لايوجد بين جميع الشعوب الذين احبهم من يعادل المصريين في قلبي ، هذه الكلمات كانت ضمن رسالة بعثها الشاب جان فرانسوا شامبليون ( 1790 - 1832 ) إلى أخيه ذات مرة ، إذ كان شامبليون والذي لقب ب"المصري" متيما بمصر و شغوفا بمعرفه اسرار حضارتها القديمه ، حتى انه سقط مغشيا عليه في 14 سبتمبر 1882 عندما هرول إلى أخيه ، ومعه أوراق عديده تحتوي على اكتشافه لفك طلاسم اللغة الهيروغليفية وتقديمها للعالم اجمع ، في انجاز يستحق الاحتفاء به على مدار عقود .
وفي عام 1922 نشرت صحيفه الاهرام في عددها الصادر في 24 يناير خبر عن اعلان سكرتير معهد الاثار والاداب في باريس الاحتفال في 22 سبتمبر من العام ذاته بمناسبه مرور مئه عام على هذا الحدث ، بمشاركه كليه الدروس العاليه والجمعيه الاسيويه ، وجاء في الخبر نصا " ونحن لا نشك ان مصر التي جنت الفوائد الجلية من وراء اكتشاف شامبليون ستشترك بما يليق بكرامتها القوميه ومنزلتها الادبيه في احياء هذه الذكرى ذكري كشف تاريخها المجيد واثار مدينتها العريقه في القدم " ، وتتابع " الاهرام " الاحتفالات بذكرى فك طلاسم حجر رشيد ، فبعد مرور 150 عاما على هذا الاكتشاف ، وفي عدد " الاهرام " بتاريخ 27 سبتمبر 1972 جاء تحقيق كتبها الصحفي الكبير كمال الملاخ ( 1918 – 1987) في بابه اليومي " من غير عنوان " ووفقا للملاخ فان شامبليون كان في التاسعه من عمره عندما عثر الضابط المهندس الفرنسي فرنسوا بوشار( 1771- 1822 ) على حجر من البازلت الاسود على احد جدران قلعه سان جوليان - قلعه قايتباي الان في برج رشيد - وذلك اثناء الحمله الفرنسيه على مصر ( 1798 – 1801).
ويستكمل كمال الملاخ ، شارحا أصل حجر رشيد ، فيقول انه يعود الى عهد بطليموس الخامس (210 - 180 ق . م ) وقام بنقشه كهنه بتاح فى منف عام 196 ق . م تقديرا منهم له بعد اعفائهم من الضرائب .
وحجر رشيد هو الحجر الاشهر فى العالم كله ،هذا الحجر كان السبب الرئيسى لمعرفة التاريخ والحضرة الفرعونية العريقة حينما تم فك رموز اللغة الهيروغليفية من خلال حجر رشيد.
ماهو حجر رشيد؟.. وما هو تاريخه ومن الذى قام بفك رموز الحجر وبالتالى فك رموز اللغة الهيروغليفة؟
حجر رشيد هو نصب من حجر الجرانودايوريت مع مرسوم صدر في ممفيس، مصر، في 196 قبل الميلاد نيابة عن الملك بطليموس الخامس. يظهر المرسوم في ثلاثة نصوص: النص العلوي هو اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية المصرية، والجزء الأوسط نص الهيراطيقية، والجزء الأدنى اليونانية القديمة. لأنه يقدم أساسا نفس النص في جميع النصوص الثلاثة (مع بعض الاختلافات الطفيفة بينهم)، الحجر يعطي مفتاح الفهم الحديث للهيروغليفية المصرية.
ويعتقد أن الحجر قد تم عرضه أصلا ضمن معبد مصري، وربما بالقرب من صا الحجر. ربما كان قد نقل خلال المسيحيين الأوائل في العصور الوسطى، وكان يستخدم في نهاية المطاف كمادة بناء في بناء طابية رشيد بالقرب من مدينة رشيد (رشيد) في دلتا النيل. تم اكتشافه هناك في عام 1799 على يد جندي يدعى بيير فرانسوا بوشار من حملة نابليون على مصر. وكان هذا أول نص بلغتين مصري قديم تعافى في العصر الحديث، وأنه قد أثار اهتمام الجمهور على نطاق واسع مع قدرته على فك هذه اللغة القديمة غير مترجمة سابقا.
وقد نقش عام 196 ق.م. وهذا الحجر مرسوم ملكي صدر في مدينة منف عام 196 ق.م. وقد أصدره الكهان كرسالة شكر ل بطليموس الخامس لأنه رفع الضرائب عنهم، وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطقية والإغريقية، وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لايفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الثلاثة كانت وقتها من اللغات الميتة، حتى جاء العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص هيروغليفية أخرى، وهذا يدل على أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة لمصر لأكثر من 150 عاما، وكانت الهيروغليفية اللغة الدينية المقدسة متداولة في المعابد، واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وكان قد ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه. وكان محتوى الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. وكان العالم البريطاني توماس يانج قد اكتشف أن الكتابة الهيروغليفية تتكون من دلالات صوتية، وأن الأسماء الملكية مكتوبة داخل أشكال بيضاوية (خراطيش)، وهذا الاكتشاف أدى إلى أن فك العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون رموز الهيروغليفية عام 1822 م، لأن النص اليوناني عبارة عن 54 سطرا وسهل القراءة مما جعله يميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية. وبهذا الكشف فتح آفاق التعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها، وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد موتها عبر القرون. وأصبحت الهيروغليفية وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات. والحجر أخذه البريطانيون من القوات الفرنسية، ووضعوه في المتحف البريطاني.
