ناقش الدكتور المستشار مايكل نصيف خبير الاقتصاد تجربة الاقتصاد في الحقبة الناصرية ولجوء مصر للاقتراض وتتبع النشاط الاقتصادي منذ ثورة 23 يوليو 1952 مروراً بأحوال الاقتصاد المصري بعهد رؤساء مصر السادات ومبارك ومرسي إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقال نصيف إن مصر خلال السنوات السبع الأولى من ثورة 23 يوليو 1952 تلقت بعض المنح والقروض الخارجية ولكنها كانت ضئيلة للغاية ولم يترتب عليها أية التزامات ذات شأن بالدفع بالعملات الأجنبية، فالمساعدات الأمريكية لمصر خلال سنوات الثورة الأولى كانت إما معونات فنية في صورة منح لا ترد (برنامج النقطة الرابعة)، أو معونات غذائية طبقاً للقانون الأمريكي المعروف برقم 480، وهذه كانت تقدم في صورة قروض تسدد بالعملة المصرية، ومن ثم لم يترتب أية التزامات على مصر بالعملات الأجنبية.
أشار إلى إن مصر لم تتلق من هذه المعونات الغذائية خلال تلك الفترة إلا ما قيمته 17 مليون دولار، وفي سنة واحدة هي 55/1956، ولم تستأنف بعد ذلك إلا في 58/1959 وفيما عدا هذا وقعت مصر خلال هذه الفترة قرضين مع الاتحاد السوفيتي لتمويل مجمع الحديد والصلب بحلوان، ولتمويل المرحلة الأولى لبناء السد العالي قيمتها 170 و97 مليون دولار على التوالي، واتفاقاً مع ألمانيا الغربية للتعاون الاقتصادي قيمته 124 مليون دولار، ولكن لم تسحب مصر أي مبلغ طبقاً لهذه الاتفاقيات الثلاث حتى آخر 1958.
وأكد أن هذه أكثر سنوات الثورة تمثيلاً للنظام الاقتصادي الناصري فإن أغلب ما يقترن في أذهاننا بالإنجازات الناصرية في المجال الاقتصادي إنما يعود إلى هذه الفترة فهذه هي سنوات التنمية بالغة الطموح، والارتفاع الملحوظ في معدلات الاستثمار، وفي متوسط الدخل على الرغم من الزيادة السريعة في السكان، والتغير الواضح في هيكل الاقتصاد ومعدل التصنيع وهي أيضاً الفترة التي شهدت تجربة مصر الوحيدة في التخطيط الشامل وفي التدخل الجدي لإعادة توزيع الدخل ففي هذه الفترة ارتفع معدل الاستثمار من 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي (59/60) إلى 17.8% (64-1965) ومن ثم حقق الاقتصاد القومي نمواً حقيقياً زاد على 6%، وارتفع مستوى الدخل الحقيقي للفرد بأكثر من 3% سنوياً بعد ركود في متوسط الدخل استمر، كما سبق وأن أشرنا، أكثر من أربعين عاماً.
أشار إلى ان الصناعة والكهرباء قد حظيت بأكبر نصيب في الاستثمارات (نحو الثلث) اما الناتج الصناعي بمعدل 8.5% سنوياً والكهرباء بمعدل 19% وكذلك فاق معدل نمو الزراعة أيضاً (3.3%) بدرجة ملحوظة معدل النمو في السكان (2.8%).
أوضح ان صورة الهيكل الاقتصادي في نهاية سنوات الخطة أصبحت مختلفة بشكل ملحوظ عما كانت في بدايتها، فارتفع نصيب الصناعة والكهرباء في الناتج المحلي الإجمالي من 17% في 1958 إلى 23% في 1965، وزاد نصيب الصناعة في الصادرات من 18% إلى 25%.
وقال مايكل نصيف إذا كان نصيب الصناعة في إجمالي العملة لم يرتفع بنفس الدرجة، فإن العمالة الصناعية قد زادت خلال هذه الفترة بأكثر من ضعف الزيادة في إجمالي القوة العاملة، وهو ما لم يعرفه الاقتصاد المصري منذ أيام محمد علي. واقترن كل ذلك بتحسن ملحوظ في نمط توزيع الدخل، فارتفع نصيب الأجور الزراعية في إجمالي الدخل الزراعي من 25% في بداية الخطة إلى 32% في نهايتها، ونصيب الأجور الصناعية في إجمالي الدخل الصناعي من 27.5% إلى 33.4%، وزاد متوسط الأجر الحقيقي في الزراعة والصناعة بنسبة 34% و12% على التوالي خلال نفس الفترة.
