الإنسان نسخة مصغرة من الكون، فكرة أثبتت صحتها النظريات العلمية الحديثة، وكانت فى البداية مجرد رؤية فلسفية أو حكمة عقائدية، وعبر عنها علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فى قوله: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.
واعتقد ابن سينا نفس فكرة أن الإنسان نسخة من الكون الأكبر، ومن قبله رددها فلاسفة من شتى البلاد والأديان، وأبرزهم أفلاطون الذي قال إن جسم الإنسان مشتق من جسم الكون، وأضاف أن الكون كائن حي وذكي وفيه روح ووعي مثل الإنسان، وأكدت التجارب كلامه الأول، أما الجزء الثاني من كلامه فمازال غامضا.
وفى عام 2017، نجحت دراسة علمية فى تأكيد سلامة الفكرة بشكل تجريبي، وتوصلت إلى أن جسد الإنسان مكون من الغبار الكوني، وهذا الغبار عبارة عن جسيمات متناهية الصغر، واختبرت الدراسة أكثر من 150 ألف نجم فى الكون، وأجرت تحليلاً لعناصره، وكانت المفاجأة اكتشاف أن جسم الإنسان والمجرات يجمعهما حوالي 97% من نفس العناصر.
وطبقا لما سبق لابد أن يكون تناغم بين الكون والإنسان، فإذا حدث خلل فى الكون يشعر به الإنسان ويؤثر فيه، ومثالا على ذلك التغير المناخي والاحتباس الحراري أصاب البشر بأمراض قضت على حياة الكثير منهم، حتى أن نسبة الوفيات زادت فى بعض الولايات الأمريكية التي تسجل درجات حرارة عالية فى السنوات الأخيرة.
واعترفت النظرية العلمية أيضا بأوجه الشبه بين الإنسان وكوكب الأرض، والأرض تعد أحد فروع الكون، ويعيش فيها ما لا يقل عن 8 ملايين نوع من الكائنات الحية، وعلى المحيط الأصغر لجسم الإنسان بداخله عشرة آلاف كائن حي.
ويعني أن الكائنات التي فى جسدك مثل البكتيريا تضمن لك الصحة، وهو يتطابق مع التنوع البيولوجي على الأرض، واكتشف الأطباء حين تقل فى جسم الإنسان هذه الكائنات يكون عرضة أكثر للأمراض، وكذلك اختفاء نوع من الكائنات يهدد بكارثة بيئية علي الأرض، وهذا ما شاهدناه منذ أسابيع فى أستراليا عن انتشار الفئران بصورة مخيفة، بسبب نفوق ما يقرب من 500 مليون حيوان بعد اشتعال حرائق الغابات فى العام الماضي.
من ناحية أخرى تتشكل النسبة الأكبر من حجم كوكب الأرض من الماء وتبلغ 70%، وتتمثل فى البحار والأنهار والمحيطات، ويحتل الماء فى جسم الإنسان أكثر من 60%، وفى تقارب آخر شبه الباحثون الشرايين التي تحمل الدماء فى جسد الإنسان لتمده بالحياة بالأنهار التي تجري على الأرض.
ومع تطور وسائل التكنولوجيا كالمجهر والتلسكوب، شهد العلماء تشابها لخلية فى مخ الإنسان مع الفضاء الخارجي، واستطاعت دراسة نشرت فى مجلة "فرونتيرز إن فيزيكس" إثبات الشبه الكبير بين شبكة الدماغ العصبي وشبكة المجرات الكونية رغم اختلاف المقاييس، فدماغ الإنسان تحتوي على 69 مليار خلية عصبية، أما فى الكون 100 مليار مجرة.
وفى النهاية، نجح العلماء فى رصد التشابه الكبير بين خلية واحدة بالدماغ وبين الكون، ولذلك يصدق قول علي بن أبي طالب أن هذا الإنسان صغير الحجم استطاع احتواء الكون، وبمعنى آخر أن الإنسان يكتشف يوميا أغوارا جديدة فى الكون تبعد عنه بملايين السنين الضوئية، ويحاول إدراك تفاصيلها، ويخضعها للدراسة ليستفيد منها فى حياته، ويحدث كل ذلك وهو جالس فى حجرته الصغيرة، والتي هي بمثابة نقطة متناهية الصغر على كوكب الأرض.