" الفتى " مكتشف اللغه الهيروغليفيه
اما عن مكتشف الهيروغليفية فيقول المؤرخ ابراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب ومؤلف كتاب حجر رشيد وعلم المصريات كان يوم 22 سبتمبر من عام 1822 هو اليوم الذي كتب فيه " الفتى " شامبليون - كما كان يلقب بعد ولادته- الى احد زملائه خطابا يخبره فيه بنجاحه في قراءه اللغه الهيروغليفيه على الاثار المصريه القديمه .
ورغم ان شامبليون قدم التقرير الخاص باكتشافه سر حجر رشيد الى معهد العلوم والفنون الجميله في باريس في 27 سبتمبر من عام 1822 ، الا ان فرنسا احتفلت بالذكرى المئويه لفك طلاسم حجر رشيد فى 10 يوليو 1922 ، حيث ان جميع الاوروبيين و غيرهم يتواجدون في باريس في ذلك التوقيت من العام ، وذلك وفقا لعدد الاهرام الصادر في 1 يوليو 1922 ، والذي نشر به تقرير صحفي بعنوان " ذكرى شامبليون .. مكتشف سر الهيروغليفي في حجر بقلعه رشيد .. مؤسس اكتشاف التاريخ المصري القديم " ، وكان هذا التقرير هو عرض لمقدمه كتاب قامت بتأليفه موظف من موظفي المتحف المصري ، ومما جاء في التقرير : " ولما كان حضره الفاضل الاديب انطون افندي ذكرى من موظفي المتحف المصري قد عني بوضع تاريخ جامع عقد النيه على طبعه بعد انجازه ، فانه يسرنا بهذه المناسبه ان ننشر مقدمه كتابه ونبذه منه صغيره ومما قاله في شامبليون " .
ويضيف العنانى : " لم يتعرض مؤرخو اليونان كهيرودوت وديودور الصقلي لذكر شيء من علوم واداب قدماء المصريين لانهم لم يكن لهم المام باللغه الهيروغليفيه ، ولا اقل رابطه بالطبقة العاليه المتعلمه من الكهنه او الكتبه بل كانت كل علاقتهم بالطبقه الجاهله من الكهنه الذين كانوا يرون لهم جميع الخرافات الخاصه بالفراعنه العظام ، ولهذا اندثرت جميع علومنا وفنونا و صناعتنا القديمه وتغيرت ادابنا السامية وعاداتنا المقدسه حتى نشأنا جهلاء بسبب افعال هؤلاء الدخلاء ، ثم افاض الله تعالى علينا من نفحاته فهيأ لنا من ارشدنا الى مجدنا السابق الا و هو شامبليون احد ابناء فرنسا العظام فحل رموز لغه اجدادنا وقرا ما نقشه على جدران الاهرام والمقابر وما كتبوه على الاوراق البرديه من اثار علومهم وفنونهم و صناعتهم ، فوقفنا على حقيقه تاريخنا السابق " .
تركه شامبليون .. قاموس و مذكرات
ويضيف المؤرخ ابراهيم العنانى في نفس التقرير وتحت عنوان فرعي " لمحه في تاريخ حياه شامبليون " ، كتب انطون ذكرى : " ولد جان فرانسوا شامبليون في مدينه فيجاك سنه1790 من سلاله الاسره المالكه ولقب بالفتى ، كان ذكيا عرف بدون معلم في السنه الثالثه عشره من عمره اللغات العبرانيه والكدانيه و السريانيه واليونانيه والعربيه والصينيه وامتاز بمعرفه اللغه القبطيه ، وكان يميل كثيرا لمعرفه اللغه الهيروغليفيه وساعده في ذلك ما قرأه في كتب اليونان والرومان باللغه القبطيه ، ومن حسن الحظ انه عثر على حجر رشيد و مسلة فيلا المكتوب عليهما اسماء الملوك باللغتين الهيروغليفيه واليونانيه ، وبعد بحث واستقصاء اكتشف الاحرف الابجديه الهيروغليفيه ، اراد شامبليون بعد ذلك معرفه مداولات هذه اللغه فاتقن اللغه القبطيه التي هي نفس اللغه الهيروغليفيه لكنها مكتوبه باحرف يونانيه وسافر الى ايطاليا وزار متاحفها و أتى مصر والنوبه و أقام سنتين في هذه الرحله ، ولم يزل يجد في البحث ، و يمعن في الفحص حتى فاجاه الموت في 4 مارس 1832 وله من العمر 42 سنه ، واخر ما نطق به " اترك أجروميتى وقاموسي ومذكراتى في اللغه الهيروغليفيه كبطاقة للخلف " .
