الأيديولوجية
إطار فكري سياسي يرصد ما هو كائن، ويحدد ما ينبغي أن يكون، ويطرح أداة التحول من الوضع القائم إلى البديل المستهدف.
والأيديولوجية وفقا لهذا التعريف تكون بمثابة مشروع متكامل لمواجهة مشكلات الواقع بحلول مترابطة منتمية إلى فلسفة معينة متعلقة بظاهرة السلطة في المجتمع.
ومن أشهر الأيديولوجيات في التاريخ الأيديولوجية الشيوعية التي انتسبت إليها دول وأحزاب سياسية متعددة في سياق الحركة الشيوعية العالمية.
كان المد الأيديولوجي الشيوعي قد بدأ عندما أدت الثورة البلشفية الروسية إلى إقامة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كأول دولة اشتراكية في العالم تنتسب أيديولوجيا إلى النظرية الشيوعية.
ولم يكن ذلك حدثا عاديا بل كان نقطة صفرية في تاريخ التطور السياسي تنتهي عندها مرحلة لتبدأ مرحلة تالية بما لروسيا من حجم ضخم وثقل عالمي.
بيد أن المفارقة المنهجية في هذا الصدد أن الثورة الروسية لم تثبت صحة الأيديولوجية التي انتمت إليها تلك الثورة، وإنما على العكس من ذلك كانت الثورة الروسية أول دحض تطبيقي للأيديولوجية الشيوعية.
فقد كانت أداة التحول في تلك الأيديولوجية من الوضع المرفوض إلى الخيار المنشود هي الثورة البروليتارية العالمية النابعة من اتحاد الطبقة العاملة في العالم. أما الثورة الروسية فكانت في بلد واحد فقط، ولم تكن عالمية كما تضمنت الأيديولوجية الشيوعية.
ومع ذلك فقد توالت تجارب التحول الاشتراكي المنتسبة بشكل أو بآخر إلى الأيديولوجية الشيوعية في دول متعددة من بينها الصين أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان وبلدان شرق أوروبا وفيتنام التي انتصرت بحرب تحرير شعبية رائدة على الولايات المتحدة وكوبا الجزيرة المجاورة للولايات المتحدة.
ودفع ذلك النجاح الحركة الشيوعية العالمية التي قادها الاتحاد السوفييتي دفعات قوية. فنظر الشيوعيون إلى التحول الاشتراكي المرتكز على الأيديولوجية الشيوعية بصفته حتمية تاريخية عملية علمية مستمرة بفعل عوامل طبيعية.
إلا أن النظم الاشتراكية التي أخذت بالأيديولوجية الشيوعية لم تكن ديموقراطيـــة ولا ليبرالية ولم تحقق المساواة التي رفعت شعارها واعتدت على حق الملكية الخاصة وقتلت الحافز الفردي للإنتاج وقمعت كل بادرة مراجعة أو معارضة وأسدلت ستار التعتيم على التجاوزات التي استفحلت في ظلام القهر.
فاستشرى الفساد السياسي في تلك النظم حتى النخاع إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي و توابعه في شرق أوروبا. وهكذا أثبتت الخبرة الفعلية أن الأيديولوجية الشيوعية لا ترتبط بحتمية تاريخية كما كان يردد الشيوعيون.
فقد أسقطت حركة التاريخ تلك الأيديولوجية في سياق عملية مضادة كاسحة للتحول إلى الرأسمالية أثبتت براءة العلم من تلك الأيديولوجية التي كانت في حقيقتها مخالفة للطبيعة تعتدي عليها ولا تخضع لها.
و حيث إن الطبيعة تعلو ولا يعلى عليها فقد كانت الحتمية التاريخية هي فشل الأيديولوجية الشيوعية لا استمرار نجاحها المؤقت. لقد اتسمت الأيديولوجية الشيوعية بتنظير محكم لكنها أحالت الوجود إلى صراع طبقي، وجعلت نهاية التطور في المدينة الشيوعية حيث يختفي الصراع الطبقي.
وبذلك وقعت تلك الأيديولوجية في هاوية الاختزال المخل والتناقض المنطقي والشطط الخيالي.
وربما كانت الحاجة إلى أيديولوجية نابعة من الذات الحضارية هي مأزق الأمم التي تستمسك بشخصيتها القومية في مواجهة محاولات التطويع والهيمنة.
د. محمد ماهر قابيل