كثرت أعياد المصريين القدماء وتنوعت ما بين أعياد رسمية، وأخرى شعبية؛ سواء عامة على مستوى القطر، أو محلية في كل إقليم على حدة. وقد احتفل المصريون القدماء بتلك الأعياد – بشكل عام – من خلال تزيين المعابد وإضاءتها وترتيل الأناشيد وتقديم القرابين والأضحيات، لأن الأعياد عندهم كانت ترتبط في مجملها بالعقيدة ومن هذا المنطلق كانت دراسة الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية
ويشير الدكتور حسين دقيل إلى أن (حجر بالرموا) – الذي يرجع لـ 2500 سنة قبل الميلاد – يكشف لنا عن العديد من تلك الأعياد، كما تُتحفنا جدران معابد كوم أمبو وإدفو وإسنا ودندرة وأبيدوس بقوائم عديدة تحمل أسماء الكثير من تلك الأعياد، وقد تنوعت أعياد المصريين القدماء؛ ما بين أعياد رسمية؛ كعيد السنة الجديدة وعيد الفيضان، وأعياد شعبية؛ تتعلق بفئة معينة أو مناسبة معينة كعيد الميلاد وعيد الزواج، وأعياد محلية؛ خاصة بإقليم معين أو مدينة معينة كعيد ميلاد المعبود المحلي وعيد انتصاره على عدوه.
ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار موضحًا أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بعيد انتقال المعبود آمون من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر في مدينة طيبة حيث يخرج الموكب من معبد الكرنك بقيادة الكهنة الذين يحملون على أكتافهم قوارب ثالوث طيبة (آمون وموت وخونسو) - وقارب آمون لوحده كان يحمله ثلاثون كاهنًا - يخرجون من قدس الأقداس بالمعبد حتى يصلوا إلى شاطئ النيل فتُوضع القوارب المقدسة على قوارب حقيقية في النيل وتُبحر بهم جنوبا نحو معبد الأقصر، وتحتشد الجماهير على ضفة النيل الشرقية تغني وتُنشد للموكب، كما تحتشد معهم الكاهنات اللاتي يغنين الأغاني المُبهجة ويرتلن الأناشيد المُفرحة وهنّ يحملن الآلات الموسيقية، وبسبب الازدحام تقوم الشرطة بتأمين الموكب والجماهير، وعلى شاطئ النيل أمام معبد الأقصر تقف المراكب ويحمل الكهنة قوارب الثالوث على أكتافهم وتسير الجماهير خلفهم مغنين فرحين، وتقوم النساء بالرقص والعزف بالآلات الموسيقية، وعند الوصول للمعبد يقوم الملك بتقديم القرابين والأضاحي، وتظل الطقوس تُقام بمعبد الأقصر لمدة عشرة أيام قبل أن يعود الموكب مرة أخرى إلى معبد الكرنك بنفس الطريقة؛ حيث تُقام الاحتفالات هناك لمدة أحد عشر يوما أخرى.
والعجيب أن سكان الأقصر الحاليين لا يزالون يحتفلون بمناسباتهم الدينية بنفس طريقة القدماء، ففي ذكرى مولد (أبو الحجاج الأقصري) يتنزه زواره من خلال الوقوف على شاطئ النيل وعبوره بالمراكب المزدحمة على شاطئيه.
