بين مطرقة الأمريكان وسندان طالبان

بين مطرقة الأمريكان وسندان طالبانعاطف عبد الغني

الرأى20-8-2021 | 17:37

(١)

شربنا من الكأس فى «الربيع» فأدركنا مكوناته فى الخريف.. دعاة الإنسانية يتعاملون معنا على أننا بشر من الدرجة الثانية والثالثة، هذه ثقافة الرجل الأبيض الذى يبسط وصايته علينا، منذ عقود مضت، ويشرعّون حقوقا ويراقبون بصرامة تنفيذها ضاربين بقيمنا وأخلاقياتنا عرض الحائط.. لا بأس ديننا نحن أيضا عرفنا كل الحقوق، وأوصانا خيرا بكل مخلوقات الله، ليس فقط البشر، ولكن أيضا الحيوان، والطير والحشرة والجماد، وعرفنا أنها تضمن التوازن البيئى، وتحمل من المعجزات فى خلقها ما يصعب على عقل الإنسان إدراكه، وعرفنا ديننا الخير والشر، والطيب والخبيث، لكن نفر من بنى جلدتنا ومعتنقى عقيدتنا، أساءوا فهم مراد الله فى عمارة الأرض، وأولوا آياته تأويلات خاطئة مردها الجهالة الدينية، فصاروا وصرنا معهم مثالا وأضحوكة، وانتهز أعداء الأمة هذه الكارثة التى حلت بالأمة وغذوها حتى صارت ظاهرة، وراحوا يحسبونها على الإسلام، وليس المسلمين، ومن أين لهم أن يعرفوا الإسلام وأصحابه يشوهونه؟!.

(٢)

فى أفغانستان، ولدت حركة طالبان قبل ما يقرب من نصف قرن، أحد التنظيمات الجهادية التى استخدمها الغرب فى مخططه أثناء الحرب الباردة للقضاء على خصمه الشيوعى، الاتحاد السوفيتى، وتفكيكه، بالتوازى مع أساليب أخرى تم استخدامها فى الداخل السوفيتى، وتم إقناع الحكام العرب بدفع أموالهم، وأبنائهم للجهاد فى أفغانستان لصد التمدد الشيوعى، وانتهى الصراع بانهيار الاتحاد السوفيتى، وإعلان الغرب انتصار الليبرالية الرأسمالية النهائى، على كل الأيدولوجيات، لكن الإمبراطوارية الأمريكية، التى تتغذى على دماء البشر، لن تبقى إمبراطورية، ولن تربح المليارات دون حروب، والحروب تتطلب عدوا وتعبئة الجماهير لخوضها، ووجد الغرب فى الإسلام العدو الجديد، وبدأت حرب التعبئة بتحويل دين الله إلى أيدلوجية تملأ فراغ الشيوعية، وفى الوقت الذى بدأ فيه الغرب حرب الإسلام بدفع العراق لغزو الكويت، كان المجاهدون فى أفغانستان يبحثون أيضا عن عدو يحاربونه بعد أن انتهوا من حرب السوفيت، وتفرقوا فى أركان الدنيا يبحثون عن هذا العدو، من أفغانستان إلى الشيشان، والبوسنة، والفلبين، والصومال، والسودان، وأماكن أخرى، صبية وشباب وعجائز ونساء، يعيشون حياة بدائية فى الجبال والكهوف، لم يأخذوا من حضارة الغرب إلا آلات التدمير وما يعينهم على الحرب، وبدوا فى صورتهم تلك كأنهم وحوش، عطلت عقولها، أو خلت أفئدتها من المشاعر الإنسانية، وجعل الغرب من هذه الصورة نمطا للمسلمين «ستريوتايب» وتكفلت الدعاية بخلق ما يسمى بـ «الإسلاموفوبيا» لحبس الإسلام والمسلمين على الدوام فى قفص الاتهام.

(٣)

وظاهرة الأصولية المتشددة، موجودة فى الأديان الإبراهيمية الثلاثة، والمتطرفون موجودون بين المسيحيين، واليهود، كما هم بين المسلمين، لكن يتفرد الأخيرون بأن جزءا كبيرا من أفكارهم وميراثهم العقيدي، وأدبياتهم تدفعهم لتوجيه سلاحهم لصدور شعوبهم، وأنظمتهم الحاكمة، لدواع وتفسيرات كثيرة شاعت معرفتها الآن، ومن هذا المنطلق بدأ الإخوان، وكل التنظيمات التى ولدت من رحمهم، حروب الداخل للوصول إلى السلطة، وفرض التغيير أو أسلمة الشعوب والدول (المسلمة أصلا) من جديد، ومارسوا فى هذا التغيير من أسفل لسنوات طويلة قبل أن تتوحش تنظيماتهم المسلحة، من الجماعات والحركات، وأحدثها القاعدة وداعش وبينهما طالبان لتعيث فى الأرض خرابا.

(٤)

واليوم يتجدد فصل جديد من صراع الشرق والغرب، فى الفناء الآسيوى الخلفى (أفغانستان)، ويوظف الغرب مجددا طالبان، ضد السوفيت والصين، لصالح صراعه ضدهما، وبين مطرقة الإمبريالية (الاستعمار) الغربى ومخططاته، وسندان الجماعات الإرهابية المنسوبة زورا وبهتانا للإسلام يندحر أغلبية الشعب الأفغانى، الذى يسدد فاتورة فرضت عليه منذ ما يقرب من نصف قرن عانى خلاله كل أنواع العذاب.. وحتى الآن لا ملاذ ولا ملجأ له إلا الله.

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2