أطلقت جماعة الإخوان وقواعدها على مدار السنوات الماضية مجموعة من المبادرات التي تدعو للمصالحة، والإفراج عن شبابها، مستغلة الظروف السياسية والتغييرات الإقليمية، لغسيل سمعتها والتنصل من العنف والخروج من جدران السجون، في إطار مقايضة سياسية دون أن تدفع ثمن الدماء التي نالت من أبناء الوطن المصري.
خلال الأيام الماضية سرب شباب الإخوان داخل السجون مجموعة من الرسائل التى حملت نوعا من الكربلائية والمظلومية التى اعتادوا عليها لمخاطبة القيادة السياسية فى الإفراج عنهم، متجاهلين ما فعلوه من جرائم وأعمال عنف مسلح نالت من دماء الأبرياء واستهدفت مؤسسات الدولة المصرية ورموزها السياسية والعسكرية.
سبقت الرسائل الإخوانية المسربة تصريحات للقائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، بجانب بيان عدد من مشايخ الجماعة المحسوبين على التنظيم الدولى فى مناشدة بعض الأطراف الدولية للتدخل كوسيط يعد من قبيل الانتهازية السياسية ومحاولة للقفز على التقاربات الإقليمية والجيوسياسية، لاسيما التركية والقطرية مع الجانب المصري.
شرعنة العنف
تعاملت الأجهزة الأمنية المصرية بقدرة عالية وبالغة الدقة فى القضاء على الجناح المسلح ل جماعة الإخوان وغيره من مكونات الحركات الأصولية المسلحة وفقًا لاستراتيجية تفكيك الأجنحة وتدمير البنية التنظيمية، والقضاء على الخلايا الكامنة، وتجفيف منابع التمويل والسلاح، فى إطار خطة مكافحة الإرهاب العابر للحدود والقارات.
مختلف المبادرات الإخوانية التى خرجت من رحم السجون، قائمة على فكرة المصالحة وليس فكرة «المراجعة» لأدبيات الإخوان الفكرية، التى وضع أسسها حسن البنا وسيد قطب، وتم ترجمتها فى عدة دراسات فكرية شرعنة للعنف واستخدام السلاح، عقب 30 يونيو 2013، مثل كتاب «فقه المقاومة الشعبية»، وكتاب «دليل السائر ومرشد الحائر»، وكتاب «كشف الشبهات»، فضلًا عن أن جميع شباب الإخوان سجناء وليسوا معتقلين كما يشيعون، فغالبيتهم متورطين فى قضايا عنف مسلح، وصدر ضدهم أحكام قضائية نهائية.
ورقة السجناء
تتاجر جماعة الإخوان بورقة سجنائها وتستغلها فى تشويه الدولة المصرية أمام دوائر صناع القرار الدولي، خاصة المجتمع الأوروبي، والهروب من دائرة التصنيف على قوائم الإرهاب، وضمان تدفق التمويلات، كما أنها الأداة الحقيقية التى توظفها للتغطية على فشلها وسقوط فكرتها ومشروعها أمام اتباعها، وتصدير القضية على أن الجماعة مضطهدة على مدار تاريخها.
ولا يمكن مقارنة مبادرات الإخوان، بمبادرات «الجماعة الإسلامية»، وتنظيم «الجهاد المصري»، فى تسعينيات القرن الماضي، فمبادرة «الجماعة الإسلامية»، ولم تطرح فكرة «وقف العنف» مقابل الإفراج عن عناصرها، بل طرحت الوقوف عن الأفكار التكفيرية تجاه المجتمع ومؤسسات الدولة ورموزها، والتراجع عن أدبيات العنف المسلح، فيما سمى بـ «المراجعات الفكرية»، ولم يتم الإفراج عن عناصر الجماعة الإسلامية، وقادة الجهاد المصري، إلا بعد تنفيذ الأحكام القضائية، وتم تأجيل الإفراج بعض العناصر الرافضة للمراجعات، ليغادروا جدران السجون عقب أحداث ثورة 25 يناير 2011.
