لوحات مؤرخة للتطورات السياسية فى مصر والعالم

لوحات مؤرخة للتطورات السياسية فى مصر والعالملوحات مؤرخة للتطورات السياسية فى مصر والعالم

ثقافة وفنون7-10-2021 | 12:30

أحمد عبد النعيم : فضح أكاذيب الكيان الصهيوني فاتهموه بمعاداة السامية.

مصطفى الشيخ : حافظ على الفن وتراثه من التزوير والتشويه المتعمد.

عماد جمعة : تميز بالكاريكاتير الصامت وهو أصعب وأجمل أنواع الكاريكاتير

محمد حاكم : موقفه كان صريحا من "الاحتلال" ورسومه تخاطب القلب قبل العين.

تامر يوسف : تميز بأنه أحد أمهر رسامي البورتريه الكاريكاتيري بين رسامي جيله.

فوزي مرسي : أعماله تأريخ مصور للأحداث السياسية والاجتماعية فى المنطقة.

ارتبط فن الكاريكاتير المصري منذ بداياته بحياة البسطاء من المجتمع ومناقشة قضاياهم السياسية والاجتماعية، واستطاع فنان الكاريكاتير"جمعة فرحات" أن يعبر عن هذه المواقف والقضايا بشكل ساخر من خلال رسومه الكاريكاتورية التي نُشرت فى غالبية الإصدارات الصحفية القومية والخاصة والحزبية في مصر . ثم تخطت حدود المحلية ونشرت رسومه الصامتة (بدون تعليق) وهى أصعب وأرقى أنواع الكاريكاتير في حوالي 112 مطبوعة عالمية في أوروبا وأمريكا وآسيا والمنطقة العربية، ما جعله يستحق لقب فنان الكاريكاتير المصري العالمي عن جدارة واستحقاق ، ورغم رحيله عن عالمنا منذ أيام، إلا أن أعماله وإرثه الفني والثقافي ظل متواجدا بين تلاميذه وأصدقائه من الفنانين والشخصيات العامة.

حملت رسوم الفنان "جمعة فرحات" هموم الناس البسيطة وقضاياهم الاجتماعية والسياسية وناقشها بشكل ساخر وصادق، خاطب القلوب والمشاعر فحظيت رسومه بالإعجاب على المستويين المحلي والدولي.

اهتم بقضايا وطنه وجعل من ريشته وفنه الساخر سلاحا يحارب به أعداء الوطن ، ويبرز المواقف الوطنية وإنجازات الوطن وهمومه، وحارب به الاحتلال الصهيوني حتى آخر أيام حياته.

وُلد الفنان محمد جمعه أحمد على فرحات في 24 أبريل من عام 1941 م ، وحصل على بكالوريوس التجارة جامعة القاهرة عام 1962م ، عمل بمجلتى روزاليوسف وصباح الخير 1964، ومجلة ماجد وصحف الأهالى و الوفد و الأحرار و العالم اليوم و الاقتصادية اليومية وجريدة الأهرام ويكلى الإنجليزية الأسبوعية منذ بداية صدورها عام 1990 ثم جريدة الأهرام اليومية منذ عام 1999 ، شارك في العديد من معارض الكاريكاتير المحلية المصرية والدولية في بلغاريا ويوغوسلافيا و تشيكو سلو فاكيا و تونس و العراق ، وحصل على جائزة نقابة الصحفيين لأحسن الأعمال الكاريكاتيرية عامي (1986 و 1989 ) , وقدم برنامج (جمعة كل جمعة ) لأكثر من اثنى عشر عاما على قناة النيل للأخبار ثم قناة النيل الثقافية بالتليفزيون المصري، وهو الرسام العربى الأول الذى يتعاقد مع وكيل أعمال أمريكى مما أتاح له نشر رسومه فى جميع أنحاء العالم لاسيما فى جريدة ( هيرالد تريبيون ) الأمريكية ، وجريدة ( يوميورى ) اليابانية التى توزع 12 مليون نسخة ويعتبر هو أبرز فناني الجيل الثالث من رواد فن الكاريكاتير المصريين.