مينو يخفى حجر رشيد بين ملابسه
اما الكاتب الكبير الفريد فرج ( 1929 - 2005 ) ، فكتب في عدد الاهرام الصادر بتاريخ 17 اغسطس 1997 حكايه حجر رشيد ، وذلك بمناسبه مرور الذكري الـ 175 فوصفه بانه حجر يساوي وزنه ذهبا ، و يحكى انه بعد العثور على حجر رشيد ، ارسله الجنرال جاك فرانسوا مينو ( 1750 - 1810 ) الى المجمع العلمي الفرنسي بالقاهره ، وكان منقوشا عليه ثلاثه نصوص ، هيروغليفي وديموطيقى ويوناني . وبدا علماء الحمله الفرنسيه من اعضاء المجمع في نقل النقوش من الحجر الى الورق ، وذلك عن طريق دهان النقوش بحبر الطباعه ثم الضغط بالورق عليها ، وارسلوه الى باريس حتى يستطيع علماؤها فك طلاسمه ..
ويشير فرج إلى أن القوات البريطانيه والعثمانيه احكمت الحصار على الفرنسيين حتى استسلموا ، وكان من ضمن شروط التسليم التنازل عن كل الاثار المصريه واوراق البردى وغيرها ، وتم بالفعل تسليم جميع الاثار عدا حجر رشيد ، والذي اخفاه الجنرال مينو في امتعته ، ولكنه فشل واضطر لتسليم الحجر للانجليز في احد شوارع الاسكندريه . ووفقا لفرج فان من روى هذه الواقعه هو مدني انجليزي و خبير اثار يدعي ادوار كلارك .
ويعد حجر رشيد الموجود حالياً في المتحف البريطاني أكثر القطع التي يزورها زوار المتحف .
و الحجر الأثري المصري النادر استولي عليه الانجليز من ايدي الفرنسيين بعد هزيمة مينو وفى 1801م وتوقيع معاهدة الاستسلام وبموجب المادة 16 من الاتفاقية تم تسليم الآثار التي في حوزة الفرنسيين للجانب البريطاني ومن بينها ومن بينها حجر رشيد .
ومنذ يونيو عام 1802 يعرض حجر رشيد في المتحف البريطاني وفي القرن التاسع عشر أعطي الحجر رقماً بالمتحف وهو "EA24" وهو معروض ضمن الآثار التي تم الاستيلاء عليها من الحملة الفرنسية مثل تابوت نختنانبو الثاني "EA10" وتمثال كبير مهنة آمون "EA81" وقبضة جرانيتية كبيرة "EA9" ومن المعروف أن المتحف البريطاني كان في الأصل في بيت من القرن السابع عشر في شارع راسل العظيم في بلومزبري أحد احياء لندن ولأن البيت كان صغيراً ليضم الآثار الكبيرة المكتشفة ، فتم عمل امتداد ونقلت هذه الآثار إلى الامتداد .
تم نقل حجر رشيد إلى "قاعة النحت" عام 1834 بعد أن تقرر هدم البيت وبناء مبني جديد وهو مبني المتحف البريطاني الحالي ، ويعرض حجر رشيد بزاوية مائلة عن الخط الأفقى داخل إطار معدني صنع له خصيصاً ، وفي الأصل لم يكن له أغطية أو زجاج ولكن في عام 1847 تم عمل ذلك ليحميه من لمس الزوار له ومنذ عام 2004 وضع في فاترينة مخصصة له في وسط قاعة فن النحت المصري ووضعت نسخة طبق الأصل لهذا الحجر في مكتبة الملك داخل المتحف البريطاني .
في نهاية الحرب العالمية خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية ومن ضمنها حجر رشيد وظلت هذه الآثار في قاعة أسفل محطة قطارات تبعد 16 متراً عن سطح الأرض في ماونت بلزانت في هلبورن ، ولم يخرج حجر رشيد بعد ذلك إلا مرة واحدة ولمدة شهر في أكتوبر 1972 وفي متحف اللوفر بمناسبة مرور 150 عاماً على فك رموز حجر رشيد ، وفي عام 1999 حدثت أعمال صيانة لهذا الحجر لإزالة ما تم وضعه على الحجر بمجرد وصوله للمتحف البريطاني حيث تم تلوينه بالجير الأبيض لكي تبدو النصوص وأضحة وغطى باقي الحجر بالشمع لحمايته من الزوار .
ويضيف المؤرخ الكبير ابراهيم العنانى رغم المساعي المصرية لإعادة حجر رشيد إلى مصر فلم يوافق المسئولون في بريطانيا على اعادته – ومنذ ثلاث سنوات وافق مدير المتحف البريطاني على تصنيع حجر مماثل وسلموا النسخة المصنوعة لمصر مع اصراره على عدم تسليم حجر رشيد الذي استولوا عليه .