أضاف أنه لم يكن غريباً أن يترتب على كل هذا أن يزيد العبء الملقى على ميزان المدفوعات وأن تظهر الحاجة إلى الاستدانة، بل الغريب أن يكون قد تم إنجاز كل ذلك دون تدهور أكبر بكثير مما حدث بالفعل في ميزان المدفوعات، ودون تورط أكبر بكثير في الديون وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه القفزة الكبيرة في معدل الاستثمار إلى زيادة الواردات من السلع الرأسمالية والوسيطة زيادة كبيرة، وأن تؤدي إعادة توزيع الدخل إلى زيادة كبيرة أيضاً في استيراد السلع الاستهلاكية فإذا أضفنا إلى ذلك الزيادة الملحوظة في الإنفاق الحكومي، وفي الإنفاق العسكري بوجه خاص لتمويل حرب اليمن، كان علينا أن نتوقع زيادة ملحوظة في عجز ميزان المدفوعات وبالفعل، بعد ما اتسمت به قيمة الواردات السلعية من ثبات في السنوات السبع الأولى للثورة، قفز المتوسط السنوي لإجمالي الورادات السلعية من 558 مليون دولار في تلك الفترة إلى 824 مليون دولار في الفترة 56-1966، أي بزيادة قدرها 48%.
وكشف خبير الاقتصاد أنه على الرغم من الزيادة الملحوظة في الصادرات السلعية وفي إيرادات مصر من قناة السويس بعد تأميمها، لم تستطع إيرادات مصر من العملات الأجنبية أن تواجه هذه الزيادة الكبيرة في الاستيراد، فزاد عجز ميزان المعاملات الجارية بحيث أصبح (في 59-1966) نحو ثلاثة أمثال ما كان عليه في (52-1958).
اشار ان مصر كان لديها في بداية هذه الفترة من الأرصدة الإسترلينية ما تستطيع استخدامه في مواجهة العجز، إذ كانت بريطانيا لا تزال مدينة لمصر في مطلع 1959 بمبلغ 80 مليون جنيه إسترليني، ولكن هذا كان أقل بكثير مما كانت مصر في حاجة إليه لتمويل استثمارات الخطة والزيادة في الاستهلاك الخاص والحكومي، فضلاً ‘ما كان على مصر مواجهته من أعباء إضافية خلال تلك الفترة أهمها ما كان عليها دفعه من تعويضات لحملة أسهم قناة السويس المؤمنة وغيرها من الممتلكات الأجنبية التي جرى تأميمها في أعقاب حرب 1956، فضلاً عن التعويضات المستحقة للسودان بسبب إغراق بعض أراضيها الذي ترتب على بناء السد العالي هذه التعويضات بلغت نحو 67.5 مليون جنيه إسترليني (27.5 مليون لمساهمي شركة قناة السويس و25 مليون للبريطانيين الذين أممت ممتلكاتهم و15 مليوناً للسودان) وذلك دون حساب ما دفع من تعويض لرعايا اليونان وفرنسا ولبنان وإيطاليا وسويسرا عن ممتلكاتهم المؤممة فإذا أضفنا إلى هذا المبلغ ما قدمته مصر من قروض ومساعدات لبعض الدول العربية والأفريقية خلال هذه الفترة (منها 10 ملايين جنيه للجزائر و6 ملايين لمالي) نجد أنه لا صحة للقول بأن الأرصدة الأسترالية المتوفرة لمصر خففت عن مصر عبء التنمية بدرجة ملحوظة. فالحقيقة أنها لم تساهم في ذلك إلا مساهمة محدودة للغاية إذا أخذنا في الاعتبار ما كان على مصر دفعه من تعويضات، وأن إجمالي المتوفر منها في بداية الخطة كان أقل من نصف حجم الاستثمارات المنفذة في السنة الأولى وحدها من سنوات الخطة.
موضحا أنه لم يكن هناك إذن مفر لمصر من أن تلجأ في هذه الفترة إلى الاقتراض ويقدر ما تلقته مصر بالفعل من مساعدات وقروض خلال الفترة الممتدة من يونيو 1958 إلى يونيه 1965 بما يعادل 800 مليون جنيه مصري، منها 300 مليون قيمة المساعدات الغذائية المقدمة من الولايات المتحدة و500 مليون من الاتحاد السوفيتي وغيرها من دول الكتلة الشرقية وبعض الدول الغربية والمؤسسات الدولية.
