تقرير: أحمد عاطف
" دايما حس بقلبك؛ خليك واثق في نفسك في قدراتك وأهدافك؛ علشان دي الطريقة الوحيدة اللي هتوصلك للي نفسك تحققه"
هذه نصيحة محمد صلاح لشباب بلده وشباب وطنه العربي، البطل الرياضي المصري الصاعد مع منتخب مصر لنهائيات كأس العالم القادمة صيف ٢٠١٨ المقامة فى روسيا، هذا الوصول الذى كسر انتظار دام ٢٨ عاما، كانت سنوات عجاف، شهدت ميلاد جيل لم يحظ بشرف رؤية فريق مصر يخوض مباريات كأس العالم فى إيطاليا عام 1990.
دعونا نقرأ عبارات أخرى لنفهم صلاح الإنسان، منه ويقول صلاح:
"خلال رحلتك احترم زمايلك، خصومك واحترم كل الناس، احترم أصلهم دينهم وجنسيتهم، وأخيرا : اوعي تبطل تحسّن من نفسك، لو حد قالك أنك بتجري بسرعة أعمل حسابك أنك بكرة تحاول تجري أسرع "
..هذا ما يصدر عن بطلنا: إنعكاسات فطرية تجرد وتفرد إنساني وسلام داخلي وعطاء وهاج في كل الإتجاهات. نبتة صالحة ترعرعت بإحدى قري مدينة بسيون بمحافظة الغربية ، وبالتحديد قرية " نجريج " .
لم يتخيل والده الحاج صلاح يوما أن يصبح أبنه بطلا قوميا يبني عليه الملايين من أبناء وطنه العاشقين لكرة القدم حلمهم ببلوغ المونديال.
رحلة كفاح طويلة بدأت كما يقول الفرعون الصغير من الأسفلت القريب من مدرسته والذي كان يتخذه وزملائه في الدراسة ملعبا لهم، عندما كان يبلغ من العمر ٧ سنوات ، حتي اصطحبه والده وهو في الرابعة عشر من عمره إلي نادي بلدية المحلة، ثم بسيون ثم المشاركة بدورة تتبع إحدى شركات المياه الغازية الشهيرة ، ليتألق خلالها، ويلفت الأنظار إليه بشدة، دفعت والده بعدها لقبول عرض بالانتقال إلي صفوف نادي المقاولون العرب فرع طنطا.
ولا تأتى المقادير أحيانا بما يشتهى المرء فسرعان ما تم فسخ العقد معه حيث أبلغه مسئولو النادى أن الفرع الرئيسي لـنادى "المقاولون" بالقاهرة في حاجة إلية وسوف يوقع على عقد جديد ، وكانت رحلة المعاناة والسفر ٤ مرات أسبوعيا من و إلي نادي المقاولون العرب تستغرق ٦ ساعات ذهابا وعودة مع قلق وترقب الوصول .
وبعد معاناة وافق النادي أخيرا علي توفير إقامة لصلاح بفندق النادي ، وسرعان ما أثبت " الموهبة الواعدة" وجوده بفرق ناشئي النادي حتي تم تصعيده للفريق الأول وبدأت أعين الأجهزة الفنية لمنتخبات مصر المختلفة تترصد إمكانيات الفرعون العالمي لضمه .
محطات أوروبية
قبل كشافو نادي بازل السويسري ما رفضه ممدوح عباس رئيس نادي الزمالك حين رأى الخير أن صلاح لاعب أمامه الكثير ليتعلمه قبل الإنضمام للقلعة البيضاء.
