عُلِمَ السبب فبَطُلَ العجب!

الرأى18-6-2021 | 16:43

هل يمكن أن نتفق على وجود "فجوة" كبيرة بين ما يصدر من قرارات اقتصادية أو تنظيمية، وبين ما يتم على أرض الواقع؟

وقد تأتى "المخالفة" أو عدم التفعيل من المسئولين عن التنفيذ أو المستفيدين من تلك القرارات، لأسباب كثيرة!

أقول ذلك.. لأنه عندما نعترف بوجود المشكلة، فالطبيعى أن نبحث لها عن حل، وقديمًا قال المخضرمين من أهلنا عندما يعرف السبب.. يبطل العجب!

والحكاية أن الجهاز المصرفى المصرى رفع شعار "الشمول المالى"، أى تعميم التعامل فى المجتمع من خلال وحدات الجهاز المصرفى.. سواء عند الحصول على المستحقات أو تسديد الالتزامات المالية.

من جهة أخرى؛ قرر البنك المركزى دعم المشروعات الصغيرة؛ بتخصيص 100 مليار جنيه كقروض بفائدة لا تتجاوز 5%، مع فترة سداد طويلة نسبيا.

ولم تأت النتائج كما اشتهى الجهاز المصرفى وقائده.. البنك المركزى!

طيب ليه؟.. لقد تعددت الأسباب.. فقد أجرى المركز المصرى للدراسات ال اقتصادية استطلاع رأى (استبيان) على عينة من 200 شركة صغيرة تمثل مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، وأيضا المؤسسات المالية، وذلك لمعرفة لأى مدى تستفيد المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الخدمات المالية فى مصر؟

وكانت أهم النتائج التى توصل إليها الباحثون، والتى عرضها شريف سامى (رئيس بنك CIB) والمسئول عن التقييم الفنى للنتائج بصفته استشارى أسواق مالية؛ أن 95% من تلك المنشآت لديها تعاملات مع البنوك، وفى مقدمتها قطاع المقاولات والرصف، وأقلها القطاع الزراعى، وكانت المفاجأة أن 21% من هذه المنشآت تتعامل مع البريد المصرى (إيداع وسحب وتحويل) وخاصة فى محافظات الدلتا، وأن 35% من العينة ليس لديهم علم بأنشطة التأجير التمويلى أو التخصيم أو التأمين، فى حين ارتفعت نسبة معرفة خدمات التمويل العقارى إلى حوالى 70%!

والطريف.. أن حوالى 40% من المنشآت لا تحتاج إلى تمويل من البنوك، فضلا عن كثرة الشروط والأوراق المطلوبة، ثم ما سمى بالحرج الشرعى، والحمد لله أن نسبته كانت 8% فقط!

وعندما سئلت المؤسسات المالية؛ لماذا لم تتعامل مع هذه المشروعات؟.. كانت الإجابة وللأسف الشديد: الحرج الشرعى (بنسبة 20%) يليه ارتفاع مخاطر التعامل والتى لا تتناسب مع العوائد!

ولكى تتحقق الاستفادة من نتائج الاستبيان، عرضها المسئولون فى المركز على نخبة من المتخصصين، منهم د. زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق، ونيفين الطاهرى عضو مجلس الشعب، ود. يمن الحماقى، ويحيى أبو الفتوح نائب رئيس البنك الأهلى.

الخبراء عددوا الأسباب التى لم تحفز المشروعات الصغيرة للتعامل مع المؤسسات المالية ولم تحمس الأخيرة فى التعامل مع الأولى، أولها عدم الوعى الكافى بالخدمات التى تقدمها هذه المؤسسات، وأيضا تركز هذه المؤسسات فى القاهرة الكبرى وعدم انتشارها فى الدلتا والصعيد وشرق وغرب البلاد، وقصور شركات التأمين، وتخوف أصحاب المشروعات من عدم قيام شركات التأمين بالسداد عند استحقاق التعويض!

ذلك فضلا عن مشاكل قانون التأمينات، والتأمين الصحى والضرائب، وعدم الوعى بتفاصيل قانون المشروعات الصغيرة الجديد.

وبالطبع لم تكن كل الندوة شكاوى، فقد وُجد فيها ضوء يكاد يكون مبهرًا، حيث أوضح نائب رئيس البنك الأهلى أن محفظة تمويل المشروعات الصغيرة فى البنك ارتفعت من 3.5 مليار جنيه ونسبة تعثر 60% قبل عشر سنوات، إلى أكثر من 100 مليار وبنسبة تعثر 1 أو 2% فقط حاليا، فضلا عن وجود شركات لضمان مخاطر الائتمان، والتعليمات الصارمة من البنك المركزى بالتوقف عن إجبار الزوجة لضمان زوجها أو كتابة شيكات على المقترض.

ليس ذلك فقط.. بل كشفت المناقشات أن "البريد" أصبح ينافس المؤسسات المالية فى تقديم حزمة ممنوعة من الخدمات المالية.

وكشفت أيضا عن غياب الاهتمام بالحركة التعاونية والتى يمكنها نقل المجتمع الزراعى إلى "حتة تانية"!

وكشف ثالثا؛ أن هناك هيئة لتنمية الصعيد!

وكشف رابعا، وهو ما سوف نختم به لطرافته، أن بنك الائتمان الزراعى لا يتعامل معه المزارعون إلا بنسبة قليلة جدًا، وأن أغلب تعاملهم مع بنكى مصر والأهلى، وخاصة بعد أن تحول البنك الزراعى لتمويل راغبى اقتناء السيارات الجديدة والأجهزة الكهربائية الحديثة!

ختامًا: شكرًا د. عبلة عبد اللطيف مدير المركز المصرى للدراسات ال اقتصادية على دأبك وإصرارك على الاستمرار بالنبش فى مناطق الخلل الاقتصادى فى المجتمع.

أضف تعليق