خطط إسرائيل للهروب من جحيم «لاهاى»!
خطط إسرائيل للهروب من جحيم «لاهاى»!
دار المعارف
فى عام 2017 سارعت إسرائيل بإدانة الجندى الإسرائيلى إليو عازاريا، الذى قام بقتل شاب فلسطينى مصاب، ووصفت الجريمة حينها على أنها قتل غير متعمد، وظنت أنها قادرة على تفادى إجراء التحقيقات التى كانت تنوى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى إجراءها، وخاصة بعد انضمام فلسطين رسميًا كعضو كامل العضوية بالمحكمة فى أول أبريل عام 2015، وبالتالى أصبحت الأراضى الفلسطينية أيضًا جزءًا من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
توهمت إسرائيل آنذاك أنها انتصرت وأفلتت بجريمتها، لكن محكمة «لاهاى» عاودت الكرة عام 2018، ثم توقفت لفترة، وحركها مرة أخرى الراحل صائب عريقات، لتصل الآن إلى تطورها المنشود بإصدار رئيسة الإدعاء بالمحكمة، باتو بنسودا، قرارا يفتح النار على دولة الاحتلال، بضرورة البدء فى التحقيق ضد جرائم الحرب التى ارتكبها جيش الاحتلال فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
ويتضمن قرار بنسودا، الجرائم التى يسعى المدعى العام للتحقيق فيها وتتعلق بالسلوك الإسرائيلى وكذلك سلوك حماس فى عملية إيتان عام 2014، والمواجهة الإسرائيلية لأعمال المقاومة الفلسطينية على السياج الحدودى مع غزة فى عام 2018، والبناء الإسرائيلى فى يهودا والسامرة، حيث هناك فقرة تنص على أن نقل السكان إلى الأراضى المحتلة يعتبر جريمة حرب.
بطبيعة الحال، أثار القرار غضب إسرائيل، وأوضح مجلس الوزراء السياسى والأمنى، الذى عقد جلسة استماع قصيرة فور صدور القرار، أنهم يرفضون تماما ما وصفوه بـ: «القرار الفاضح للمحكمة الذى قد يسمح بالتحقيق مع إسرائيل فى جرائم زعموا أنها حرب كاذبة». كما ورد أن «مجلس الوزراء يقول إن المحكمة ليس لها سلطة اتخاذ مثل هذا القرار، وإسرائيل ليست عضوا فى المحكمة الدولية، كما أن السلطة الفلسطينية ليس لها وضع دولة».
ووعد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، جنوده بالدفاع عنهم للنهاية واصفا قرار لاهاى بأنه قرار «غير قانونى ومعادى للسامية»، زاعما أن المحكمة الجنائية الدولية تقدم اتهامات وهمية ضد الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط - المسماة إسرائيل - وترفض التحقيق فى جرائم الحرب الحقيقية التى ترتكبها ديكتاتوريات قاسية مثل إيران وسوريا كل يوم تقريبًا.
وهاجمت وزيرة العدل السابقة أييليت شاكيد، من اليمين، القرار الدولى قائلة: «المحكمة تتصرف بدون سلطة، وعار أنهم يتعاملون مع ديمقراطيات متقدمة، إسرائيل لديها الوسائل للتعامل معها».
وبالرغم من ذلك، وكما جاء فى موقع «سروجيم» الإسرائيلى تحت عنوان «الشر سيفتح من لاهاى»، فإن قرار المحكمة قد يسبب الكثير من المتاعب لإسرائيل.
وترى الحكومة الإسرائيلية بالفعل أنه إذا لم يتم التعامل مع قرار محاكمتها دولياً بشكل صحيح وفى الوقت المناسب، فقد يتسبب ذلك فى قدر كبير من المتاعب لإسرائيل.
