بخطى ثابتة مدروسة، انطلق مارثون التحول الحقيقى من موازنة الأبواب والبنود إلى موازنة البرامج والأداء، وذلك بإصدار وزارة المالية أول مجلد لموازنة البرامج والأداء للعام المالى المقبل، بما يعنى بدء التحول الحقيقى إلى هذا الشكل الجديد من موازنة الدولة، الذى يقطع –بدوره- الطريق أمام كل صور إهدار المال العام، ويفتح الأفق واسعا أمام جهود الحكومة الرامية إلى تعزيز الرقابة وقياس الأداء وترشيد النفقات العامة.
ويعزز مسار التدرج فى التحول فرص النجاح فى إدارة موازنة الدولة بهذه الفلسفة الجديدة، التى يصعب الانتقال إليها دون تدرج، وهذا ما دعا وزارتى التخطيط والمالية -المعنيين بصناعة الموازنة- فى تلمس خطى الانتقال من موازنة الأبواب والبنود إلى موازنة البرامج والأداء، التى تعتمد فلسفة مفادها تحديد مجموعة من البرامج، تنبثق عن كل برنامج مجموعة من الأنشطة، وأن يكون لكل نشاط مدخلات ومخرجات.
يضمن هذا التحول، فى رأى د. جميل حلمي، مساعد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية لشئون متابعة خطة التنمية المستدامة، وجود مؤشرات ومقاييس –مالية وغير مالية- تضمن القدرة على قياس كفاءة كل نشاط وكل برنامج، وتتيح الفرصة لعلاج أوجه القصور وتغذية عناصر القوة، والبناء على ما يتحقق من إنجازات، فالأمر يصبح مع هذه الموازنة ليس مجرد شراء سلع وخدمات، بل اهتمام بطبيعة أنشطة وأعمال الأجهزة الحكومية أكثر من اهتمامها بموضوع الإنفاق.
وبدأت حكاية التحول من أنه بعد صياغة استراتيجية التنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، كان هناك تحديات تواجه إعداد الموازنة العامة للدولة خاصةً فيما يتعلق بالاعتماد على النظم التقليدية لإعداد الموازنة العامة للدولة، وعدم المرونة فى النقل بين الأبواب والبنود المالية.
منهجية خطط
وانضمت وزارات جديدة إلى الركب فى 2018/ 2019، وهي: (التخطيط والتنمية الاقتصادية، المالية، التموين والتجارة الداخلية، القوى العاملة، السياحة والآثار، الشباب والرياضة، التجارة والصناعة، التنمية المحلية، البيئة، الصحة والسكان)، ليصل العدد إلى 16 وزارة، ومع إعداد برنامج عمل الحكومة بالاعتماد على منهجية «خطط البرامج والأداء» ارتفع عدد الوزارات إلى 22 وزارة.
توفر موازنة البرامج آلية معتبرة لمواجهة إهدار المال العام نهاية كل سنة مالية، الذى يراه المواطن فى إنفاق غير نافع يتمثل فى رفع كفاءة طرق أو مبان ليست فى حاجة لرفع الكفاءة، أو هدم أرصفة وإعادة بنائها، وغير ذلك من أشكال الإنفاق غير الضروري، الذى تستهدف منه الجهة القائمة على الإنفاق فقط إضاعة الأموال فيما لا ينفع، فقط الهدف التنافس فى سبيل إنفاق ما تبقى من مخصصات مالية لها فى الموازنة العامة قبل نهاية السنة المالية.
الإنفاق غير الرشيد، عجل من إجراءات التحول، وحرصا من وزارة التخطيط على إنجاح التجربة تم إطلاق المنظومة الوطنية للمتابعة والتقييم «أداء»، التى تتضمن 3200 مؤشر لقياس أداء كافة البرامج التنموية منها 380 مؤشرا لقياس الأثر الاستراتيجى للبرامج الموجودة فى برنامج عمل الحكومة (2018/ 2019 – 2021/ 2022)، علاوةً على إصدار تقرير «حصاد مرحلة البناء»، الذى تضمن بيانات تفصيلية عن المشروعات المنفذة فى كافة القطاعات.
حزمة إجراءات
«خطة المواطن الاستثمارية» لـ27 محافظة، تأتي، والكلام لـ «مساعد وزير التخطيط»، ضمن حزمة اجراءات الوزارة للتحول، كونها تهدف إلى تفعيل المشاركة المجتمعية وتوطين أهداف التنمية المستدامة ونشر ثقافة البرامج والأداء، ثم كان قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل وحدة بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية لـ «خطة البرامج والأداء»، ومن بعد ذلك، يصل عدد الوزارات المطبقة لموازنة البرامج إلى 30 وزارة، وتبدأ جهود رفع كفاءة العنصر البشرى بعقد أكبر برنامج لتدريب 1760 موظفا فى دواوين عموم الوزارات الجهات التابعة والمديريات الخدمة على «استمارة موحدة» تتضمن كافة البيانات المتعلقة بأدنى برنامج تشغيلى (عملية استثمارية/ نشاط جاري) لكل برنامج فرعي، وكافة البيانات الخاصة بكل برنامج رئيسى وفرعى لكل جهة.
ووفقا لمساعد وزيرة التخطيط، تم إطلاق منظومة متابعة المبادرة الرئاسية لتحسين جودة الحياة فى التجمعات الريفية «حياة كريمة»، التى تعد الجيل الثانى من آليات المتابعة الإلكترونية المعتمدة على منهجية خطة البرامج والأداء.