أشار إلى انه بمقارنة هذه الأرقام بأرقام الناتج المحلي وأرقام الاستثمار نجد أن ما حصلت عليه مصر من قروض خلال هذه الفترة كان يمثل نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن مصر اعتمدت على الاقتراض في تمويل نحو 30% من إجمالي الاستثمارات كانت هذه الأرقام تبدو للباحثين في الاقتصاد المصري في منتصف الستينيات أرقاماً مزعجة ومدعاة للقلق، كما تميل كتابات أكثر حداثة إلى الإيحاء بأن مصر قد بدأت تتورط في الديون تورطاً خطيراً منذ سنوات الخطة الأولى.
ونبه نصيف ان الحقيقة تبدو لنا الآن عكس ذلك تماماً فالذي يبدو لنا الآن، ونحن ننظر إلى تجربة هذه الحقبة بعد مرور أربعين عاماً على انتهائها، هو أن لجوء مصر إلى الاقتراض في ذلك الوقت كان مبرراً تماماً، ولم يخلق لمصر من الأعباء ما كان يصعب عليها النهوض به مع الاستمرار في التنمية، وأن الذي أوقف مسيرة التنمية منذ منتصف الستينيات ليس هو أعباء المرحلة السابقة، سواء كانت أعباء زيادة الاستثمار أو الاستهلاك، ولا حتى أعباء الإنفاق العسكري، بل الذي أوقفها هو ما تعرضت له مصر من ضغوط خارجية بدأت منذ السنة الأخيرة للخطة، وبلغت قيمتها بحرب 1967 وما ترتب عليها من آثار.
اوضح أن معيار الحكم بما إذا كان الاقتراض مبرراً أو غير مبرر، وما إذا كانت درجة الاستدانة خطيرة، لا يختلف كثيراً في حالة الدولة عنه في حالة الفرد فالعبرة ليست بالضبط بنسبة الاقتراض إلى الدخل، وإنما هي في الأساس بمدى القدرة على الوفاء بالدين، في فترة زمنية معقولة وهذه القدرة على الوفاء تتوقف بدورها على استخدامات القروض، أي ما أنفقت فيه، وعلى شروط الاقتراض.
واشار الى ان تطبيق ذلك على ديون عبد الناصر يجعلنا نميل إلى أن نصدر على تجربة الاقتراض في هذه الفترة التي نحن بصددها، حكماً إيجابياً إلى أبعد الحدود فمن ناحية استخدامات القروض، لا أظن أن أحداً يمكن أن يجادل في أن قروض عبد الناصر المدنية قد وجهت بكاملها تقريباً لزيادة قدرة مصر الإنتاجية فقروضه من الكتلة الشرقية ذهبت إما لتمويل مشروعات صناعية أو لتمويل السد العالي.
أضاف أن الجدل ما زال يحتدم بالطبع عما إذا كان نظام عبد الناصر قد "بدد" جزءاً كبيراً من الموارد الذاتية والخارجية على صناعات قليلة الكفاءة، وعما إذا كان مشروع السد العالي قد ولد من الأعباء ما قلل كثيراً من منافعه الصافية على أن القضية التي نحن بصددها الآن تختلف عن ذلك فالقضية التي نواجهها هنا ليست هي ما إذا كانت القروض قد استخدمت أفضل استخدام ممكن، يفرض أن تحقيق ذلك كان متاحاً أصلاً حتى في أحسن الظروف الداخلية والخارجية، وإنما هي ما إذا كان العائد الذي تحقق من القروض يفوق تكاليفها، فإذا طرح الأمر على هذا النحو لبدا لنا من شبه المؤكد أن تجربة عبد الناصر في الالتجاء إلى الاقتراض لتمويل التنمية كانت مبررة تماماً، حتى لو ثبت لدينا أن أخطاء معينة قد ارتكبت في توزيع الاستثمارات.
