الأغاني الشعبية تفصح عن شخصية مصر، وتعبر عن خصائص شعبها وعاداته وتقاليده ووجدانه، وسيظل الحج وشعائره أحد أهم ملامح هذا الوجدان، بما فى ذلك فنون الغناء والموال والأهازيج والابتهالات الدينية.
وبالرغم من التطورات الحديثة التى خففت الكثير من الأعباء عن الحجاج، إلا أن هذه الطقوس والشعائر مازال لها وقعها وجاذبيتها، وخاصة فى القرية المصرية التى يتحول فيها الحج إلى مناسبة جماعية لها عاداتها وسماتها الخاصة.
وزمان كان الحجاج يحملون معهم الطعام والغطاء والخيام والسلاح لمواجهة مخاطر الطريق.. وقبل أن يترك الحاج بلدته كان يُقام له موكب الوداع من قبل أهل القرية، فيجتمعون لأكثر من ليلة يودعونه فيها وكانت مراسم التوديع تبدأ بقراءة القرآن الكريم وتُختتم بقراءة القرآن أيضا، وكانوا يختارون أجمل القراء صوتاً، وجماعة لترديد المدائح النبوية وأناشيد فى وصف رحلة الحج والتشويق إلى زيارة البيت الحرام.
وما يزال الغناء الشعبي والأهازيج جزءاً مهماً من الثقافة المصرية، استخدمه المصريون على مدى العصور فى توثيق جميع جوانب حياتهم، من أعياد واحتفالات وانتصارات ونكبات، وحتى لحظات الحزن والوفاة، وكان لموسم الحج الذي يقدسه المصريون نصيب كبير فى ثقافة الغناء الشعبي، وحظي بطقوس خاصة بدءاً من لحظة البشارة بالحج، مروراً برحلة الحاج إلى بيت الله الحرام، وحتى عودته مرة أخرى إلى بلاده بعد أدائه الفريضة المقدسة.
وارتبط الحج فى الذاكرة الشعبية المصرية بنوعين من الأغاني، الأول فى الذهاب، والثاني عند عودة الحاج إلى وطنه، وكانت أغاني الذهاب دائماً هي الأكثر شهرة وانتشاراً، وتسمى «حنون» الحجاج، وتغنيها السيدات.
وفور معرفة الحاج باختياره لأداء فريضة الحج، تبدأ السيدات فى غناء أغاني التحنين، وهي مجموعة أهازيج شعبية جميلة تهدف إلى إشعار الحاج بالحنين إلى أهله حتى يعود إليهم، وكانت زفة الحجاج من أهم الطقوس الشعبية فى وداع زائري بيت الله الحرام خصوصاً فى الأقاليم.
ومن أغانى الحج التى تغنى للنساء قولهم: «رايحة فين يا حاجة.. بتوبك القطيفة.. رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة»، و«اركبي يا حاجة وردي غطاكي.. ما يرعبكيش المالح (أي لا تخافى من أمواج البحر الأحمر) دا ولدك في طولك (أي ابنك الذي بصحبتك صار كبيراً).. واركبي يا حاجة وردى غطاكي.. ما يرعبكيش الجمل ولدك وراكي».
ومن أهازيج الحج التي تغنى للرجال قولهم: «يا وابور السفر لأحني قلوعك.. سيد المرسلين يكتب رجوعك.. حج من عندنا صغير بشوشة.. السنه حجتك ومن عاش عروسة».
وقولهم: «يا حاجج يا حاجج خد اختك عديله.. تنكتب لك حجه وتبقى جميلة.. يا حاجج يا حاجج خد اختك قبالك.. تنكتب لك حجة وتسلم جمالك.. يا نبي يا نبي ياللي ندهته.. نوله حجته ورده لأهله.. يا نبي يا نبي ياللي ناديته نوله حجته ورده لبيته».