مثلث القوة

استطاعت مصر خلال الأعوام السبعة الماضية أن تحقق ما لم يتوقعه مخططو الفوضى الخلاقة، وما لم تضعه مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الغربية ضمن توقعاتها، لتحقق إنجازًا جديدًا بقيادة رئيس وطني واع مدرك خطورة ما كانت تقدم عليه بلاده والمنطقة العربية عقب أحداث 2011.

أوفى الرئيس عبد الفتاح السيسي بما أقسم به قبل 18 مايو 2017 خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية حينما قال: "أقسم بالله سنحقق ما يفوق خيال المصريين إذا صبروا."

وها هو يتحقق ما أقسم به الرئيس.

استأذنت صديقي المعارض هذا الأسبوع فى استكمال حوارنا الذي بدأناه على مدار ثلاثة أسابيع ماضية عن «الطريق لتحقيق حلم تبقى قد الدنيا» لنواصل الحديث عنه فى العدد القادم.

فلم يكن لي أن أتوقف عن استكمال عرض ما حدث فى الدولة المصرية على مدى سبعة أعوام، إلا لأنه لا يمكن أن يمر حدث القمة الثلاثية التي استضافتها العاصمة العراقية الأسبوع الماضي دون أن نتوقف عنده كثيرًا.

فهي ليست مثل «جون الغاز» الذي أحرزته مصر بإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط وتحويله إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.

كما أنها ليست مثل الخط الأحمر الذي أعلنته مصر (سرت الجفرة ليعيد الاستقرار إلى ليبيا، وليست مثل قرار وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه القاهرة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والبدء فى عملية إعادة الإعمار.

إن التحالف الثلاثي المصري الأردني العراقي لهو بمثابة نقلة نوعية للمنطقة العربية بشكل عام وللدول الثلاث بشكل خاص.

ودعونا نتوقف بعض الشيء لتوضيح أهمية التعاون فى ذلك التوقيت، ودوره فى استعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.

صباح الأحد 27 يونيو الماضي وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة العراقية بغداد، بعد غياب دام 30 عامًا لم يقم خلالها رئيس مصري بزيارة العراق، فى زيارة وصفت بالتاريخية وباستقبال أسطوري للرئيس كشف قوة ومتانة العلاقات بين مصر والعراق وثقة القيادة العراقية فى دعم مصر الكامل لاستقرار العراق.

جاءت الزيارة لعقد «قمة التعاون الثلاثي» بين القاهرة والأردن والعراق، وضمن دورية الانعقاد لهذا التحالف الجديد «تحالف القوة» والذي وصفه البعض بتحالف الشام الجديد، بحسب تعبير رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي فى تصريح لوسائل الإعلام الأمريكية فى سبتمبر 2019 وقبيل انعقاد القمة التي جمعت بينه وبين الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم القمة الثالثة للتحالف والتي عقدت بالعاصمة الأردنية عمان.

وصفت وسائل إعلام عربية - على غير الحقيقة - لقاءات قادة الدول الثلاث، الذي وضعت القاهرة أولى لبناته فى مارس 2019، بأنها تأتي ضمن مشروع «الشام الجديد» الذي يضم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق و مصر بحسب دراسة للبنك الدولي فى مارس 2014 والذي ضم له تركيا.

ما لا يعلمه الكثير أن التحالف الجديد وإن كان يتقاطع مع مشروع البنك الدولي فى بعض نقاطه، ومنها أن الدول الثلاث كانت ضمن المشروع السابق، إلا أن التحالف بين الدول الثلاث ليس بمشروع الشام الجديد.

وهذا لا يعني أن التحالف سيقتصر على الدول الثلاث ولكنه من المتوقع أن تنضم له دول عربية أخرى، التحالف الثلاثي يستهدف التعاون فى المجال السياسي والعسكري والأمني وتداول الطاقة، والنفط، والخدمات الصحية، والعمالة، والإسكان والبنية التحتية، والتدريب وتبادل الخبرات ونقل التجارب، والحفاظ على الأمن القومي العربي وزيادة حجم التجارة البينية.

لقد جاء تحالف التعاون الثلاثي بدعوة من الرئيس السيسي فى مارس عام 2019بهدف دعم الدول الوطنية فى المنطقة وإعادة الاستقرار إليها فى مواجهة أي تهديدات تستهدف خلق الفوضى بها والتصدي لمحاولات نشر الإرهاب فى المنطقة.

بعد أن استطاعت الدولة المصرية النجاح فى مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية ونجاحها فى استعادة مكانتها الإقليمية والدولية ومع رؤية القيادة المصرية لحجم المخاطر والتهديدات التي تستهدف المنطقة العربية خاصة على المحور الشرقي، ومحاولات قوى دولية وإقليمية، جاء التحالف ليمثل ضربة قوية فى مواجهة التدخلات الخارجية بالمنطقة العربية وقطع الطريق على الدول ذات المشروعات التوسعية (إيران- تركيا- إسرائيل) من التمدد داخل المنطقة العربية، والحفاظ على سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها.