يقول أحمد عبد النعيم فنان الكاريكاتير بجريدة الأخبار المسائي ومؤرخ فن الكاريكاتير: نُشر أول عمل كاريكاتيري للفنان الراحل جمعة فرحات في شهر رمضان عام 1958م ، وكان وقتها طالبا بكلية التجارة جامعة القاهرة (فؤاد الأول آنذاك) ، واكتشف حبه للرسم والسخرية أستاذ اللغة الإنجليزية ألبرت مسيحة عندما وجده يرسم أثناء الشرح رسومات يسخر فيها من الجميع ، فأهداه كتاب كاريكاتير باللغة الإنجليزية وقدمه إلى صديقه فنان الكاريكاتير بروزاليوسف بهجت عثمان، ثم توقف جمعة فترة وعاد بعدها برسومه إلى الفنان ناجي كامل الذي شجعه واعتبره جمعة الأستاذ الحقيقي له .

ويضيف عبد النعيم : ينتمى جمعة لمدرسة "الرسام المفكر" التي انتهجتها مجلة روزاليوسف وتتسم بأن الرسام هو صاحب الفكرة والتعليق والرسم ولا يقبل أن يتم فرض الفكرة عليه من قبل أي شخص آخر ، وتميزت أعماله بالجرأة والسخرية الشديدة، وكانت له مواقف سياسية من اتفاقية (كامب ديفيد) أدت إلى التضييق عليه، فاتجه إلى رسوم الأطفال لمدة ثلاث سنوات ثم عاد مرة أخرى إلى التفرغ لرسم الكاريكاتير السياسي لتظل رسومه الكاريكاتورية لوحات مُؤرخة لأهم التطورات السياسية المصرية والعربية والعالمية تنقل وجهة النظر العربية تجاه الأحداث السياسية العالمية وتجاه الأنظمة القمعية في العالم ومنها إسرائيل، وظلت رسومه تحمل سهام النقد النافذة إلى قلب الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية وكان آخرها كتاب "سلام الدم " الذي أصدره قبل وفاته بعدة شهور. واتهم بمعاداة السامية بسبب تعريته للكيان الصهيوني وفضح أكاذيبه عندما رسم لوحة شهيرة شخّص فيها كل رؤساء إسرائيل وكل واحد منهم يحمل مذبحة قام بها ضد الأبرياء أو الجنود ليفضح كذب ادعاءاتهم بالسعى إلى السلام الزائف، ورسم لوحة شهيرة أخرى ضد المذابح التي ارتكبها"ايهودا باراك " في لبنان، وواجه جمعة محاولة الرسام الصهيوني " رعنان لوري" التغلغل إلى الصحف المصرية بزعم مناصرة القضية الفلسطينية من خلال منظمة "كارتون فور زى بيس" والتي شاركه الرسم الرسام الشهير جوان بلانتو والرسام الصهيوني كشكا والفنان جورج بهجوري، وقدم مستندات للورى يقول فيها (أفخر بأنني يهودي إسرائيلي) فتراجعت جريدة الأهرام عن عزمها نشر رسومه، كما كان له موقف واضح وصريح في رفض صهينة الكاريكاتير المصري بادعاء أن يعقوب صنوع هو أبو الكاريكاتير ، وأكد أن الفنان المصري ( رخا ) هو رائد فن الكاريكاتير المصري .