تحول واقعي
تقدم وزارة المالية مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب فى شكل أرقام وبنود، ليس كرها فى هذا التحول أو رفضا له بقدر أنه احترام لنصوص الدستور، التى تلزم الحكومة بتقديم مشروع الموازنة فى شكل أبواب وبنود وليس برامج، لكن الدستور لن يمنع الوزارة من التعهد أمام الرأى العام بالالتزام بأعداد البيانات التحليلية والمالية ذات الصلة بالموازنة طبقا لأسلوب البرامج والأداء، لتظهر ما تحقق فى المشروعات ومعدلات الأداء فى الموازنة، فيكون التحول واقعيا دون مخالفة نصوص الدستور.
تطبيق موازنة البرامج والأداء، وفقا لـ «د. محمد معيط، وزير المالية»، جنبا إلى جنب مع موازنة البنود المطبقة حاليا يعد تحولا كبيرا فى نظام المالية العامة بما يساعد فى رفع كفاءة الإنفاق العام ومراقبة فاعلية الأداء، وتمنح الدولة قدرا من المرونة فى مواجهة الأزمات وضمان الوصول إلى أكبر استفادة ممكنة من موارد الدولة وتحقيق النتائج المرجوة من الاعتمادات المالية، بما يسهم فى تطوير الخدمات العامة، وتعد ترجمة لبرنامج عمل الحكومة، حيث تستهدف سرعة ودقة الإنجاز وتحسين الأداء الحكومي.
دعائم الانضباط
يرسخ تطبيق موازنة البرامج والأداء، والكلام لـ «د. معيط»، دعائم الانضباط المالى ويرفع كفاءة الإنفاق العام بالاستغلال الأمثل لموارد الدولة وفق الأولويات المحددة من أجل تحسين معيشة المواطنين وتطوير الخدمات المقدمة إليهم وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وأنه استكمالا لذلك وتأكيدا للدور الفاعل ل وزارة المالية فى تنفيذ برنامج عمل الحكومة فى إطار «رؤية مصر 2030»، قامت الوزارة بإعداد دليل موازنة البرامج والأداء لتوفير كافة المعلومات، التى تساعد المعنيين باعداد وتطبيق موازنة البرامج والأداء.
بالفعل، التزمت ٨٢٪ من الهيئات الموازنية و٦٩٪ من الهيئات الاقتصادية بتقديم موازناتها للعام المالى المقبل طبقًا للبرامج والأداء، وأن وزارة المالية انتهت من رفع كفاءة ١٨٠٠ من ممثلى الجهات الموازنية فى إطار البرنامج الوطنى لبناء قدرات الموظفين وتأهليهم لاستخدام النموذج الموحد لإعداد موازنة البرامج والأداء، وإعداد دليل يتضمن تحديد هياكل البرامج والمفاهيم الأساسية وأهداف مؤشرات قياس الأداء وكيفية تصميمها وخطوات إعداد الموازنة وتنفيذها.
دورة الموازنة
وفى رأى أحمد كجوك، نائب الوزير للسياسات المالية والتطوير المؤسسي، فإن موازنة «البرامج والأداء»، فرصة لتحديث «دورة الموازنة» بمصر، حيث تتطلب من الوزارات والمصالح والجهات الحكومية الأخرى مواءمة التخطيط الاستراتيجى مع المخصصات المالية، وتغير ترکیز عمليات الموازنة من الأنشطة السنوية القائمة على المدخلات إلى نهج قائم على الأداء يُسهم فى تحسين كفاءة وفعالية تخصيص الموارد والأنشطة على المدى المتوسط خلال ثلاث سنوات.
رؤية استباقية
ويعد تطبيق موازنة البرامج والأداء، ، وفقا لـ «كجوك»، فى مصر رؤية استباقية تمنح الدولة قدرا من المرونة يسمح لها بمواجهة الأزمات المختلفة، وتضمن توحيد الجهود فى الأنشطة المتشابهة بمختلف القطاعات، حيث تعد إحدى أدوات الإصلاح الاقتصادى لتنفيذ رؤية «مصر 2030» لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تسهم فى ضبط الأداء المالى ورفع كفاءة الانفاق العام بالاستغلال الأمثل لموارد الدولة والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين والإسهام الفعال فى تحسين مستوى الخدمات المقدمة إليهم.
ترشيد وكفاءة
إجراءات التحول إلى موازنة البرامج والأداء، فى رأى محمد السبكى، رئيس قطاع الحسابات الختامية ورئيس وحدة موازنة البرامج والأداء بوزارة المالية، تأتى فى إطار الرؤية الإصلاحية الواسعة للمالية العامة، وأن هذا التحول يهدف إلى ترشيد وكفاءة الإنفاق العام، ووضع موازنة دقيقة تعكس السياسة العامة، وتفعيل مشاركة جميع الفئات فى إعداد الموازنة، ومحاسبة المسئولين عن تنفيذ الموازنة، وتركيز الرقابة على المخرجات أو النتائج ومقارنتها بالأهداف المخطط لها.
تنفيذ متابعة تطبيق موازنة البرامج والأداء فى جميع الجهات الموازنية، من خلال وحدة موازنة البرامج والأداء بوزارة المالية، يحقق أهداف الدولة.