جميل راتب، هو أحد الفنانين الذين وصلوا إلى العالمية بأكثر من فيلم، مثل الفيلم الأمريكى "Trapeze" والفيلم الفرنسى - التونسى - البلجيكى "A Summer in La Goulette" وكذلك الفيلم الفرنسى "To Commit a Murder"، والفيلم الأشهر لورانس العرب، ويشعر المشاهد بقرب جميل راتب منه منذ اللحظات الأولى، فهو مصري ابن بلد، وابن الذوات الارستقراطي، وتاجر المخدرات المثقف، وتمر اليوم ذكرى رحيل المعلم بهظ "جميل راتب" الذي رحل عن عالمنا يوم 19 سبتمبر عام 2018، عن عمر ناهز 92 عاما.
ولد جميل راتب يوم 18 أغسطس عام 1926، بالقاهرة، لأب مصري مسلم وأم مصرية صعيدية، ابنة شقيق الناشطة المصرية هدى شعراوي، وليس كما يشاع أنه من أم فرنسية، كلٌ منهما من أسرة غنية محافظة، أنهى التوجيهية في مصر وكان عمره 19 عاماً، دخل مدرسة الحقوق الفرنسية، وبعد السنة الأولى سافر إلى باريس لإكمال دراسته، وقرر دراسة التمثيل فى السر بعيدا عن عائلته التى كانت ترفض عمله بالفن، وبسبب ذلك تم إيقاف المنحة التى كانت تبلغ 300 جنيه، وفي عام 1947 عاد إلى القاهرة لأسباب عائلية.
تألق مبكر في حياة جميل راتب
في بداية الأربعينيات، وأثناء دراسته بالمدرسة، حصل جميل راتب على جائزة الممثل الأول وأحسن ممثل على مستوى المدارس المصرية والأجنبية في مصر، وعلى عكس ما هو معروف أن البداية الفنية ل جميل راتب كانت في فرنسا من خلال خشبة المسرح، حيث أكد هو في أحد الحوارات أن البداية الفنية الحقيقية كانت في مصر عندما شارك عام 1946 في بطولة الفيلم المصري "أنا الشرق" الذي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية كلود جودار، مع نخبة من نجوم السينما المصرية في ذلك الوقت منهم جورج أبيض، حسين رياض، توفيق الدقن، سعد أردش، بعدها سافر إلى فرنسا ليبدأ من هناك رحلته الحقيقية مع الفن، حيث أهلته ملامحه الحادة لأداء أدوار الشر.
بداية رحلته إلى العالمية
عقب عرض فيلم "أنا الشرق" شاهده الكاتب المسرحي الفرنسي أندريه جيد في "أوديب ملكاً"، فنصحه بدراسة فن المسرح في باريس، فقبل النصيحة، ونفذها بالفعل، وفي نفس الوقت شارك في بطولة العديد من الأفلام المصرية، وأصبح الفرنسيون يطلبونه في أدوار البطولة، فعمل 7 أفلام كبرى، كما عمل أيضا في بطولة ثلاثة أفلام تونسية إنتاج فرنسي مصري مشترك، في ذلك الوقت.
بعد عودته للقاهرة رشح لدور الضابط في فيلم "الكرنك" الذي لعبه كمال الشناوي، الا أنه اعتذر عنه، ثم رشحه صلاح أبو سيف لدور مهم في فيلم "الكداب"، قبل أن تنهال عليه الأدوار من كل مخرجي السينما تقريباً، وهو ما دعم موقفه في السينما الفرنسية.
كذلك خاض تجربة الإخراج المسرحى وقدم مسرحيات مثل "الأستاذ" من تأليف سعد الدين وهبة، ومسرحية "زيارة السيدة العجوز"، التي اشترك في إنتاجها مع محمد صبحي، ومسرحية "شهرزاد" من تأليف توفيق الحكيم، وقدم أكثر من 70 فيلماً مصرياً،وعدد كبير من أفلام السينما العالمية.