كما جاء مشروع تحالف التعاون الثلاثي الخاص بإنشاء وتطوير خط النفط العراقي بمثابة الضربة القاضية لعدد من المشروعات التي كانت تستهدف نقل نفط الخليج العربي بعيدًا عن قناة السويس للضغط على الدولة المصرية، فكان المشروع العراقي المصري الأردني والذي يستهدف نقل النفط العراقي عبر خط النفط السابق بمثابة صفعة قوية لمن حاولوا الضغط على الدولة المصرية.

أعود إلى القمة الرابعة للتحالف الثلاثي التي عقدت فى بغداد وأعلن فى نهايتها وزير الخارجية سامح شكري عن عقد القمة القادمة بالقاهرة.

أتوقف هنا عند عدة نقاط:

أولًا: جاء التحالف ليجهض مخططًا كان يُحاك لهذه المنطقة لتقويض أي مشروع عربي ناهض ليدفع بها فى اتجاه الصراعات المذهبية والعرقية وتدمير الدولة الوطنية لحساب التنظيمات الإرهابية، وعلي رأسها تنظيم داعش.

ثانيًا: أعاد التحالف الدولة العراقية إلى محيطها العربي، وهو ما يعد خطوة مهمة لاستعادة قوة المنطقة العربية وقدراتها خاصة فى ظل دعم مصر الكامل للدولة الوطنية العراقية وتأكيدها على دعمها الكامل للعراق فى مجال تطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار وتوسيع آفاق التعاون المشترك بينها وبين كلا من مصر والأردن، وذلك فى ظل تطابق الرؤى بين الدول الثلاث فى ملف مكافحة الإرهاب الذي يستهدف ضرب استقرار الدول.

كانت تجربة مصر فى مواجهة الإرهاب من التجارب الرائدة، وكذلك الوضع فى العراق الذي أشاد به الرئيس السيسي خلال القمة ونجاح الدولة العراقية فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.

ثالثًا: انطلق التحالف بين الدول الثلاث من خلال نقاط مشتركة فيما بينها، وتطابق فى الرؤى، ما يُنبئ بقوة التحالف وقدرته على صناعة كيان قادر على التطور فى المستقبل ليشمل دولًا عربية أخرى.

رابعًا: يمتلك التحالف قوة بشرية ضخمة تصل إلى 150 مليون نسمة يجعلها سوقًا رائجًا للتجارة البينية وفرصة كبيرة لتطوير الصناعة المحلية فى الدول الثلاث فى ظل اتفاق دول التعاون الثلاثي على إنشاء المنطقة الاقتصادية اللوجستية المشتركة، وذلك خلال انعقاد القمة الثالثة للتحالف بعمان.

خامسًا: استهدف التحالف الحفاظ على الأمن القومي العربي ومواصلة دعم الدول الثلاث لعمليات مكافحة الإرهاب وملاحقة أذنابه لإعادة الاستقرار للمنطقة العربية

سادسًا: جاء التكامل بين الدول الثلاث فى مجالات التعليم والصحة والطاقة وتشجيع الاستثمار والتجارة بمثابة خلق تحالف قوي ليس على المستوى الاقتصادي فقط ولكن على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي.

لقد جاء تطابق الرؤى بين الدول الثلاث فى قضايا المياه ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على الدولة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية، والقضية الفلسطينية، والأوضاع فى سوريا ولبنان وليبيا واليمن ليؤكد أن مستقبل هذا التحالف الواعد سيكون بمثابة قوة عربية على المحور الاستراتيجي الشرقي.

إن الفرص الواعدة التي يمتلكها التحالف الثلاثي تجعله أكثر استقرارًا وقدرة على النمو والتوسع ليشمل دولًا عربية جديدة، ويقدم صورة لمستقبل المنطقة العربية فى مواجهة التحديات.

لقد جاء الاستقبال الأسطوري للرئيس السيسي فى بغداد مؤكدًا على استراتيجية الشراكة بين مصر والعراق.

تذكرت الحديث الذي أجراه الملك عبد الله الثاني مع المذيع الأمريكي "تشارلي روز" أواخر عام 2014، والذي أكد فيه على مدى تأييده لرؤية الرئيس السيسي واستراتيجية الدولة المصرية فى مواجهة التحديات والتهديدات موجهًا التحية العسكرية للرئيس السيسي.

عبرت كلمات الملك عبد الله الثاني عن حجم تطابق الرؤى بين الزعيمين فى قضايا المنطقة.

ليأتي التحالف الثلاثي بمثابة خطًا جديدًا يرسمه قادة الدول الثلاث فى الخريطة السياسية للمنطقة العربية بشكل خاص ولمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

ففي الوقت الذي يجري فيه إنشاء خط الربط الكهربائي بين الدول الثلاث، يجري إنشاء خط النفط لينقل النفط العراقي إلى مصر عبر العقبة.

كما وقعت مصر والعراق 15 مذكرة تفاهم وبرنامج تعاون مع العراق فى أكتوبر 2020.

أضف تعليق

أصحاب مفاتيح الجنة

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2