وطار بعدها الفتي الصغير إلي سويسرا للإنضمام لناديها العريق بازل قادما من "المقاولون" وكان ذلك يوم ١٥ يونيو ٢٠١٢ بعد توقيع عقد يمتد لأربع سنوات، ليسطع بعدها - هناك - نجمه بقوة ويلفت نظر العديد من أندية القارة العجوز وبصفة خاصة ناديي ليفربول وتشيلسي حيث استطاع، جوزيه مورينيو مدرب الأخير إقناع صلاح تليفونيا بالإنضمام إلي صفوف النادي اللندني الشهير، ضمن الإنتقالات الشتوية ٢٦ يناير ٢٠١٤ لمدة موسم واحد فقط ، حيث لم يسطع نجم ابن النيل كالعادة هذه المرة لتجاهل المدرب الملقب بـ "إسبيشيال وان" إعطاء اللاعب الصغير فترة للإنسجام مع فريقة الجديد وطريقة لعب أقوي دوري في العالم.
وافق مدرب تشيلسى بعدها علي إعارتة لـ "فيورنتينا" الإيطالي لمدة ٦ أشهر تبدأ من ٣ فبراير ٢٠١٥ ، ليشارك بقوة مع الفريق ويسجل العديد من الأهداف، كان أشهرها هدفه الأول في العملاق "يوفينتوس" والذي سجله بقدرة فائقة وبسرعة عدّاء أوليمبي، وذلك عندما استغل كرة مرتدة من عمق دفاعات فريقة لينطلق بها بسرعة البرق من قبل منتصف ملعب فريقة بين مدافعي "اليوفي" ولم يترك الكرة حتي أسكنها بتسديدة قوية مرمي الحارس الأسطورى بوفون .
وبدون تردد أصر الفتي المدلل لفيورنتينا على الإنتقال لنادي أكبر وأعرق بنفس الدوري وهو نادي روما الإيطالي وسط توعد وتشكيك من فيورنتينا في قانونية الصفقة بين ناديي تشيلسي الإنجليزي مالك عقد " مو" وفريق ذئاب العاصمة الإيطالية روما ، ليظفر الأخير بالصفقة في النهاية لمدة موسم واحد فقط علي سبيل الإعارة بنية البيع ، وكان ذلك في ٦ أغسطس ٢٠١٥.
وارتفع نجم المصري، وزاد تألقا وبريقا مع الذئاب ليسجل بنهاية الموسم ١٤ هدفا تربع بها علي صدارة هدافي فريقة بجانب حصوله علي لقب أفضل لاعب بصفوف روما خلال الموسم الأول له.
ومعقوة موقف روما للظفر بخدمات صلاح حسب شرطهم مع تشيلسي، استطاعوا في النهاية شرائه بمبلغ ١٥ مليون يورو في ٣ أغسطس ٢٠١٦، ليقدم أفضل مواسمة الإحترافية علي الإطلاق بالملاعب الأوروبية موسم ٢٠١٦ - ٢٠١٧ بعدما أحرز 19 هدفا في الموسم ، منها 15 في الدوري الإيطالي وهدفان في كأس إيطاليا وهدفان في الدوري الأوروبي في مرمى نادي ليون الفرنسي وبذلك احتل المركز الثاني في قائمة هدافي ناديه بعد البوسني إيدين دجيكو .
كل الإنجازات السابقة مع روما كانت كفيلة لجعل نادي ليفربول الإنجليزي والمتراخي سابقا في التعاقد مع اللاعب الكبير بسبب عدم جدية إنهاء المفاوضات مع بازل علي إقتناص صلاح من أنياب ذئاب روما ، وكان لهم ما أرادوا في ٢٢ يونيو ٢٠١٧ من خلال صفقة تاريخية بلغت في مجملها ٤٢ مليون يورو عرفت بأنها الأكبر في تاريخ صفقات الناديين ، ليصبح صلاح أغلي لاعب في تاريخ القارة السمراء أيضا.