ثمة حقائق مهمة حول أكذوبة «المصالحة» التى ترغب فيها جماعة الإخوان للخلاص من تاريخها الدموي، وإعادة تقديم نفسها للرأى العام العربى والمصرى ككيان سياسى سلمي، أهمها، أنها ليست كيانا سياسيا أو كيانا يمثل المعارضة المصرية، كونها كيانا تنظيميا لديه قناعات وأدبيات قائمة على تكفير المجتمع وانتهاج وتوظيف العنف المسلح وشرعنته لصالح أهدافها على مدار تاريخها، وترجمة ذلك على أرض الواقع عقب ثورة 30 يونيو 2013 من خلال تنفيذ الكثير من العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة، والمؤسسات السيادية.
المراجعات الفكرية
على مدار تاريخها لم تدخل الدولة المصرية، فى مصالحات سياسية مع التنظيمات الإرهابية أو مهادنات، لكنها دعمت ما يعرف بـ «المراجعات الفكرية»، مثلما تم مع الجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد المصرى التى تم إقرارها بين عامى 2001، و2007، بهدف تحجيم موجات العنف التى اشتعلت فى تسعينيات القرن الماضى وما تلاها، فضلًا عن أنه لم يتم الإفراج عن تلك العناصر إلا بعد قضاء فترة العقوبة الجنائية، عكس جماعة الإخوان التى تطرح أية مبادرة فكرية، لكنها ترغب فى عقد صفقة سياسية يترتب عليها الإفراج عن قياداتها.
حالة الفشل التى تحيط الجماعة وقواعدها التنظيمية، جعلها فى مقام الخضوع والرغبة فى إيجاد أية طريقة تسعى من خلالها لتحقيق المصالحة السياسية، كونها كفيلة بغسل سمعتها من جرائم العنف والقتل والدماء، ومن خطابها المنطوى على أدبيات التكفير والتطرف تمهيدًا لتأسيس مرحلة جديدة تدفع بها قواعدها التنظيمية عبر خطاب تعبوى قائم على فكرة مواصلة الطريق واستكمال المنهجية الفكرية والتنظيمية فى إطار المشروع القطبى البناوي، وفقًا لما يعرف بـ «استراتيجية دار الأرقم»، ومحاولة انكفاء التنظيم على ذاته لإنتاج نماذج بشرية حاملة للفكر الإخوانى.
فرض صورة
تحاول قيادات الإخوان تصدير صورة لقواعدها التنظيمية، وأتباعها من دوائر الإسلام الحراكي، بأنها ما زالت موجودة فى المشهد بقوة وقادرة على طرحها نفسها مرة أخرى فى العمق السياسى للدولة المصرية، وكأنها قادرة على فرض نفسها على مائدة الحوار والتفاوض السياسي، كطرف فاعل مؤثر يمكنه فرض شروطه ومطالبه، عبر تصريحات للقائم بأعمال مرشد الإخوان، إبراهيم منير، على قناة «الجزيرة» القطرية، طارحًا فكرة «المصالحة السياسية»، كنوع من المراوغة والمدارة على الفشل والسقوط المدوى التى ضرب مفاصل التنظيم وأركانه.
اعترافات تفصيلية
الكثير من العناصر التى تم الإفراج عنها قدمت اعترافات تفصيلية عن مصادر التمويل، وخطوط ودوائر الاتصال والدعم المالى والتنظيمى، الداخلية والخارجية للإخوان، كنوع من إثبات حسن نواياهم، كما أعلنوا بشكل رسمى توبتهم وتبرأتهم من أدبيات وأفكار الجماعة، والإيمان بفكرة ومشروع « الإسلام الإنساني»، والكفر بمختلف التنظيمات و الجماعة الإرهابية الأخرى.