خاص| أسامة الأزهرى: «تنظيم النسل» من صميم الشريعة

خاص| أسامة الأزهرى: «تنظيم النسل» من صميم الشريعةخاص| أسامة الأزهرى: «تنظيم النسل» من صميم الشريعة

غير مصنف2-3-2021 | 22:37

دار المعارف

أكد الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، على خطورة طرح قضية الزيادة السكانية، وأهمية طرحها على مائدة البحث والنقاش، وضعها تحت مجهر الفحص والدراسة والتأمل لمعرفة الأبعاد والآثار المترتبة على هذه القضية.

جاء ذلك خلال الندوة، التى استضافتها مجلة "أكتوبر" وبوابة "دار المعارف الإخبارية"، بعنوان "الوعى يحمى المجتمع"، ضمن سلسلة ندوات لمواجهة النمو السكانى المرتفع جدا. والتى حضرها الأب أرميا مكرم، كاهن كنيسة مار جرجس الساحل وعضو الأمانة العامة لبيت العائلة المصرية، والدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، والمطران منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بمصر وشمال إفريقيا والقرن الإفريقى. واللواء دكتور نصر سالم، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، والدكتور عمرو حسن، مقرر المجلس القومى للسكان السابق، ومحسن عليوة، أمين عام عمال حزب حماة الوطن.

وقال الأزهرى فى تصريحات خاصة لـ مجلة أكتوبر وبوابة دار المعارف الإخبارية، إن القضية تتلخص فى عدة نقاط: النقطة الأولى، وهى أنه فى العقود الماضية انتشر فهم مختل ومنحرف للأحاديث النبوية والآيات القرآنية، أدى بالتدريج إلى صناعة ثقافة شعبية شائعة بين الناس، وكان هذا الفهم ناشئًا عن أمواج التيارات السلفية والإخوانية والتيارات المتطرفة على مدى عدة عقود ماضية.

وأضاف الدكتور أسامة الأزهري قائلاً: هذا الفهم المجتزئ والمختزل والمنافى لمقاصد الشريعة والذى ليس له أساس منهجى يُبنى عليه فى فهم أوامر الشرع الشريف، تمثل وتلخص فى الدعوة العامة لعموم الناس الاتجاه إلى التكاثر، وكأن التكاثر هدف مقصود لذاته، وبدأ البعض يستشهدون بالحديث النبوى الشريف: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة»، وهذا التوجه السلفى الإخوانى المغلوط والذى هو نموذج متكرر لإساءة فهمهم لنصوص الشرع الشريف وإساءة تأويلهم لها بما يولد عندهم مجموعة من القناعات تنافى المقصد الكلى للشريعة وتكر عليه بالبطلان وتدمره وتؤدى إلى ضرر بالغ بالواقع لعدم استيعابه له وعدم فهمهم لآليات التعامل مع شرع الله.

قناعات شائعة

صورة جماعية لحضور ندوة الوعى يحمى التنمية وأشار الأزهري إلى أن هذا الفهم المغلوط أدى إلى وجود قناعة شائعة بين قطاعات شعبية كثيرة، كأن من أعظم شعائر الدين أن يتوجه الناس للكثرة العددية بكامل طاقتهم، بغض النظر عما ينبغى أن يتوفر لهذه الكثرة العددية مما جاء به الشرع الشريف أيضًا، من عوامل الإعداد والتهيئة وضمان ظروف التربية السليمة وضمان توفير المتطلبات الأساسية للحياة ومحاربة الفقر والحفاظ على التنمية والحفاظ على الأوطان وبناء كرامة الإنسان إلى غير ذلك من المعانى والغايات الشرعية المعتبرة التى أهملت وأهدرت فى نظرهم، وانتزعوا من بين أوامر الشريعة كلمات «تناكحوا.. تناسلوا.. تكاثروا» وضخموا هذه الكلمات بمفردها معزولة عن بقية أوامر الشريعة معها، فصار من المفهوم عند عموم الناس أن يتجه إلى الكثرة، فيأتى الشخص وينجب 10 أو 12 طفلاً ولا يفكر مطلقًا فى توفير الحياة الكريمة لهم، مع أن الحياة الكريمة والحفاظ على نفسية الطفل وتوفير كل متطلباته المعيشية أيضًا من أوامر الشريعة، لكن أهدرت، عندما اختزلوا كلمات «تناكحوا.. تناسلوا.. تكاثروا» وكأن الشرع يقصد إلى الكثرة مطلقًا، وهذا الفهم وهذه الثقافة فى غاية الخطورة وفى غاية الضرر، وأنها مبنية على فهم مغلوط ومنهجية مختلة ومنافية للواقع وعدم إدراك له.

