب السودان، كردستان العراق، دارفور). ومن المخططات أيضا «حلف المحيط» وصاغه أيضا بن جوريون وسعت من خلاله إسرائيل إلى عقد تحالفات مع الدول المحيطة بالعرب لمواجهة حالة العداء العربى، ومن الدول التى راهنت عليها إسرائيل مع نشأتها إيران، وأثيوبيا منذ عهد الإمبراطور هيلا سلاسى. وضعت إسرائيل أيضا مخطط «القرن الأفريقى الكبير» وسعت فيه إلى ضم دول القرن الأفريقى الحالية، بالإضافة إلى اليمن وروندا وتنزانيا وبورندى والكونغو الديموقراطية. وخططت إسرائيل إلى النفاذ لدول حوض النيل ونجحت بشدة فى تطوير علاقاتها بأثيوبيا تحديدًا، والنفاذ إلى العقل والوجدان الأثيوبى تحت إدعاءات مختلفة ومزورة فى الغالب، ودعونى اعترف بأننى شعرت بالغيظ الشديد وأنا أتابع مشاهد الحفاوة الكبيرة التى صاحبت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو لأثيوبيا فى يوليو من العام الماضى، والاستقبال الحار من البرلمان الأثيوبى له، وقد اصطحب معه أيقونته البيضاء سارة زوجته واثنين من أعضاء الكنيست السود إضافة إلى سفيرته فى أثيوبيا وهى أيضا زنجية، وقدم نتنياهو، الثلاثة زنوج كمثال على احتضان إسرائيل لليهود القادمين من أفريقيا. ومع السكتات القصيرة للهتاف وعاصفة التصفيق التى لم تكن تنقطع لتعود، تحدث نتنياهو بصوته الأجش وإنفعاله المصطنع فقال للنخبة السياسية الأثيوبية، بكامل هيئتها الرسمية «جئت لكم بتحياتى من أورشليم القدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودى المكان الذى ترعرعت فيه وقابلت فيه ملكة سبأ الملك سليمان قبل 3 آلاف عام».. فدوت القاعة الأثيوبية بالتصفيق. لقد أعاد نتيناهو إنتاج أسطورة أثيوبية تشير إلى أنه كانت هناك مملكة يطلق عليها «أكسوم»، وكان مقرها على سفح جبل عدوة شرق إقليم تجراى (إثيوبيا حاليًا) تأسست 325 ق.م على يد سلالة من الملوك ناتجة عن زواج الملك سليمان من الملكة سبأ.. والمعنى أن الأثيوبيين يرتبطون بصلة نسب لليهود «شوف إزاى؟!».. و«شوف أزاى أولاد الأيه» يوظفون حتى الحكايات الأسطورية لاختراق عقول ووجدان البشر؟!.. وإذا كان هدفنا من الكلام مياه النيل فمازال هناك ما يحتاج إلى توضيح فى حلقة تالية إن شاء الله.
أضف تعليق