«ماكو» .. كتابة متواضعة أغرقت الفيلم!

«ماكو» .. كتابة متواضعة أغرقت الفيلم!محمود عبد الشكور

الرأى19-9-2021 | 17:06

تعبتُ من تكرار بديهية معروفة وهي أنه بدون سيناريو جيد، لن يكون لديك فيلم جيد، مهما أتقنت كل عناصر الفيلم الأخرى، ومع ذلك مازلنا نرى سيناريوهات تغرق أفلاما، وكأن أحدا لا يقرأ ولا يلاحظ الثغرات قبل التصوير.

فيلم «ماكو»، الذي كتبه قصته أحمد حليم، واشترك أيضا في سيناريو الفيلم مع محمد حفناوي، وأخرجه هشام الرشيدي، ليس استثناء من هذه الكارثة، بل ما يغيظ حقا في هذا العمل هو أنه فيلم فيه جهد كبير وطموح لصناعه في تقديم فيلم مصري تدور معظم أحداثه تحت الماء، ويضيف إلى تجربة المصور الكبير سعيد شيمي في أفلامه التي صورها تحت الماء مع مخرجين مثل نادر جلال، وفيلمنا الجديد يستفيد فعلا من إمكانيات الخدع البصرية، والمؤثرات الصوتية، ويقدمها في شكل جيد جدا ومختلف، وفي صورة متقنو بلا جدال وهذه إضافة شكلية تستحق التنويه.

ولكن مع تواضع ال سيناريو وتشوشه، وعدم دراسة البناء النفسي للشخصيات، أو تحديد دوافعها، لا يمكننا الحديث عن فيلم جيد، رغم الجهد المبذول، ورغم حشد الممثلين داخل الفيلم، مثل بسمة و نيكولا معوض وفريال يوسف وناهد السباعي ومحمد مهران وعمرو وهبة، بل إنهم استعانوا بالممثل التركي مراد يلدريم، لأسباب تسويقية فيما يبدو، فالرجل لم يفعل شيئا مميزا، وسرعان ما نزل الى الماء، لتخطف أسماء القرش منه الأضواء، وظهر الممثل الأردني منذر رياحنة فى دور قصير، يؤدي شخصية شريرة، وحسبما فهمت فهو هارب من السجن ويستعينون به فى مركب، ويريد أن يغتصب فريال يوسف طوال الوقت، وهو صعيدي شرير جدا والسلام.

فى كل جزء تقريبا من ال سيناريو مشكلة، فالفيلم يبدأ وقد خسرت رنا (بسمة)، جائزة أفضل فيلم تسجيلي، ليفوز بها زوجها شريف ( نيكولا معوض)، هي صاحبة شركة لإنتاج الأفلام الوثائقية، وواقعة خسارة الجائزة بعد إعلان فوزها تمزقها، ولديها مأساة سابقة عندما تسببت حادثة لشريف فى عدم قدرتها على الإنجاب، المهم أننا نتصور أنها ستنفصل عن زوجها بسبب الإحباط، ولكنها على العكس، ستغضب قليلا، ثم تصالحه، وتعود إلى عملها بحثا مع زملائها، عن فكرة فيلم تسجيلي جديد، وستجد ضالتها فى فكرة تصوير فيلم تحت الماء عن العبارة المصرية الغارفة سالم اكسبريس، التي ما زالت بقاياها تقبع تحت الماء.

قد تتخيل مثلي أن رنا تريد أن تصور فيلما عن غرق العبارة، ولكن ما يلفت نظرها هو حكاية الطاقة السلبية التي تنشأ لدى الغواصين تحت الماء (!!!)، وسيؤدي ذلك الى تشوش حقيقي عندما ننزل مع فريق الشركة بأكمله، بما فيهم المنتج المنفذ، تحت الماء، وبافتراض أن الجميع من الغواصين المهرة، وكأنهم ينتظرون فرصة عمل فيلم فى الأعماق، فإن رحلة الغوص حول وداخل سالم اكسبريس ستتوزع فى ثلاثة اتجاهات: اختبار الطاقة السلبية، وهي فكرة رنا، والهرب من أسماك القرش، التي تجمعت على رائحة الدم، حيث يقوم بعض الصيادين بوضع الدم فى الماء لصيد القرش، أما المحور الثالث فهو تذّكر غرام (ناهد السباعي)، إحدى عضوات الفريق، وصاحبة فكرة الفيلم عن العبّارة، لمأساة أسرتها داخل السفينة عند غرقها فى الماضي، حيث تشعر غرام بالذنب لأنها أغلقت وهي صغيرة الباب بالمفتاح على أمها داخل غرفتها فى سالم اكسبريس، وعليك أن تصدق أن غرام قد اقترحت الفيلم التسجيلي، لمجرد أن تتذكر على الطبيعة ما يفترض أنها عقدة ذنبها، أو الذكرى الوحيدة التي تهرب منها، وهذا يؤكد ما قلته من قبل من أنه لا توجد دراسة نفسية جيدة للشخصيات وسلوكها، وإلا لكان رد فعل غرام هو الهرب من الغوص، لا الذهاب بنفسها إلى العبّارة، وتذكر كارثة الأم ومأساتها!!