منهجية مختلفة

الدكتور أسامة الزهرى وتابع مستشار رئيس الجمهورية قائلاً: إذا أردنا أن نرجع خطوة إلى الوراء وأن ننظر إلى هذه القضية بمنظار الشريعة أولًا، ثم ننتقل إلى ما يمس الواقع والوطن، فنجد أن هناك منهجية مختلة حيث إن علماء الإسلام وأئمة الاجتهاد، الأمناء على الشرع الشريف والمتبحرين فى أدوات فهمه واستخراج مقاصده، كانت عندهم آليات للفهم، كان إذا ورد أمر من الأوامر فى القرآن الكريم والسنة المشرفة لا ينتزع وحده ويصير كالسمكة إذا خرجت من الماء، بل ينظر المجتهد والإمام من الأئمة فى النص من النصوص، ثم يجرى مسحًا شاملًا لكل ما يتعلق به من بقية نصوص الشريعة، فيبدأ الخطوة فى الاجتهاد بأن يأخذ الكلمة من كلمات الشريعة ثم يجرى مسحًا شاملًا لكل ما يتعلق بها أو يتداخل معها من بقية آيات القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية المشرفة.

وواصل «الأزهري»: إذا جمع المجتهد كل الآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع صراحة أو ضمنًا وتأويلًا ينتقل بعد ذلك إلى عمل ذهني مركب ودقيق فى كيفية تركيب هذه النصوص مع بعضها البعض، لكى يتبين العام من الخاص والمطلق من المقيد والمأول والمحكم من المتشابه والقطع من الظن وهي إجراءات دقيقة للفهم والاستنباط، ثم إذا جمع النصوص وأحسن تركيبها ينتقل بعد ذلك إلى فهم دلالات ألفاظها ثم ينتقل إلى استخراج مقصودها الشرعى ثم ينتقل إلى تأمل هذا الفهم الذى خرج به ومدى اتساقه مع بقية أوامر الشريعة ثم ينتقل إلى كيفية تنزيله على الواقع، إذًا هناك منظومة ومنهجية هُجرت تمامًا وأهملت تمامًا عندما طرحت أمثال هذه القضايا.

غثاء السيل واستدل «الأزهري» فى معرض حديثه خلال الندوة، بمثال تطبيقي على «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة»، موضحا أن هذا الحديث الشريف الذى ورد كأنه يقول بأن التناسل والتكاثر مقصود لذاته، لكن عند تصفح الشريعة نجد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، جاء فى موضع آخر وذم الكثرة، فقال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟، قال: بل أنتم يومئذٍ كثير»، ثم وقف عند هذه الكثرة التى يظن أنها تمدح فى الحديث الأول من الحديث، لكنه قال، صلى الله عليه وسلم: «ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، إذًا هناك صور للكثرة تذم فيها هذه الكثرة إذا حولت أصحابها أن يكونوا غثاءً كغثاء السيل، بأن تكون هذه الكثرة موصوفة بالفقر وموصوفة بالأمراض والجهل والتخلف لعدم القدرة على التنمية وعدم القدرة على صناعة المؤسسات والحضارة، فإذا وجدت الكثرة التى لا تستطيع القيام بهذه الوظائف، فإنها كثرة مذمومة.