وقال نصيف ان العبرة على كل حال في تقييم تجربة ما، ليست هي في القدرة على الدفاع عن كل مشروع استثماري على حدة وإثبات كفاءته الاقتصادية، بل هي في النظر إلى توجه الاستثمارات بوجه عام ومدى مساهمتها جملة في زيادة قدرة الدولة الإنتاجية بحيث تتمكن الدولة في فترة زمنية معقولة من سداد ديونها وقد أشرنا منذ قليل إلى التغير في هيكل الاقتصاد القومي الذي أحرزته التجربة الناصرية في فترة وجيزة نسبياً، سواء كان مقاساً بزيادة نصيب الصناعة في الناتج القومي أو في الصادرات، وهو تغير عجزت مصر عن إحداثه طوال الفترة التالية لعهد محمد علي، وكذلك طوال الفترة التي انقضت منذ انتهاء الخطة الأولى في 1965 وحتى اليوم.
مشيرا إلى أنه ليس من التعسف القول بأنه حتى التجاء عبد الناصر إلى الولايات المتحدة للحصول على معونات غذائية كبيرة كان إلى حد كبير اقتراضاً إنتاجياً وليس اقتراضاً استهلاكياً فمن المتفق عليه أنه حتى المواد الغذائية يمكن أن تعتبر سلعاً إنتاجية إذا استخدمت لتشغيل أعداد أكبر من العمال في أعمال منتجة ولم تستخدم في مجرد رفع مستوى الاستهلاك للعمال المشتغلين بالفعل وهذا هو بالضبط ما حدث في الفترة التي نحن بصددها، فقد زاد عدد المشتغلين في هذه الفترة (59-60-64/1965) بمعدل يفوق بنسبة 50% معدل الزيادة في القوى العاملة وكانت أكبر معدلات النمو في العمالة من نصيب قطاعات التشييد فالكهرباء فالصناعة.
أضاف أما من حيث شروط الاقتراض فقد كانت في جملتها من أفضل ما حصلت عليه مصر من شروط في تاريخ مديونيتها الخارجية، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق. فمن ناحية القيود السياسية المرتبطة بالقروض، كانت هذه الفترة، بما اتسمت به من ظروف توازن القوى بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، هي الفترة الذهبية بالنسبة لمصر والعالم الثالث عموماً، من حيث القدرة على الاقتراض من كلا المعسكرين بأقل قدر من التضحية بحريتها في التصرف كانت هذه الفترة من الفترات النادرة، التي تذكرنا مرة أخرى بالفترة الذهبية من حكم محمد علي، التي قنعت فيها كل من الدولتين العظمتين بأن تكون الدولة الصغيرة غير خاضعة للقوة العظمى الآخرين دون أن تشترط خضوعها لسيطرتها هي.
ذكر أنه كان من الممكن إذن لدولة كمصر أن تتلقى معونات اقتصادية كبيرة من كل من المعسكرين بمجرد إثبات استقلالها عن المعسكر الآخر، فتتلقى المعونات الغذائية من الولايات المتحدة وهي في قمة تطبيقها للإجراءات الاشتراكية، وتتلقى معونات الاتحاد السوفيتي لبناء السد العالي والمشروعات الصناعية والماركسيون المصريون قابعون في المعتقلات.
أشار إلى أن الشروط الاقتصادية فكانت بالغة اليسر، سواء من حيث فترة السداد أو سعر الفائدة. فالقروض السوفيتية كانت تقدم لفترة اثنى عشر عاماً، وبسعر فائدة لا يتجاوز 2.5%. ومعونات الغذاء الأمريكية كانت تقدم في صورة قروض مستحقة الوفاء بالعملة المصرية، وعبر فترة ثلاثين عاماً، وبسعر فائدة 4%.
اضاف ان الحديث عن أسعار الفائدة الباهظة التي اقترضت بها مصر، فهي لا تتعلق إلا بالسنة الأخيرة من سنوات الخطة (64-1965) والسنوات الثلاثة التالية لها، ولم تضطر مصر إليها إلا بسبب القطع المفاجئ من جانب الولايات المتحدة لمعونتها الغذائية، وفي وقت كانت مصر تعاني فيه من تعاقب موسمين من الإنتاج الزراعي المنخفض.
أوضح أنه من الممكن بالطبع أن نعتبر أن مجرد التجاء عبد الناصر للاعتماد على المعونات الغذائية الأمريكية كان موقفاً يتسم بقصر النظر والبعد عن الحكمة، على أساس أن هذه المعونات كان لابد من اعتبارها من أول الأمر أمراً غير مضمون الاستمرار ومرهوناً بموقف الولايات المتحدة السياسي من النظام الناصري، وأن من قبيل التهور رسم خطة للتنمية على افتراض استمرار هذه المعونة هذا النقد، وإن كان لا يخلو من الصحة، فإنه أقرب إلى ذلك النوع من الانتقادات الذي يسهل توجيهه ممن ينظر إلى التجربة برمتها بعد انتهائها، وممن يعرف نهاية القصة، دون أن يقع عليه عبء المرور بالتجربة نفسها.