وأوضح الموقع أن الأمر الذى حدث عام 2017 بين إسرائيل ولاهاى لن يجدى هذه المرة، وحتى إن أثبتت إسرائيل أنها حققت فى «الجرائم» المنسوبة إليها هذه المرة، فستجد صعوبة فى مواجهة التحدى الرئيسى أمامها: كيف يمكنها إيجاد مبررات لسياسة الاستيطان.
وذكر موقع «كأن» الإسرائيلى، أن تحقيق المحكمة الدولية يعنى أوامر توقيف محتملة ضد ضباط كبار فى الجيش الإسرائيلى، وضد شخصيات سياسية رفيعة المستوى فى إسرائيل، وكذلك سياسيين، فى أكثر من 120 دولة عضو فى المحكمة.
وتصف إسرائيل قرار المحكمة فى هذه الحالة، بأنه سيكون بمثابة زلزال على المستوى السياسى، لأن مثل هذا التحقيق من شأنه أن يضع إسرائيل، من حيث محكمة لاهاى، على قدم المساواة مع الدول الأخرى التى تشجب إسرائيل وجودها معهم فى نفس القائمة.
كما سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستتعاون مع التحقيق أم لا، وما إذا كانت ستفرض عقوبات على ممثلى المحكمة- مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد إعلان المحكمة عزمها فتح تحقيق ضد جنود أمريكيين بسبب جرائم الحرب المتهمين بارتكابها فى أفغانستان.
وعلى ضوء هذا، كشف موقع «واللا» الإسرائيلى، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تبذل الآن كل ما فى وسعها للتصدى لقرار لاهاى على المستوى الدولى وبمساعدة حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وألمانيا، وأستراليا، وفرنسا والبرازيل، وأرسلت ببرقيات سرية إلى عشرات السفارات الإسرائيلية حول العالم، تتضمن تعليمات لاتخاذ إجراءات بشأن حكم لاهاى، وتضمنت توجيهًا لاستدعاء رؤساء السفارات لإطلاعهم على محتويات الإرشادات والعمل فورًا على إقناع «الرتب العليا»، بالضغط على المدعى العام فى المحكمة الجنائية الدولية لعدم إعطاء الأولوية للقضية المتعلقة بإسرائيل، كما سيقوم السفراء بنقل رسالة مفادها أن فتح تحقيق «سيخلق أزمة مستمرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية».
وفى وقت سابق، تم تقديم سبعة آراء للمحكمة- من ألمانيا وجمهورية التشيك والمجر والنمسا وأستراليا والبرازيل وأوغندا- تحرم المحكمة من سلطة الأمر بفتح تحقيق ضد إسرائيل. وقدمت وثيقة أخرى بالنيابة عن كندا. وأوضحت إسرائيل أن هناك دولًا أخرى تشاركها هذا الموقف لكنها لم تقدم آراءها الخاصة.
كما انضم إلى حملة الشجب والرفض الإسرائيلية، وزارة الخارجية الأسترالية، معلنة أن أستراليا لا تعترف بـ «دولة فلسطين»، ولا يمكن حل المسائل المتعلقة بالأراضى والحدود إلا من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
كما أن إسرائيل تجرى الآن اتصالات من وراء الكواليس بشأن تصميم المحكمة على اعتبار السلطة الفلسطينية دولة، حيث تجرى محادثات، وسط مناقشة أمور أخرى، من قبل السفير الإسرائيلى فى واشنطن والأمم المتحدة، جلعاد أردان، الذى وصف المحكمة الجنائية الدولية بالفاسدة أخلاقياً وسياسياً، وعضو معاد للسامية.
إلى جانب ذلك، وكما جاء فى موقع «ريشون لتسيون» الإسرائيلى، تعتمد إسرائيل، بحسب مسئولين كبار، على أن القرار «ملىء بالثغرات»، وحتى إذا تم تنفيذه فإن الطريق إلى إصدار أوامر القبض وتقديم لوائح الاتهام طويل، وقد يستمر إلى الأبد أو ينتهى بلا شىء، فهناك عدد غير قليل من المسائل التقنية، والأمور الأساسية تتطلب أيضًا وقتًا.