وأضاف قائلا: إذا أخذنا هذه القيود لقضية الكثرة وضممناها إلى الحديث الأول، «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة»، فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول تكاثروا كثرة مشروطة ومقيدة بقيود وبحذر شديد من أن تتحول فى يوم من الأيام إلى كثرة كغثاء السيل، ثم وجدنا فى موضع آخر من الحديث النبوى، كلاما عن الذرية والأولاد الذين يتركهم الإنسان، مع تحذير نبوي شديد من أن يتركوهم عالة يتكففون الناس فقال الرسول الكريم: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

التناسل بشروط وأوضح الدكتور أسامة الأزهري، أنه إذا جمعنا هذه المواضع من كلام النبوة ومن الهدى الشريف وركبنا بعضها مع بعض، خرجنا بأن الكثرة المطلوبة فى الحديث مقيدة بقيود ومشروطة بشروط كأن الرسول يقول: تناكحوا تناسلوا تكاثروا ما دمتم قادرين على أن تتركوهم بعدكم أغنياء فإن تركتموهم بعدكم فقراء فهذه جناية عليهم وتحولهم إلى أن يكونوا غثاء كغثاء السيل والكثرة التى هى كغثاء السيل ليست هى التى يتباهى بها الرسول عليه الصلاة والسلام.

وبجوار هذا الفهم الذى نشرحه الآن - والكلام للأزهري- يأتى أحد مرتكزات الشريعة الكبرى، وهو توجه الشرع بكامل طاقته إلى محاربة الفقر، فالفقر من أشد الأمور بغضًا فى نظر الشريعة ويكفى أنه عليه الصلاة والسلام كان فى دعائه الشريف يواظب على أن يقول: «اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر، فيأتى الصحابى الكريم ويقول يا رسول الله: هل يستويان، نراك تقارن بين هذين الأمرين، هل ينزل الفقر منزلة البشاعة التي ينزلها الكفر، هل يستويان؟! ففى صحيح بن خزيمة بأنه عندما سئل رسول الله ذلك فقال: نعم».

إذًا نظرتنا للفقر على أنه عدو.. نحارب الفقر.. نحارب الجهل.. نحارب المرض.. نحارب التخلف.. نحارب كل صور لحياة الإنسان بمستوى لا يليق به.

وأضاف الأزهري: نخرج من كل هذا، أن الثقافة الشائعة بين عموم الناس، من الإفراط فى التكاثر دون أدنى قيد، ثقافة خاطئة، وبناء عليه فينبغى التوجه بكامل طاقتنا إلى العمل على تنظيم النسل ونستمر على هذا عدة سنوات حتى ترجع المعدلات السكانية متوازية ومتلائمة ومتكافئة مع قدراتنا المالية والاقتصادية، على الأقل حتى تصل إلى نقطة التساوى.

بل نستطيع أن نخرج بعد هذا إلى أن الشرع الشريف يوجه الخطاب بصور متعددة بما يناسب المجتمع، فهناك دول مالياتها واقتصادياتها أكبر بكثير من عدد السكان، فهذه يمكن أن ينادى فيها بكثرة السكان، كدولة ليبيا مثلًا، فليبيا عندما يزول عنها الكرب الواقع عليها الآن وتستقر وتبنى مؤسسات الدولة، ستكون إمكانيات الدولة الاقتصادية أكبر بكثير من عدد السكان وهى دولة تحتاج إلى إعادة إعمار وتحتاج إلى بناء دولة من جديد، حين إذ يمكن للدولة التى تزيد اقتصاداتها عن السكان أن يقال فيهم «تناكحوا تناسلوا تكاثروا»، فإذا كان عدد السكان أكبر بكثير من اقتصاد الدولة، فنقلل من عدد السكان، إلى أن ينمو الاقتصاد ويستطيع تغطية احتياجات الناس، ودولة مثل كندا، المستوى المعيشى فيها مرتفع لكن العدد السكانى فيه «فقر»، حتى أنها تفتح باب «منح الجنسية».