أضاف أنه كان من الممكن بالطبع تجنب انتكاس تجربة التنمية، الذي حدث منذ منتصف الستينيات، لو استمع عبد الناصر لرأي فريق من الاقتصاديين المصريين في نهاية الخمسينيات الذين كانوا يعتبرون أهداف الخطة مفرطة في طموحها، فقبل معدلاً للتنمية أكثر تواضعاً وأقل اعتماداً على الموارد الخارجية، أو لو أنه على العكس اختار طريقاً أشد تقشفاً فلم يسمح بزيادة معدل الاستهلاك الفردي والحكومي واعتمد على المدخرات المحلية في تمويل متطلبات الخطة فكان الطريق الثالث الذي اختاره عبد الناصر هو التمسك بمعدل طموح للتنمية مع السماح في نفس الوقت ببعض الزيادة في مستويات الاستهلاك، وهو ما أسماه في ذلك الوقت "بالمعادلة الصعبة"، من حيث أنه لم يكن في الوقع يريد التضحية بشيء: لا بمستوى الاستثمار ولا بمستويات الاستهلاك، لا بالجيل الحاضر ولا بالمستقبل و كان حل المعادلة يكمن فيما توفر لعبد الناصر من موارد خارجية، وهو حل كان لا يخلو بالطبع من مخاطرة، ولكنها مخاطرة بدت وقت اتخاذ القرار مبررة بسبب توفر الظروف الدولية المواتية.
أضاف من السهل علينا الآن أن نقول أنه كان على عبد الناصر أن يكون في نهاية الخمسينيات أقل مغامرة وأقل واقعية، ولكن الواقع هو أننا، على الرغم من كل ما تعرضت له مصر من مصاعب بعد منتصف الستينيات، ما زلنا حتى اليوم نجني بعض ثمرات مغامرة عبد الناصر وجسارته، وأن ما تعرض له الاقتصاد المصري من مصاعب منذ ذلك الوقت لم يكن بالضبط من آثار تلك المغامرة، بل كان من آثار توقفها، وأن هذا التوقف لم يكن في الأساس بسبب قطع المعونات الأمريكية، الذي كان باستطاعة مصر بسهولة التغلب على آثاره، وإنما كان في الأساس بسبب حرب 1967 التي فرضت على مصر فرضاً.
أشار إلى انه سبق أن ذكرنا من الأخطاء التي يمكن أن ترتكب، وترتكب بالفعل، في تقييم السياسية الاقتصادية المصرية منذ ثورة 1952، النظر إلى فترة حكم عبد الناصر، ابتداءً من قيام الثورة وحتى وفاته في 1970، وكأنها فترة متجانسة يمكن أن تتخذ كلها أساساً للحكم بنجاح أو فشل النظام الاشتراكي أو سيطرة القطاع العام والتدخل المركزي في الاقتصاد ففضلاً عن أن سياسة التدخل الصارم من جانب الدولة في مختلف جوانب الاقتصاد المصري لم تبدأ في الواقع إلا في اعقاب حرب 56، فإن الظروف التي تعرضت لها التجربة الناصرية منذ منتصف الستينيات تجعل من الظلم الصارخ إصدار حكم على الاشتراكية والقطاع العام بناء على أداء الاقتصاد المصري في الستينيات بأكملها.
أشار نصيف إلى الاقتصاد المصري في عهد السادات و مبارك كان يشهد نوعا من النمو ولكن ظلت الظروف المعيشية في تدهور أما في عهد مرسي فكان سيء.
و ذكر أن الاقتصاد في عهد السيسي حقق طفرة كبيرة غير مسبوقة ويعد الأفضل عبر تاريخه بعد الحقبة الناصرية فارتفع احتياطي النقد الاجنبي إلى نحو 37 مليار دولار مقابل 16 مليار دولار في 2014 كما انخفض ميزان العجز التجاري في العامين السابقين بمقدار 20 مليار دولار منها 4 مليار دولار زيادة في الصادرات المصرية للخارج وانخفاض الواردات بمبلغ 16 مليار دولار.