ستلاحظ هذا التشوش فى تحديد الدوافع عندما يتحول تيمور (عمرو وهبة)، أظرف شخصيات الفيلم، إلى شخصية أنانية فجاة، متجاوزا حتى شقيقه الشرير المدمن زياد (محمد مهران)، فجاة صار تيمور شريرا يخطف تانك الأكسجين من زميله الذي أصيب بغيبوبة سكر فى الماء، وبينما أتاحت الأجهزة الحديثة للغواصين أن يتبادلوا الحديث، فإن المخرج هشام الرشيدي، الذي أجاد توظيف المونتاج وأحجام اللقطات والموسيقى والمؤثرات، ومنح مشاهد الأعماق كثيرا من الإثارة والإيقاع المتوتر، قد فشل فى المقابل فى إدارة ممثليه فى مشاهد الأعماق، فقد أخذوا يتكلمون بنبرة صوت لا أثر فيها للإرهاق، بل وبدا وكأنهم على راحتهم تماما فى الجدل والشجار، فى الوقت الذي نعرف أنهم مهددون بالموت، وبأن الأكسجين على وشك النفاذ، والحقيقة أن فكرة الاختباء من أسماك القرش داخل حطام العبارة، تبدو كفكرة كوميدية، أو هي أقرب إلى لعبة «الاستغماية»، والمدهش أن ال سيناريو يتذكر حكاية رنا وشريف مرة أخرى، فيجعل شريف يؤكد حبه من جديد وهو يموت، مع أنه كرر ذلك من قبل، أما على المركب المرافق للغواصين، فقد تكفلت شخصية الشيخ حمزة، ويبدو والله أعلم أن والد غرام وهي لا تدري، وشخصية الصعيدي الشرير الذي يريد اغتصاب امرأة، بينما تحاصر السفينة أسماك القرش، تكفلت الشخصيتان بإفساد كل شيء، ويبدو أنها خطوط مبتورة متبقية من سيناريو مفكك من الأساس.

لن تتوقف المفاجآت حتى مشاهد النهاية، فبعد القضاء على فريق الفيلم والغوص، باستثناء بسمة، نراها وهي تتسلم جائزة فى مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي، وهو بالمناسبة مهرجان عجيب لا يوجد به متسابقون سوى رنا وزوجها شريف، فمرة يفوز شريف، ومرة تفوز بسمة، ولكنها هنا ترثي زملاءها البلهاء، الذين لم يصوروا شيئا، وإنما راحوا يبحثون عن الطاقة السلبية ، فابتلعتهم أسماك القرش، وأحدهم (زياد) لا نعرف بالضبط لماذا هو شرير وناقم على رنا؟، ولماذا أصر هذا الأحمق أن ينزل تحت الماء مع أنه مدمن للمخدرات، ومع أنه منتج وليس مصورا؟!!

هذه كتابة هزيلة مبتدئة تهدر جهدا كبيرا، تحت الماء فريق نجح أفراده فى إعداد مسرح كامل للسفينة الغارقة، واكسسوارات مدهشة لمتعلقات ركاب سالم اكسبريس، وهناك مؤثرات بصرية وسمعية ممتازة، وإضاءة جيدة من محمود بشير، الذي قام بالتصوير تحت الماء أيضا، وهناك موسيقى هشام خرما المميزة بالذات فى مشاهد مهاجمة القرش، ولكن كل ذلك ضاع بسبب الكتابة الهزيلة، بل إنني دخلت وخرجت من الفيلم دون أن أعرف معنى عنوانه، لا إشارة واحدة فى الحوار تفسر لنا معنى كلمة «ماكو»، ويبدو أن الكلمة مفقودة، وما زال البحث جاريا عنها مع متعلقات ضحايا العبّارة «سالم اكسبريس».

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2