دار المعارف
أكد المطران منير حنا أنيس، مطران الكنيسة الأسقفية ب مصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقى، أنه يملك رؤية حول مشكلة الزيادة السكانية، وكيفية مواجهتها قائلا: الزيادة السكانية ليست مشكلة الدولة، حيث يفكر البعض أنها مشكلة الدولة فقط، ولكنها مشكلة كبرى يتحملها معها الأفراد والمجتمع، فلا يجب أن تتحملها الدولة لوحدها.
جاء ذلك خلال الندوة، التى استضافتها مجلة “أكتوبر” وبوابة “دار المعارف الإخبارية”، بعنوان “الوعى يحمى المجتمع”، ضمن سلسلة ندوات لمواجهة النمو السكانى المرتفع جدا. والتى حضرها الدكتور أسامة الزهرى مستشار الرئيس للشئون الدينية، والدكتور خالد عمران امين عام الفتوى بدار الإفتاء، والأب أرميا مكرم، كاهن كنيسة مار جرجس الساحل وعضو الأمانة العامة لبيت العائلة المصرية، واللواء دكتور نصر سالم، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، والدكتور عمرو حسن، مقرر المجلس القومى للسكان السابق، ومحسن عليوة، أمين عام عمال حزب حماة الوطن.
وقال المطران منير حنا فى تصريح خاص، إن عدد السكان عندما يزداد بالتالى فالاستهلاك يزداد ولن نشعر بأى تطور أو تنمية فى المجالات الاقتصادية والتعليمية ويحدث استنزاف لكل موارد الدولة بسبب النمو السكانى، وجميع مؤسسات الوطن وفئات المجتمع مسئولون عن حل مشكلة الزيادة السكانية، وهذا سبب تحياتى لمجلة أكتوبر ودار المعارف لأنها أخذت زمام المبادرة وترفع مستوى الوعى لدى الشعب بأكمله عن هذه المشكلة.
أخطاء التفسير
ويواصل قائلا: نحن نواجه مشكلة فى تفسير الآيات الواردة بالكتاب المقدس وتتمثل فى الآية التى تتواجد فى سفر التكوين وهي: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَّاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»..
والخطأ الآخر، فى التفسير هو «أَثْمِرُوا وَأكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ» أنه لا حدود لهذا الإعمار، ولا حدود لهذا الملء، ومن هذه الآية ظهر بعض آباء الكنيسة الذين يقولون إن اجتماع الزوج بالزوجة (الاجتماع الجنسى) يجب أن يكون للإكثار وإنتاج النسل والأولاد، فى كل مرة يجتمعان فيها.
ووفقا لهذا المعتقد، فهم يزعمون أن الزواج سبب وسر لتواجد النسل، وهذا غير صحيح لأن فى سفر التكوين الآية تقول: «لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» فهنا يظهر هدف آخر غير مجرد النسل، وهو التعبير عن المحبة، فيكون الزوجان جسدا واحدا فى رابطة ما بينهما وبين بعضهما، وليس الغرض الأساسى فى النسل، لكن الغرض هو المحبة والحب والترابط الذى يتواجد فى الأسرة.
رفاهية المجتمع
وحسب الكتاب المقدس، فالإنسان يعمل لرفاهية ونمو المجتمع الذى يعيش فيه، وأنا كإنسان مسيحى يجب أن أعمل من أجل رفاهية المجتمع الذى أتواجد به، ولو لم أقم بهذا الدور أكون مقصرا أمام الله.
وهذا يعود على أنا كزوج وزوجة كمسئولين ليس فقط عن المتعة، ولا عن التكاثر، ولكن تكون المسئولية عن الأولاد والمستوى التعليمى والاقتصادى لهم، بل إن كل زوج وزوجة مسئولون عن رفاهية المجتمع، ككل وليس رفاهية الأسرة فقط، ولهذا يجب أن ننتبه إلى أنه كلما ازداد النسل يتحول إلى مجتمع أكثر فقرا وأقل تنمية ورفاهية ويهبط فيه مستوى التعليم.
ويجب علينا أن نشارك مع الدولة فى حل هذه المشكلة، بتحمل مسئوليتنا كأسر فى تحديد النسل، وأن نقوم بتصحيح المفهوم الخاطئ لدى العامة من الشعب، أن تحديد النسل وقوف أمام إرادة الله، بزعم أن ربنا خلق الإنسان من أجل التناسل والتكاثر وإعمار الأرض وإذا استخدم الزوجان أى وسيلة لتنظيم النسل، يكون فاعلها قد وقف أمام إرادة الله.
عصر الإصلاح
وهذا المفهوم نشأ فى القرن الرابع مع واحد من عظماء القديسين فى الكنيسة، وهو القديس (أوسينوس) الذي قال: الاجتماع بين الرجل وزوجته هو للتكاثر، وفى القرن الثانى عشر القديس توماس أبونيس من الكنيسة الكاثوليكية وافق على هذا، ثم فى عصر الإصلاح اختلف آباء الكنيسة فى كثير من الأمور مع النهج السابق لهم، ولكنهم اتفقوا فى هذه النقطة على أن الجماع المصلحة منه هو التكاثر وإيقاف هذا التكاثر بأى شكل من الأشكال، هو ضد إرادة الله أو معارضة لإرادة الله.
