ثمة فارق كبير بين أن تطلق حزمة من التصريحات والشعارات دون تنفيذ.. وبين أن تصدر قرارات مشمولة بحزمة من الإجراءات لتنفيذها على أرض الواقع.
فارق كبير بين أن تتحدث عن ضرورة إيجاد حل للأزمة.. وبين أن تقدم حلًا للأزمة وتضع أنت اللبنة الأولى والأساسية في طريق حل الأزمة.
لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا عندما تصبح الدول قوية، وقادرة على تنفيذ قراراتها.
ما حدث الأسبوع الماضي، وما صدر من قرارات خلال زيارة الرئيس
عبد الفتاح السيسي لباريس لحضور مؤتمر دعم المرحلة الانتقالية في السودان ومؤتمر تمويل الاقتصاديات الإفريقية في ظل جائحة كورونا، أكد على قوة الدولة المصرية.
عندما أعلن الرئيس السيسي عن تقديم مصر مبلغ ٥٠٠ مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار فى قطاع غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك فى تنفيذ عملية إعادة الإعمار، تذكرت ما قاله الرئيس فى 24 مارس 2014 خلال إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية، عندما قال: «مهمتنا استعادة الدولة المصرية».
وقال أيضًا: «مصر دولة قوية قادرة، مؤثرة، تُعلِّم العالم، كما حدث من قبل».
فقد استطاعت مصر خلال الأعوام السبعة الماضية أن تسترد مكانتها وقوتها وقدرتها على التأثير فى القرار الدولى.
لم يأت ذلك من فراغ، ولكنه نتاج عمل ورؤية لقائد حدد منذ البداية الطريق والمسار لاستعادة قوة الدولة ومكانها، عندما قال: «صناعة المستقبل، عمل مشترك وعقد بين الحاكم وشعبه».
كانت بداية الطريق بمكاشفة القائد للشعب بحجم المهمة شديدة الصعوبة، وثقة الشعب فى القيادة فتحمل الشعب تكاليف خطة الإصلاح، وهو ما يحرص الرئيس دائمًا على تأكيده فى كافة المحافل الدولية فى بداية كلمته حول ما تحقق من إنجاز للدولة المصرية خلال الأعوام السبعة الماضية.
فيوجه الشكر للشعب المصرى الذى استطاع تحمل المسئولية لإنقاذ الوطن.
(1)
خلال الأسبوع الماضى، ووسط منطقة تضربها أحداث ومتغيرات، كانت زيارة الرئيس السيسي لباريس بدعوة من الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، لحضور مؤتمرى دعم المرحلة الانتقالية للسودان وتمويل الاقتصاديات الإفريقية فى ظل جائحة كورونا، وعلى هامش المؤتمر عقد الرئيس السيسي عدة لقاءات مع عدد من القادة الأفارقة والأوروبيين، إضافة إلى القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية حول الوضع فى غزة.
دعونا نتوقف هنا عند عدة نقاط بدت واضحة خلال تلك الزيارة دللت على قوة الدولة المصرية وقدرتها على صياغة شكل جديد من تعامل العالم مع المنطقة العربية والقارة الإفريقية، وبالأخص قدرة الدولة المصرية على تنفيذ قراراتها.
فهى ليست مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامى، لكنها مبنية على رؤية ومعلومات واستراتيجية للتنفيذ.
أربعة ملفات حملتها القيادة المصرية إلى العالم خلال زيارة الرئيس لباريس وبحضور رئيس الاتحاد الأوروبى ورئيس صندوق النقد ورئيس الاتحاد الإفريقى وعدد من رؤساء الدول الأفريقية والعربية.
كانت صياغة الرؤية المصرية فى تلك الملفات مبنية على ثوابت ومحددات ومرتكزات لا تحيد عنها.
جاء على رأس تلك الملفات ما يلى:
ملف سد النهضة، والذى أكد الرئيس السيسي خلال تصريحات صحفية منذ اليوم الأول لوصوله باريس أن مصر لا يمكن أن تقبل المساس بأمنها المائى أو أن تتنازل عن حقوقها المائية، وإن كانت تقبل مسار التفاوض فهو لأنها تدرك أن الحلول الدبلوماسية أكثر فاعلية وإعلاءً لمصلحة الشعوب، وهو ما يستوجب التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وشامل حول ملء وتشغيل السد.
إن المساس بأمن مصر المائى يجعل الدولة المصرية أمام خيارات عدة للحفاظ على أمنها القومى وحقوقها المائية.
لقد ظن البعض أن ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية، قد يكون إحدى أدوات إعاقة الدبلوماسية المصرية وإشغالها عن قضيتها (سد النهضة) التى استطاعت خلال الأسابيع الماضية أن توضحها لكافة القوى الدولية ولدول القارة الأفريقية خاصة، فى ظل المحاولات الإثيوبية للمماطلة لكسب مزيد من الوقت.