ريشة حرة

ويستكمل عبد النعيم : نُشرت أعمال جمعة في 112 جريدة ومجلة أوروبية وأمريكية وآسيوية، وحقق التوازن بين النجاح محليا ودوليا وظلت رسومه الكاريكاتورية تؤرخ للأحداث اليومية محليا وعالميا، عشق استخدام اللونين الأبيض والأسود وظل مخلصا لهما وكذلك كانت شخصيته ومواقفه التي لم تعرف أبدا المنطقة الرمادية ولم تتغير أفكاره رغم تنوع الجرائد التي نشر فيها رسومه والتي تنوعت بين القومية والحزبية والخاصة، وعندما غيرت جريدة "الشعب" من توجهاتها وتحولت إلى توجهات أخرى لا تتفق مع أفكاره ومبادئه، تركها وعاد ليرسم بجريدة "الأهالي" لأنه كان مؤمنا بأنه يرسم فقط ما يتفق مع فكره وحالته الوجدانية لأنه يصنع مواقف ولا يتاجر بفنه، فقد كان فنانا حتى النخاع صاحب ريشة حرة عبرت بدقة عن ضمير الوطن .

ويؤكد الفنان العالمي تامر يوسف، فنان الكاريكاتير بمؤسسة الأهرام وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير، أن الجانب الإنساني عند الفنان الراحل كان أهم مما يمكن أن يقال عن تاريخه وأعماله، فقد تشرفت بالعمل معه بجريدة الأهرام ويكلي والأهرام اليومي، ومواقفه تحمل الثراء الثقافي والمعرفي للأجيال القادمة، وفي بداية مشواره ترك وظيفته ذات المرتب الكبير بالشركة الشرقية للدخان ليعمل رساما للكاريكاتير بمرتب قليل جدا_آنذاك_ لأنه كان عاشقا لهذا الفن الراقي الهام وظل مخلصا له حتى آخر يوم في حياته مؤمنا أنه الوسيلة المناسبة للتعبير عن رأيه وأفكاره، وتميز جمعة بأنه أحد أمهر رسامي البورتريه والكاريكاتير بين رسامي جيله.

جمعة والجمعية

ويقول الفنان مصطفى الشيخ عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير : تفانى الفنان الراحل جمعة فرحات في تقديم الدعم المعنوي والإداري والمادي والفني للجمعية لكي تستمر في أداء دورها على الرغم من الأوقات الصعبة التي مرت على المجتمع ككل وحافظ عليها في أوقات دقيقة وقدم المحبة والألفة لأعضائها وأيضا قدم الخبرة والرؤية للفنانين الشباب على مدار سنوات طويلة.

ويتفق معه فوزي مرسي عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير, مؤكدا على أن أعمال الفنان جمعة تعتبر بمثابة الكنز للأجيال فهى تحمل القيم الجمالية والفنية والبصرية والثقافية والفكرية لمن يريد أن يتعلم هذا الفن الخطير من الأجيال التالية، كما أنها تعتبر تأريخا مصورا للأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت بالمنطقة العربية و مصر خلال فترة طويلة وهامة من تاريخنا المعاصر. ومن جانب آخر فقد كانت مواقفه الداعمة للجمعية المصرية للكاريكاتير أحد أهم أسباب استمرارها في تحقيق أهدافها من الحفاظ على الفن وتراثه وتفريخ أجيال جديدة من الفنانين الموهوبين وإبراز تاريخ الكاريكاتير المصري وأعمال رواده الأوائل والمحافظة عليه من التزوير والتشويه المتعمد .

أما الفنان محمد عمر رسام الكاريكاتير وعضو مؤسس بالجمعية المصرية للكاريكاتير فيقول: هو أقدم أصدقائي وعشنا معا حلم تأسيس الجمعية في أوائل الثمانينيات وكانت لنا زيارات متتالية لبيت الفنان الرائد ( رخا ) أبو الكاريكاتير المصري ومعنا الفنان الراحل طوغان وكنا نجتمع هناك مع فنانين عظماء مثل بهجت عثمان وعادل البطراوي وحجازي ومحي الدين اللباد، وكان جمعة حاضرا في كل تفاصيل تأسيس الجمعية وداعما في إزالة كل العقبات التي كانت تقف في طريق حلم تأسيسها ونجح في إدارتها لسنوات طويلة، ولسنوات طويلة أيضا نجح في برنامجه المتميز"جمعة كل جمعة " الذي قدمه بالتليفزيون المصري وقدم فيه تقريبا كل رسامي الكاريكاتير الشباب ورسامي جيل الوسط والرواد وعلق على رسوم الكاريكاتير المصرية والعربية والعالمية وظل مدافعا عن مواقفه وقضاياه ولم تتغير مواقفه.