وينوه الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى عيد اللقاء الجميل وكانوا يحتفلون به عندما يتحرك موكب المعبودة (حتحور) من معبدها بدندرة، حيث يحمل الكهنة مركبها - وحولهم الجماهير المحتشدة - ويتجهوا به جنوبا عبر نهر النيل حتى يصلوا إلى معبد إدفو حيث زوجها المعبود (حورس) لتقضي معه هناك خمسة عشر يوما في لقاء جميل، وأثناء سير الموكب يتوقف عند مدينة (إسنا) حيث يُقدم حاكمها لمرافقي الموكب من الجماهير الغفيرة 500 رغيف من الخبز، و100 إناء من النبيذ، و30 كتفا من الماشية - فقد كان أهل اسنا ولا يزالون يعرفون بكرمهم - وكان كلما أبحر الموكب جنوبا كلما ازداد عدد الجماهير، وأمام إدفو وعلى شاطئ النيل ينتظر حاكم إدفو - ومعه الكهنة والجماهير - موكب حتحور التي تحل عليهم ببهجتها فيزدادوا بهاء وتألقًا، فتُقدم القرابين وتُنشد الأغاني والتراتيل، وعند الوصول للمعبد؛ يصطحب المعبود حورس المعبودة حتحور بعيدا عن أعين الجماهير فيقضوا معا الأوقات الجميلة في سعادة وهناء، وتظل الجماهير محتشدة خارج المعبد يغنون ويرقصون لمدة خمسة عشر يومًا في انتظار خروج حتحور وعودتها إلى دندرة مرة أخرى!
ويوضح الدكتور ريحان أن عيد حب سد يعد من الأعياد ذات الأهمية الكبيرة عند المصريين القدماء وهو العيد الثلاثيني، وفيه يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين لارتقاء الملك على العرش، حيث يظهر الملك وهو على عرشه في كامل قوته، والجماهير حوله فرحين مستبشرين منتظرين كلمة الملك التي يعدهم فيها بعيد ثلاثيني جديد مليء بالرخاء والازدهار، ويُبرهن لهم ذلك من خلال إعادة بناء بعض مقاصير المعبد بالذهب والفضة والأحجار الكريمة!
ويوضح الدكتور ريحان أن احتفال المصرى القديم برأس السنة كان ذا طابع خاص، وقد أطلقوا عليه اسم "وبت رنبت نفرت" أي "عيد افتتاح السنة الجميلة"، وكان الاحتفال به يبدأ مع شروق شمس يوم الـ 11 من سبتمبر "توت"، وهو الشهر الرابع لموسم الفيضان، حيث كانت السنة عندهم ترتبط بالفيضان؛ فقد لاحظ المصريون القدماء أن الفيضان ظاهرة سنوية تتكرر بانتظام، وأن نجمة الشعرى اليمانية تظهر فى الأفق مع شروق شمس ذلك اليوم، كما اعتقدوا أن الفيضان ما هو إلا عبارة عن دموع المعبودة إيزيس التي ظلت تبكي على زوجها أوزوريس بعدما قتله أخاه ست.
والسنة عند المصريين القدماء كانت – كما هي عليه الآن – اثني عشر شهرا، وفي كل شهر ثلاثون يوما، أما الأيام الخمسة الباقية فكانت – عندهم – منسية، وأنسوها حتى من تاريخهم، وكان عيد رأس السنة يستمر طوال تلك الأيام الخمسة، وكانوا يقضونها في احتفالات وأفراح خارج البيوت، وكانت الاحتفالات تبدأ من المعبد حيث يذهبون إلى المقصورة العلوية الموجودة أعلى سطح المعبد، حاملين معهم الخبز والكعك والفطائر والنبيذ، وبعد ذلك يخرجوا إلى الحقول وعلى شاطئ النيل مستمتعين بالزروع والورود والرياحين والجو الهادئ الجميل، تاركين وراءهم متاعب الدنيا وهمومها التي أرقتهم طوال العام، وكانت مأكولاتهم في عيد رأس السنة تشتمل على البط والأوز والأسماك.
وكان المصريون القدماء يصنعون الكعك على هيئة أشكالٍ هندسية متعددة، كما كانوا يصنعونه على شكل حيوانات أو زهور، وكانوا يحشونه بالتمر المجفف، ثم يقومون برصه على ألواح من الأردواز – لأنه صخر كان يسهل تقطيعه إلى ألواح – ثم يُخبز، وكان النوع المخصص لزيارة المقابر يتم تشكيله على هيئة تميمة ست "عقدة إيزيس"، وهي من التمائم التي تفتح للميت أبواب النعيم، وهكذا كان لكل عيد من أعياد المصريين القدماء رابط يربطهم بالآخرة.
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
المصريين القدماء
Previous
Next