النشــر بالباقـــة

النشــر بالباقـــةسعيد عبده

الرأى1-8-2021 | 23:28

موجة جديدة اكتشفتها بالصدفة، أن هناك شيئا فى النشر اسمه الباقة.. أعمل فى هذا المجال منذ أكثر من 47 عامًا وتعلمت على أيدى أساتذة وعمالقة النشر فى مصر والوطن العربى؛ أبرزهم د. السيد أبو النجا، أحد مؤسسى اتحاد الناشرين المصريين ومعلم الأجيال فى المؤسسات الصحفية المصرية، وكذلك غيره من أجيال قديمة تعلمت وعشقت هذه المهنة، منهم عائلات مثل صبيح والحلبى وحمدى الإمبابى والحاج وهبة والخانجى، وعائلة الخضرى وأبرزهم الحاج أمين الخضرى -أطال الله فى عمره- وأشقاؤه ومن قبل والدهم. بل وأيضًا عائلة إبراهيم وأبرزهم الأستاذ محمد إبراهيم، مؤسس الصرح العملاق نهضة مصر ومطورها وأبناؤه والجيل الرابع حاصد الجوائز.. وإبراهيم المعلم وعادل المعلم وقبلهم الأستاذ محمد المعلم مؤسس الشروق وقبلها دار القلم.. قامات كبيرة وعائلات ومؤسسات راسخة لم أسمع منهم عن أشياء تحدث الآن.

وبحكم عملى كرئيس لاتحاد ناشرى مصر، وأيضًا أمين عام مساعد اتحاد الناشرين العرب، ورئيس اتحاد الموزعين العرب، ورئيس مؤسسة دار المعارف والشركة القومية للتوزيع يعنى كما يقولون ابن مهنة لم أسمع ولم يكن يخطر فى بالى أن يحضر إلى الصديق العميد هشام من مباحث المصنفات فى قضية غريبة مفادها أن مؤلفا يريد أن يحرر محضرا ضد ناشر والكتاب موجود بالرف داخل الجناح فطلبت إحضار الشاكى.. مؤلف شاب فى الثلاثينيات من عمره وبالسؤال قال لى: دخلت الجناح عند الناشر وكلى شغف وفرحة غامرة ومعى والدى وأصدقائى ليروا كتابى الأول لدى الناشر.

وكانت المفاجأة أنه توجد نسخة واحدة من الكتاب.. فقلت له قد تكون الكمية التى أحضرها من كتابك بيعت بالكامل، ولم يتبق سوى هذه النسخة.. وماذا قال لك عند السؤال؟ كانت إجابته التى ذكرها مندوب الناشر عندما يطلب نسخ يتم توفيرها.

ولكي أفهم القضية طلبت حضور مندوب الناشر من الجناح لعدم وجود صاحب الدار، وهنا كانت المفاجأة.. لم ينكر الموظف وجود نسخة واحدة فهم يتعاملون بالطبع عند الطلب ويوفرون نسخة أو عدد قليل وإذا طلب منهم يقومون بطباعة المطلوب.

سألت أليس بينكم عقد؟.. أجاب المندوب، نعم.

هو.. يقصد المؤلف اختار الباقة.. قلت أى باقة تقصد، وأنا أقصد باقة تليفون وليس كتبا!!

فقال لا، نحن لدينا ثلاث باقات بلاتينية، وذهبية، وماسية.. والمؤلف اختار الباقة التى يراها.

وكم دفع؟.. قال 450 دولارا أمريكيا!

وهل وقعت عقدا مع المؤلف؟.. أجاب نعم.. وما هى الكمية؟ ألم تحدد.. ومدة العقد؟.. وهو ما يعني أن المؤلف لا يعى حقوقه، وكان المهم بالنسبة له هو طبع الكتاب لكي يرى أصدقاؤه وأهله هذا المولود الجديد.

وطلبت معرفة كم عنوان أصدره الناشر فى الباقات المختلفة، تبين أنه أكثر من 1200 عنوان خلال عام.. مع أن الحقيقة لدى الناشر الطبيعى أن يصدر من 30 إلى
40 كتابا يمولهم وللمؤلفين حقوق عليها ويكون هناك كميات محددة على الأقل 500 نسخة فى الوقت الحالى وكانت سابقًا تصل إلى 2000 نسخة أو ثلاثة آلاف حسب المؤلف.علمًا بأن هناك بعض المؤلفين كانت تصدر لهم مؤلفات فى حدود عشرة آلاف نسخة للعنوان. إذن بحسبة بسيطة جمع هذا الناشر حوالى ثمانية ملايين جنيه على الأقل فى عام واحد.. ولم يصرف منه أكثر من عشرة فى المائة لمجرد إثبات طبع ونشر الكتاب، ومن خلال هذا الباب دخل اتحاد الناشرين فى ظل قانونه الحالى الموضوع منذ أكثر من خمسين عامًا.

هذا النظام المخترع تعريفة البسيط استغلال حاجة المبدع لخروج عمله إلى النور.. وهنا يقوم صاحب دار النشر المزعومة باستغلاله وبالباقة التى يراها من الباقات الثلاث وكل له سعر وميزة مختلفة، فى النهاية مسألة نصب لطيف تضع تحت عباءة صناعة النشر.

والذي أصبح لا يتواكب مع المتغيرات الجديدة فى عالم النشر فى العالم ومنه العالم العربى.. وهل يعقل أن يكون رأسمال الناشر العضو فى حدود 2000 جنيه التى لا تغطى تكلفة إخراج وتجهيز كتاب واحد فقط خلاف مصروفات الطبع والتوزيع.

هذا القانون أصبح قاصرا، إضافة إلى قانون الملكية الفكرية أيضًا الذى يشجع على القرصنة وانتهاك حقوق الملكية.. هذا الأمر أضعه أمام الأجهزة المعنية وأولها وزارة الثقافة التى تشرف على الاتحاد إداريًا ومن خلالها يجب أن يصدر التعديل المطلوب لهذه القوانين لحماية صناعة الإبداع وأحد أذرع القوى الناعمة، وأن تحصد مصر ثمار إبداعها وتحمى حقوق المبدعين، بمد مظلة حماية الإبداع إلى سبعين عامًا قبل أن تخرج كنوز مصر إلى دول أخرى تستثمرها وتحرمنا من حقنا الأصيل.

وأيضًا تشجع على استمرار العملية الإبداعية بدخول مبدعين جدد وهم كثر.. وأيضًا حماية استثمارات صناعة النشر فى مصر.. كم من أقلام كتبت فى هذا الملف ومن واقع مسئوليتى أتوجه بالنداء إلى كافة الوزارات المعنية للإسراع فى إنقاذ هذه الصناعة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.

مشاكلنا كثيرة وأهمها المظلة التشريعية التى تحمى الحقوق وتنظم كافة أمور الصناعة لكى تستمر وتزدهر فى الوقت الذى يصارع فيه الناشر عوامل أخرى كثيرة.. مثل ارتفاع تكلفة الإنتاج ونقص منافذ التوزيع وأيضًا ارتفاع التكاليف بالمقارنة بالعائد نحن نضرب فى مقتل.

أملنا كبير فى الاستجابة وإخراج القانون فى ظل الدورة البرلمانية الحالية.. وخاصة أن المجلسين التشريعيين يضمان عددا كبيرا من النواب الذين يعرفون ويعلمون قيمة الثقافة وهموم الناشر المصرى.

وفى ظل ما نحن فيه يظهر النشر بالباقة، وغيره من الاختراعات التى تئد الإبداع من مدعى النشر.

أضف تعليق