عمل الراحل جميل فى مهن كثيرة قبل شهرته، منها "شيال" فى سوق الخضار، وكومبارس في بعض الأعمال التليفزيونية، ومترجما، ومساعد مخرج، الا ان أول ظهور سينمائى له كان عام 1946 فى فيلم "أنا الشرق" مع الممثلة الفرنسية كلود جودار، ثم عاد إلى فرنسا، وعمل مع النجم العالمى أنطوني كوين كمساعد مخرج فى عرض مسرحي، ويعد فيلم "الصعود إلى الهاوية" نقطة التحول الرئيسية فى مشواره مع السينما المصرية، وشارك فى بطولة فيلم "لورانس العرب" مع الفنان عمر الشريف عام 1962.
تزوج راتب مرة واحدة فقط، من فتاة فرنسية كانت تعمل بالتمثيل، تدعى "مونيكا مونتيفير"، اعتزلت التمثيل بعد ذلك، وتفرغت للعمل كمديرة إنتاج، ثم منتجة منفذة، ثم مديرة مسرح الشانزليزيه، إلا أنها تعيش في باريس، عندما كان يذهب إلى باريس يقوم بزيارتها في بيتها الريفي، لأنهما شبه منفصلين منذ فترة طويلة، لكنه يكن لها احتراماً وتقديراً.
وكشف راتب في أحد لقاءاته، أنه تزوج من سيدة فرنسية مسيحية، وكان هناك احترام متبادل بينهما، حيث تحترم هي ديانته التي يعتنقها، وهو نفس الأمر الذي يبادلها به، مشيرا إلى كون الصعوبة كانت ستظهر في حال كان لديهم أولاد، حيث كانت زوجته تفضل أن يكون أبناؤها على نفس ديانتها، وهو ما علق عليه قائلا: "ده كان هيبقى سبب نقاش بينا احنا الاتنين"، لافتا إلى أن مشروع الأبناء كان صعبا ومؤجلا بسبب هذا الأمر، كما أنه لم يرغب بعد هذه الزيجة في الارتباط بسيدة أخرى وإنجاب الأبناء منها، حيث كان يرى أن أهم أمر في حياته هو الفن، وهو ما كان يكتفي به.
تكريمات وجوائز في حياة راتب
تم تكريم جميل راتب عدة مرات، خلال مشواره الفني، منها "تكريمه من مهرجان القاهرة السينمائي عام 2005، تكريمه في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في الدورة السابعة 2017، تكريمه من نقابة المهن التمثيلية عن مجمل أعماله 2015، تكريمه من منظمة الأمم المتحدة للفنون عام 2018، خلال احتفالها السنوي بعيد الأب، تكريمه من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى في دورته 33 عام 2016".
توفي جميل راتب يوم 9 محرم عام 1440 هـ الموافق 19 سبتمبر 2018 بعدما معاناه مع أمراض الشيخوخة، انتهت بفقدان صوته قبل أن يلقى ربه عن عمر 92 عاما.
3 مواقف إنسانية أثرت في جميل راتب
قال جميل راتب في أحد اللقاءات التليفزيونية، ردا على سؤال عن أشخاص يوجه لهم الشكر في مواقف بحياته الشخصية أو الفنية، فرد قائلاً: «أود أن أشكر كلاً من عاملة النظافة وسائق الأتوبيس، وسائق الأجرة، هؤلاء الأشخاص الثلاثة قدموا لي السعادة في 3 مواقف مختلفة، وهي: (سائق الأتوبيس.. عندما رآني في الزمالك قام بإيقاف الأتوبيس وتركه لكي يرمي علي السلام، ويتوجه لحافلته مرة أخرى ويتحرك بها، فهذا بالطبع موقف أسعدني)».
الموقف الثاني: «عندما كنت في مطار القاهرة جاءت سيدة مسئولة عن النظافة، وجلبت لي زجاجة مياه غازية كهدية لي، وبالنسبة لها هي شيء كبير، وبالنسبة لي أنا أيضًا هدية كبيرة أسعدتني».
الموقف الثالث عن سائق الأجرة: «عندما كنت عائدًا من المطار طلبت (تاكسي)، وبعد دردشة مع السائق وعن حياته وأطفاله قام بسؤالي حضرتك عندك أطفال قلت له للأسف (أنا مبخلفش)، وكان الرد الذي أسعدني منه: (لا تقلق إحنا كلنا ولادك)».