جاءت تصريحات الرئيس فى حضور رئيس إثيوبيا خلال مؤتمر باريس تأكيدًا على تطابق الرؤى بين مصر والسودان فى تلك القضية وأن مصر تحرص بشكل كامل على دعم أمن واستقرار السودان وأيضًا أن ينعم السودان بالتنمية بما يساهم فى عبور السودان للمرحلة الانتقالية.
(2)
خلال أكثر من سبعة عقود ظلت القضية الفلسطينية واحدة من أولويات السياسة الخارجية المصرية، وما قدمته مصر للقضية الفلسطينية خلال تلك السنوات كان تأكيدًا على أهمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وقد أكد الرئيس السيسي فى أكثر من تصريح أن المنطقة لا يمكن لها أن تستقر ما لم يكون هناك حل عادل للقضية الفلسطينية وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وخلال اجتماع باريس جاء إعلان الرئيس السيسي بتقديم مصر 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وهو ما وضع العالم أجمع أمام مسئوليته فى تلك الأزمة، كما كان بمثابة نقطة بداية حقيقية لحل الأزمة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية بعيدًا عن التصريحات الجوفاء.
لم يكن هذا فقط، بل حولت الدولة المصرية مستشفياتها فى شمال سيناء ومدن القناة والقاهرة إلى ثلاثة خطوط لاستقبال الجرحى والمصابين من الأشقاء الفلسطينيين لعلاجهم، كما قامت بفتح معبر رفح الحدودى لنقل المصابين ودخول قوافل الدعم من المواد الطبية والتموينية للقطاع لتخفيف آثار العدوان، إلى جانب مشاركتها فى القمة الثلاثية بباريس بشأن الوضع فى فلسطين.
جاء القرار المصرى من قلب أوروبا التى قامت بعض دولها بمساندة إسرائيل فى عدوانها على الأراضى الفلسطينية، جاء الرد المصرى أكثر قوة وحكمة ليدفع بالمشهد فى المسار الصحيح.
كانت النتيجة وقف إطلاق النار بين الجانبين، لتنجح مصر فى إدارة ملف الأزمة وتكمل مسيرتها بالتأكيد على ثوابتها فى هذا الملف وهو ضرورة أن تجرى المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى وفق قاعدة مهمة ترتكز على إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
(3)
وسط تلك الأحداث حرصت مصر على دعم السودان من أجل النهوض به خلال المرحلة الانتقالية انطلاقًا من اقتناع راسخ لدى الدولة المصرية بأن أمن واستقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة، كما تعكس التزام مصر وإرادتها السياسية الثابتة بألا تدخر جهدًا لدعم استدامة السلام والتنمية والاستقرار فى السودان، والحفاظ على وحدة أراضيه.
يأتى ذلك بالتوازى مع ما تشهده العلاقات الثنائية من قفزات متسارعة لتحقيق التكامل الفعلى بين البلدين فى عدد من المجالات الحيوية.
كما حرصت مصر على المشاركة فى المبادرة الدولية لتسوية مديونية السودان من خلال استخدام حصتها (مصر) لدى صندوق النقد الدولى لمواجهة الديون المشكوك بتحصيلها.
قادت الرؤية المصرية فى هذا الملف التوجه الأوروبى والدولى لإسقاط أكثر من 30 مليار دولار من مديونية السودان مما يمنح الاقتصاد السودانى الفرصة للنهوض.
كما لم تغفل الدولة المصرية الملف الإفريقى، فقد حرصت على تقديم رؤية متكاملة لدعم القارة الإفريقية دعت إليها الشركاء الدوليين فى ظل تأثير جائحة كورونا على دول القارة.
وقد كان لثقة الشركاء الدوليين فى الدولة المصرية تأثيرًا إيجابيًا على هذا الأمر، فى ظل إشادات دولية بما حققته مصر من نجاحات خلال الأعوام السبعة الأخيرة جعلها أحد الاقتصاديات الواعدة فى منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
إن ما سبق يدل على قوة الدولة المصرية وقدرتها على إدارة كافة الملفات باحترافية شديدة وفى توقيت متزامن لأنها استطاعت خلال الفترة الماضية بناء مؤسساتها وتثبيت أركان الدولة.
إن نجاح الدولة المصرية فى عرض رؤيتها وثقة العالم فى تلك الرؤية وقدرتها على الدفع بها نحو التنفيذ يدل على قوة الدولة المصرية.
لقد نجحت مصر فى الدفع بليبيا نحو الاستقرار، وكذلك السودان من خلال تقديمها الدعم الكامل للسودان من أجل تحقيق الاستقرار.
كما نجحت في وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى حل جذري للأزمة التي تضرب المنطقة منذ سبعة عقود.