التوهج بعد التألق
ويعيش صلاح حاليا فترات توهج كروي غير مسبوقة مع نادية الجديد، فهو دائما ما يأتى في الميعاد مع الألماني يورجن كلوب مدرب ليفربول خلال معظم المباريات حين يسجل هدفا أو يصنع آخر، أو يساهم في البعض الآخر بما فيها مباراة أرسنال، حيث استطاع تسجل هدفاً في مرمى الفريق الملقب بـ " الجانرز " بعد انطلاقة لمسافة ٦٥متر بسرعة ١٠ متر في الثانية أي ما يعادل ٣٦ كيلومتر في الساعة.
وقد اختير ذلك الهدف كأفضل هدف لنادي ليفربول في شهر أغسطس ٢٠١٧ ، كما تم إختيار محمد صلاح نفسة كأفضل لاعب في النادي خلال شهري أغسطس وسبتمبر.
لم يختلف
لم يختلف حال صلاح ابن أي نادي دافع عن ألوانه، عن صلاح ابن البلد ومنتخب مصر، بداية من مشاركته مع منتخب شباب مصر في نهائيات كأس العالم ٢٠١١ بـ كولمبيا، ثم توهجه وإحرازه ٣ أهداف في أولمبياد لندن ٢٠١٢ بمعدل هدف لكل مباراة خلال الدور الأول للمنتخب قبل الخروج أمام اليابان بثلاثية نظيفة.
وعن إنجازه مع المنتخب الأول للفراعنة فحدث ولا حرج عن " مو " فبجانب قيادتة لمنتخب بلاده للوصول إلي النهائيات الإفريقية التي غاب عنها ٣ دورات متتالية، نجح في قيادة أبناء الأرجنتيني هيكتور كوبر فى بلوغ المباراة النهائية لآخر بطولة قارية، ليصبح الفريق قاب قوسين أو أدني من الفوز باللقب الثامن قبل الهزيمة علي يد الأسد الكاميروني بهدفين لهدف، وسجل صلاح خلال البطولة هدفين رائعين وصنع لزملائه مثلهما .
تميمة صلاح.. والبرهان
وأخيرا برهن ابن مصر علي المقولة الشهيرة " لكل مجتهد نصيب " لتكون بمثابة التميمة التي تميزه ، بعدما صاح في زملائه في الوقت الضائع من مباراة الكونغو، وقد أحرزت الأخيرة هدف التعادل وهو ما كان يعنى بالنسبة لمصر والمصريين انتظار لقاء غانا الخصم الشرس، وحسابات أخرى، لكن صلاح اندفع يحمّس زملائه فى الفريق علي العودة للمباراة وقبول التحدي في الدقائق المتبقية من عمر الحلم بالفوز، والتأهل، الذي طال أمده ٢٨ سنة ثم تحقق علي يديه، وبقدمه اليسرى، التى أحرزت هدفى المبارة، مرة بهجمة منفردة، ومرة بركلة جزاء.
وبعد الفوز الصعب علي الكونغو وبمساهمة الجميع ، حصد هذا الجيل وعلى رأسه صلاح، زرعه، ليرسم أخيرا البسمة علي وجوة ١٠٠ مليون مصري أنتظروها بصبر فظفروا ووصلوا لمونديال روسيا ٢٠١٨ رافعين رؤوسهم بين الأمم الكروية.
في نهاية هذا التقرير أجدني أتوجة بالشكر لأبن مصر البار وفخر شباب هذا البلد وقدوتة، فالحكاية تخطت بطولة أو بطل في مجال رياضي لتصل لكيان إنساني يعيش ليقدم ملحمة من العطاء ، فالتسامح والوفاء وإنكار الذات والإرادة والنزاهة والإستقامة هي صفات اجتمعت في شخص هذا الفتي المصري الذهبي ، والذي أصبحنا نمني نفسنا وكل ذوينا أن نحذو حذوة لضمان بداية ونهاية مشرفة علي كل الأصعدة إنسانيا ومهني.
[gallery size="large" columns="4" ids="70551,70552,70553,70554,70555,70556,70557,70558,70559,70560,70562,70563,70565,70566,70567"]