لكن أنا أقول إنه لا يوجد فى الكتاب المقدس أي نص ضد تنظيم الأسرة، بل العكس يقال إن «إحنا لازم أن نهتم بأولادنا وبحسن تربيتهم وتعليمهم».
وأنا أعرف أن بعض الطوائف تعتقد أن استخدام بعض الوسائل مثل اللوالب وحبوب منع الحمل، هو نوع من أنواع الإجهاض، ونحن ضد الإجهاض - مسلمين ومسيحيين - إلا إذا كانت صحة المرأة فى خطر، ولكن منع أن يلتقى الحيوان المنوى مع البويضة باستخدام العازل أو باستخدام الوسائل الكميائية مثل وسائل منع الحمل لا يكون إجهاضًا، لعدم تكوين الجنين بعد، ولا يوجد فى الكتاب المقدس ما ينهى عن هذا تماما.
وأؤكد أنني كمسيحي مسئول أمام الله عن المجتمع الذى أعيش فيه من أجل رفاهية المجتمع ولو وضعت هذا الأمر موضع التفكير فأنا أفكر بجدية وبمسئولية فى تحديد النسل وتنظيمه حتى لا أساهم فى هذه المشكلة شديدة الخطورة وما قد ينتج عنها من انهيار اقتصاد وتعليم البلد.
دعوة البابا شنودة
وعن كيفية الحفاظ على الوطن من خلال المفردات الاجتماعية التى نواجهها، وكلمة البابا شنودة فى تنظيم وتحديد النسل: «إن زيادة النسل أصبحت ضارة بالبلد، فتحديد النسل (بصورة عامة على المستوى القومى) أصبح ضرورة اجتماعية واقتصادية، لها تأثيرها الكبير على مستقبل بلادنا. لذلك علينا أن نتصدى لمشكلة الانفجار السكانى الذى ينسف كل مشروعاتنا واقتصادنا القومى»، قال الأب أرميا مكرم، كاهن كنيسة مار جرجس، وعضو بيت العائلة المصري: يمكننا توضيح ذلك بشكل أفضل من خلال استعراض فهم الآباء منذ بدء الخليقة لفكرة تحديد النسل.
واستشهد «مكرم» بسفر التكوين، وكيف أن الله قال لآدم «أثمروا وأكثروا»، لكن كيف فهم آدم هذه الكلمة، آدم لم ينجب غير اثنين فقط، قايين (قابيل) وهابيل، وبعد ما قتل قابيل هابيل أنجب شيث، ولم يفهم مقصود هذه الآية (أثمروا وأكثروا) بأنه يجب عليه أن ينجب كثيرا وإبراهيم أنجب إسماعيل وإسحاق، فنجد أن الآباء زمان لم يفهموا كلمة (أثمروا وأكثروا) على أنها تناسل غير محدود.
سر يعقوب
ونجد فى بعض الفترات الزمنية مثل أبونا يعقوب أنجب 12 ولدا من زوجات مختلفة، لأنه كانت هناك أرض تحتاج لهذا العدد وربنا وعدهم بالأرض، فكان مفهوم النسل عندهم بالكثرة العددية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا هو المفهوم السائد، ولكن بعد ذلك توالت الحقب الزمنية، وبدأت تظهر القضايا مثل تحريم وسائل النسل بزعم أن ذلك سيجعل «ربنا يغضب علينا» وعندما نرجع للكتاب المقدس نجد فهما واعيا ومنه أن ثمرة البطن عطية منهم وأن الأولاد مباركون، ولا توجد آيات فى تحريم تنظيم الأسرة، أو تلزمنا بزيادة النسل، والأمر متروك لفهمنا الواعى للكتاب المقدس ولفهم آبائنا لموضوع الإثمار والإكثار وهذا من النظرة المسيحية.
وكان البابا شنودة قد دعا فى ندوة سابقة مع فضيلة المفتى عن تحديد النسل وكان يتكلم عن أن الدين المسيحي فى مسألة تحديد النسل ليس ضد إرادة الله، بل يجب قبل أن يفكر الإنسان فى النسل أن يحددوا كيف يوفرون لهم التربية الجيدة والتعليم المناسب، ومن أين سينفقون عليهم.
قضية أمن قومي
وهناك نقطة أخرى مهمة جدا وغاية فى الخطورة، وهي أن تحديد النسل ليست فكرة ندافع عنها أو أو نحاول أن نجد من الإسلام والمسيحية حلا أو مبررًا لها.. فالموضوع أكبر من ذلك، فأنا أعتبرها قضية أمن قومى مثل قضية مياه النيل.
وكان الرئيس السيسى قد قال من قبل إن قضية سد النهضة أمن قومى لأن نظرته فى المجتمع أن المواطنين فى ازدياد مستمر وحصتنا من المياه قليلة وبالتالى نحن فى خطر، وأيضا فى القمح، فبعد أن كانت حصتنا تكفينا أصبحنا نستورد قمحا من الخارج حتى نستطيع أن نسد احتياجات المواطنين ولا نقع فى مشكلات، ثم ظهرت أيضا مشكلة دعم رغيف العيش، ولما فكرنا أن نرفع الدعم بدأ الشعب يحس بالاضطراب، فكلما زاد العدد تقل الرقعة السكانية فى الأرض وأيضا تقل حصتنا فى المياه، وما ننتجه من القمح والعيش.
https://www.youtube.com/watch?v=YXI7gnaiY_8&feature=youtu.be