فى معرض حديثه عن المغفور له المشير محمد حسين طنطاوى، إبان توليه رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإدارة شئون البلاد فى الفترة من 25 يناير 2011 وحتى تسليم السلطة فى يونيو 2012، يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي إن المشير كان يصف حاله بأنه كقابض على قطعة من الجمر.. تحرق يده ولا يستطيع أن يطلقها من يده وإلا ستحرق كل شىء، وكأن الأقدار تسوق الرجال لمصر، هذا البلد الذى قضى الله أن يكون آمنا فى قوله «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» سورة يوسف الآية (99).
إن مصر فى هذه المرحلة من الزمن فى يناير 2011 وما تلاها، كان مخطط لها من أعدائها كما حدث فى العراق و سوريا و ليبيا واليمن، أن تتفتت وتنقسم على نفسها من داخلها بفعل فتنة داخلية، تؤدى بالشعب إلى حرب أهلية لا تبقى ولا تذر، ولنا أن نتذكر ما حدث فى دولة العراق الشقيق، حين اندس بين الثوار فئة مخربة كانت تحرق وتدمر منشآت الدولة الخاصة والعامة، وقاموا باستفزاز قوات الجيش والاعتداء عليها وحين اضطر الجيش لمواجهتها والأخذ على يدها، انعقد مجلس الأمن وقرر فرض الحظر الجوى على دولة العراق بحجة أن الجيش يقوم بالاستخدام المفرط للقوة ضد الشعب فقامت القوات الجوية لحلف «الناتو» بإعمال آلة تدميرها، فدمرت أسلحة الجيش، ودمرت البنية التحتية للبلاد ثم أعلنت إلغاء وتسريح الجيش العراقى، فانطلقت جماهير الشعب على معسكرات الجيش واستولت على ما تبقى بها من أسلحة، وبدأ تكوين الميليشيات المسلحة والحرب الأهلية بين فصائل الشعب، وكل فصيل يريد أن يعلن نفسه دولة أو إمارة مستقلة.
نفس الحال تكرر فيما بعد بنفس الصورة فى الدولة الليبية، وكلاهما حتى الآن لم تتعاف من تلك الأحداث المدبرة.
أما فى كل من سوريا و اليمن فقد انقسم الجيش فى كل دولة منهما إلى جيشين ولا يزال القتال دائرًا بينهما حتى الآن وكلا الدولتين تتآكلان كل يوم وتزداد أحوالهما سوءًا لأن من كان مفروضًا أن يحميهم هو من يقوم بقتلهم.
كل ذلك وأكثر حمى الله مصر منه بفضله أولا، ثم بهذا الرجل الذى قيضه ليكون على رأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى مسئولية إدارة البلاد فى تلك المرحلة الحرجة، فكان لانضباطه الصارم الذى التزمت به القوات المسلحة قادة وضباطا وجنودا، عظيم الأثر فى ضبط النفس والتعامل بحكمة وصبر بالغين مع الثوار، وحتى مع بعض الأفراد المدسوسين بينهم والذين حاولوا استثارة الجنود والاعتداء عليهم لدفعهم إلى ردة فعل غاضبة، ينتظرها المتربصون ب مصر من خارجها ليفرضوا عليها الحظر الجوى (المدمر) كما فعلوا فى العراق وليبيا، ففوت عليهم تلك الفرصة وذلك الفخ الذى نصبوه ل مصر وجيشها، كما كان للروح المعنوية والوطنية العالية التى يتمتع بها قادة وضباط الجيش الأثر الأقوى فى ترابط ووحدة الجيش بل والتزامه الصارم بحماية وطنه وشعبه فلم تستطع أية فتنة أن تفرقهم أو تؤدى بهم إلى الانقسام.
هذا الدور التاريخى، الذى قام به المغفور له المشير حسين طنطاوى لم يكن وليد الساعة ولكنه دور أعده الله له منذ مولده ومسيرته الأولى حتى تقلد قيادة الجيش وقيادة البلاد، فقد ولد محمد حسين طنطاوى فى 31 أكتوبر عام 1935 فى حى عابدين بالقاهرة، وظل مرتبطا به طيلة حياته، حتى صار وزيرًا للدفاع، وكان حريصا على أن يقوم فى أيام العطلة بقيادة سيارته الملاكى بنفسه والتوجه بدون أى حراسة لزيارة أهله وأصدقائه فى هذا الحى صلة للرحم ووفاء لالتزام خلقى نشأ وتربى عليه.