ويقول فنان الرسوم المتحركة ماهر دانيال المخرج بالتليفزيون المصري: توطدت علاقتي به عندما طلب مني تنفيذ تتر برنامجه الشهير "جمعة كل جمعة " ، وكنت أعرف أنه قامة فنية كبيرة ، ثم تعرفت على الجانب الإنساني له فوجدته محبا للجميع لا يحمل ضغائن لزملائه وكان دائما مبتسما ودودا يتابع أعمال الشباب بدقة وينصحهم باستمرار وإخلاص ومحبة.

فنان عالمي

ويقول الكاتب الساخر عماد جمعة مؤسس ومدير الملتقى العربي لرواد فن الكاريكاتير: لقد كان جمعة أسطورة ورمزا من رموز فن الكاريكاتير الذين تفخر بهم مصر والعالم العربي، فهو فنان عالمي بمعنى الكلمة، نشرت رسومه في أكبر وأشهر الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية، وأعماله تؤرخ للأحداث بشكل بسيط ومميز ولجأ إلى الكاريكاتير الصامت "بدون تعليق " وهو أصعب وأجمل أنواع الكاريكاتير لأنه يتخطى حاجز اللغة عند المتلقي، كما أن مواقفه الإنسانية مع الفنانين الشباب وفناني جيل الوسط كانت نبيلة ورائعة.

الفنان حسن فاروق عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير سابقا يقول : استطاع جمعة تحقيق النجاح المبهر على الصعيدين المحلى والدولي وظل محافظا على تحقيق التوازن ولم يغير من أفكاره وقناعاته ومبادئه، ولازلت أذكر بعد أن بلغت سن المعاش أنه كان داعما لي في بداياتي عندما كنت شابا وساندني وقدم لى الدعم والنصح والتوجيه وحفزني بنشر أعمالي بمجلة كاريكاتير التي كانت تصدر عن الجمعية، وظل مساندا للشباب وداعما لهم حتى آخر لحظة، فكان بمثابة منارة الاهتداء التي ترشدهم للطريق الصحيح وقيم ومبادئ فن الكاريكاتير المصري الذي ظل محافظا وحافظا لها وعليها، ونجح فنيا وإداريا على مستوى إدارة الجمعية لسنوات طويلة وفي أوقات صعبة.

من زاوية أخرى يقول الفنان د.محمد حمدي أستاذ الرسم والتصوير بكلية التربية جامعة حلوان : هو آخر رسامي جيل الفنانين المثقفين النابهين المطلعين بشكل واسع على الأحداث الثقافية والتشكيلية، وعلاقته بالفن التشكيلي وأوساطه وفنانيه علاقة جيدة جدا وراقية، وكذلك علاقته بالفنانين الشباب الذين تتلمذوا على يديه وتعلموا من فنه وهم الإرث الذي تركه لنا وغرس فيهم قيم ومبادئ هذا الفن المشاغب العظيم.

ويرى الفنان القدير محمد حاكم، رسام الكاريكاتير بروزاليوسف سابقا، أن الفنان جمعة كان من القلائل الذين حرصوا على استخدام الريشة في رسومه لأن استخدام الريشة يعبر عن نبض قلب الفنان، لذلك استطاعت ريشته أن تعبر عما يؤمن به من أفكار سياسية وقضايا وطنه الاجتماعية وهموم الناس بالشارع فلاقت القبول والترحاب لدى الجمهور بمختلف ثقافاته وتوجهاته الفكرية والسياسية، كما عبرت عن الواقع العربي والقضايا العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وكان له موقف صريح ومميز من الاحتلال الإسرائيلي.

ورسومات جمعة دائما ما تخاطب قلب المتلقي قبل عينيه.

أضف تعليق