أميرة خواسك تكتب: البدري فرغلى العامل النبيل
الجنازة المهيبة التى شهدتها مدينة بورسعيد فى وداع ابنها البار البدرى فرغلى تجعلنا نتأمل كثيرا هذا المشهد المهول، والذى هو أكبر من أى كلمات.
فمن المعروف أن شعب بورسعيد له طبيعة خاصة صنعها نضاله وكفاحه منذ أكثر من نصف قرن للتصدى لأى عدوان من حدود مصر الشرقية، وهو أيضا شعب متماسك يعتز بهويته المصرية البورسعيدية، وحين تخرج هذه المدينة عن بكرة أبيها بتلك الصورة، فلا تفسير لذلك سوى الحب والاحترام الكبير الذى يحمله أهالى بورسعيد لفقيدهم وفقيد مصر البدرى فرغلي.
لقد استطاع البدرى فرغلى البرلمانى الشهير والمناضل اليسارى أن يحتفظ لأكثر من ربع قرن باحترام ومحبة المصريين، حتى من كانوا يختلفون معه فى الرأى! واستطاع أن يحفر اسمه بين شرفاء هذا الوطن، على الرغم من أن غيره كان يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة من وراء الشعبية الجارفة التى استطاع أن يحظى بها على مدى عقود بين أبناء بورسعيد المدينة الباسلة التى اختاره أبناؤها لأكثر من دورة برلمانية ممثلا لهم ونائبا عنهم - كان يمكن أن يثرى ويحصل على المناصب حتى وإن لم يكن يملك من الشهادات الدراسية ما يؤهله لها، وكان يمكن أن يحصل على الأموال التى توفر له ولأسرته حياة أكثر راحة ورفاهية من تلك التى عاشها، لكنه ظل يعيش فى شقته الصغيرة ويحيا حياة البسطاء الذين ينتمى إليهم، ولم يبتعد عنهم يوما أو يتعالى عليهم أو يخرج عن ردائهم!
كان للرجل مواقف واضحة وصريحة ضد الفساد، ومنذ دخوله مجلس الشعب المصرى وحصوله على مقعد العمال عن بورسعيد فى عام ١٩٩٠، وقد أصبح منذ ذلك اليوم أحد أعمدة المعارضة فى مجلس الشعب المصرى على مدى أربع دورات، وحين أُعلنت نتائج انتخابات٢٠١٠، وما شهدته من نتائج هزلية كان أهمها استبعاد كل الأسماء المعارضة - وهو أمر لو تعلمون خطير - وخلو قوائم النواب من عدد رموز المعارضة المصرية وعلى رأسهم البدرى فرغلى كان ذلك مؤشرا واضحا أن مصر مقبلة على صدمة كبرى لا يعلم نتائجها سوى الله، وهو ما حدث فيما بعد فى ٢٥ يناير.
لم ينهزم الرجل ولم ينكسر، وظل فى الصفوف لكنه مضى فى سبيل آخر للدفاع عن أموال وحقوق أصحاب المعاشات على مدى عشرة أعوام، حتى كان قرار الرئيس فى مارس الماضى بضم العلاوات الخمس للمعاش والذى وصفه فرغلى بالقرار التاريخي، وأنه انتصار لتسعة ملايين أسرة مصرية.
لقد ظل البدرى فرغلى محافظا على وطنيته ومواقفه وقيمه ولم يتغير حين أصبح عضوا فى البرلمان لعقدين من الزمن، ولم يتغير عن مبادئ الاشتراكية حين تغير الحزب الذى ينتمى إليه وهو حزب التجمع،
ولم يبتعد أبدًا منذ صباه وحتى وفاته عن طبقة العمال التى انتمى إليها وعبر عنها، فاستحق كل هذا الحب الجارف الذى جعل الآلاف تودعه إلى مثواه الأخير وهى تودع معه نموذج للنائب العمالى الذى لا وجود له الآن
إلا ما ندر.. رحم الله البدرى فرغلى ورحم كل من حافظ على مبادئه وقيمه فى زمن ضاعت فيه القيم والمبادئ.