التحق محمد حسين طنطاوى بالكلية الحربية وتخرج فيها برتبة ملازم فى أبريل عام 1956 قبيل العدوان الثلاثى على مصر فى 29 أكتوبر عام 1956 بستة شهور، فاشترك مع جيش بلاده وشعبها فى الذود عن ترابها والحفاظ على كرامتها وأمتها.
ومرورًا بكل الحروب التى خاضتها مصر من يونيو 1967 فى حرب الاستنزاف إلى أكتوبر 1973 التى تكلم عن دوره فيها الأعداء قبل الأصدقاء.
كان المقدم محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة السادسة عشر من اللواء السادس عشر من الفرقة السادسة عشر المشاة الميكانيكى، التى تقاتل على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى وكانت الكتيبة السادسة عشر هى الكتيبة الموجودة فى أقصى الطرف الأيمن للفرقة السادسة عشر أى للجيش الثانى الميدانى.
وعندما قرر العدو الإسرائيلى اقتحام القناة والعبور غرب القناة، اختار الفاصل بين الجيشين ليكون قطاع اختراق للعبور، ولم يكن يستطيع تنفيذ ذلك إلا بالضغط على الكتيبة السادسة عشر من اتجاه الجنوب ودفعها شمالا مسافة 2 : 3 كم؛ لتوسيع الثغرة التى تمكن العدو من العبور، فتم تخصيص هذه المهمة لفرقة (شارون) التى هاجمت هذه الشريحة من الأرض التى تحتلها الكتيبة السادسة عشر، وكانت تعرف باسم «المزرعة الصينية» وهى عبارة عن أرض سبق تجهيزها للزراعة بواسطة الزراعة المصرية قبل عام 1967.
وعن معركة المزرعة الصينية هذه يقول الجنرال شارون:
«إن الجنود الذين واجهونا ربما كانوا أول مشاة فى العصر الحديث مجهزين ومدربين ليقاوموا الدبابات بل ليصلوها نارًا قاتلة بأسلحة مصممة خصيصا لذلك، لقد قضوا على (هوس الدبابات المرضى) وهو الغرور الذى أصاب الإسرائيليين بعد حرب 1967».
وعن هذه المعارك أيضا يقول شارون: لقد خسرت قواتى 50 دبابة وقرابة 300 رجل وتنتهى حرب أكتوبر بنصر الله المبين، ويشترك العقيد محمد حسين طنطاوى كعضو فى لجنة استلام ما تبقى من أرض سيناء من العدو الإسرائيلى بعد معاهدة السلام وكأن القوات المسلحة كانت تعده لدور أكبر فى مسيرته العملية عسكريا وسياسيا فتم اختياره للعمل ملحقا للدفاع فى باكستان عام 1976.
ويعود من باكستان ليتولى كل المناصب القيادية حتى قائد فرقة، فقائد للجيش الثانى الميدانى، ومنه إلى قائد للحرس الجمهورى، ثم يتم تعيينه رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة فى مرحلة حاسمة من مراحل وطننا العربى، حين احتل الجيش العراقى دولة الكويت، ويتولى الرجل مهمة إعداد القوات المصرية للاشتراك فى حرب تحرير الكويت، فكان على قدر المسئولية، وقامت القوات المصرية بالفتح الاستراتيجى والتحرك إلى الأراضى السعودية ومنها تنطلق لتؤدى دورها القومى ويتم تحرير دولة الكويت فى أداء عسكرى راقٍ.
ويختاره الرئيس الأسبق مبارك وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، وعلى مدى عشرين عاما من الزمان قاد فيها القوات المسلحة أضاف إليها الكثير من التطوير والتغيير فى العديد من المجالات وأضافت هى إليه أكثر.
وقد أعادت "أكتوبر" نشر الحوار كاملًا، ويمكنكم الاطلاع عليه، ضمن صفحات العدد التذكاري الصادر عن رحيل فارس العسكرية المصرية، المشير طنطاوي، الصادر يوم الأحد 27-9-2021.