أشد الأوقات وخلص «الأزهري» فى نهاية حديثه إلى أننا فى أشد أوقات هذا الوطن حساسية، لأننا نخوض معركة شاقة ومرهقة فى سبيل التنمية، نحن نعيد بناء اقتصاد الوطن من جديد، نحن نعيد البنية الأساسية من جديد، ونعيد إنشاء المجتمعات العمرانية، وننشئ العاصمة الإدارية الجديدة ونبنى الوطن من البداية.

فى هذا الوقت الذى نبذل فيه جهودًا خارقة لإعادة تأسيس الدولة من البداية وإعادة بنية الاقتصاد يكون من أشد عوامل الخطر فى المقابل أن كل ما نؤسسه ونؤسس له من التنمية أن يُجرف فى وجه الزيادة السكانية العشوائية، ولذلك نحيى هذه الندوة والقائمين عليها، وألفت النظر إلى مدى أهميتها وأتمنى لهذه الندوة أن تتسع دوائر تأثيرها وأن تبدأ بقية المؤسسات الإعلامية الاقتداء بمجلة أكتوبر ومؤسسة دار المعارف، بحيث تكون هناك حملة إعلامية متكاملة تتضافر فيها كل وسائل الإعلام والمنابر الإعلامية والصحفية والإذاعية على أن نعيد بناء الوعى عند كل إنسان على أرض مصر، لأنه عند فهم أوامر الشريعة بشكل صحيح، لا يمكن أن يفهم خطاب التكليف بمعزل عن خطاب الوضع، وهذه مصطلحات أكاديمية مغرقة فى التخصصية لكن عندما دمرت هذه البنية العلمية فى العقول نشأ مثل هذا الفهم المنحرف فى خطاب التكليف وفهم منحرف لحديث «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة».

كما أنه ينبغى أن يعاد ربطه بخطاب الوضع والواقع، وهو الأسباب والشروط والضوابط والعلل والموانع وصور الصحة وصور الفساد، هناك بنية علمية مختلفة أدت إلى تصدير صورة مغلوطة تحولت إلى ثقافة شائعة وضعت أمامنا أزمة الانفجار السكانى، الذى يجرف كل الجهود من بناء الدولة.

إعادة صناعة الوعي وألفت النظر إلى أن الكثرة ليست مقصودة لذاتها، بل الكثرة تكون محمودة ما دامت مقيدة بقيود الكفاية والغنى والمقدرة على بناء الإنسان، لتوفير كل المتطلبات والخروج بأوطاننا من حالة التخلف عن العالم حتى لا نتحول إلى عالة على دول العالم وحضارات العالم من حولنا فى صناعة الغذاء والدواء وصناعة التعليم وبناء المؤسسات.

إذًا للتخلص من خطر النمو السكانى العشوائى، فلابد من العمل على «تنظيم النسل»، وهو أمر من صميم الشريعة الآن فى هذا الوقت وينبغى توضيحه للناس، حتى لا يظنون أن الدعوة إلى تنظيم النسل هي دعوة إلى محاربة الشريعة. أتمنى لهذه الندوة أن تحظى بكامل التوفيق وأن تؤتى ثمارها المرجوة، وأن نداوم ونستمر على مدى زمن طويل قادم فى تسليط الضوء على هذه القضية، حتى نعيد تأسيس وصناعة الوعى الصحيح بالمعانى التى تكلمنا فيها.

خاص| أسامة الأزهري: تنظيم النسل من المقاصد الكبرى للشريعة

أسامة الأزهرى يجيب على السؤال.. لماذا لا نرى الله؟

https://www.youtube.com/watch?v=SAVXlCZ8knI&feature=youtu.be

    أضف تعليق

    حكايات لم تنشر من سيناء (2)

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2