إشكاليات الموازنة العامة

الرأى22-10-2021 | 14:48

غالبًا ما تعبر الموازنة العامة للدولة عن الأوضاع الاقتصادية السائدة، محددة للأولويات، كاشفة عن انحيازاتها الاجتماعية، بل يجب أن تكون كذلك، وأن يتوفر لها حسن الإدارة، لأنها – كما وصفت – تعد محرك أساس للتغيير إلى الأفضل.

وهناك قواعد ومبادئ عالمية للإعداد السليم للموازنات أهمها الشمول والشفافية والواقعية والاتساق، والترابط، والمساءلة، فأين الموازنة المصرية من ذلك؟ بل من أين تأتى الأموال وفيما تصرف؟

لن أفتى ولن أجتهد، لكن سأنقل لكم ما انتهت إليه الدراسة التى أجراها مركز علمى متخصص فى هذا المجال، وهو المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فقد أعد باحثو وخبراء المركز ورقة عمل بعنوان «الإعداد السليم للموازنة العامة»، رصدوا فيها عددا من الإشكاليات تخالف المبادئ والقواعد العالمية فى إعداد الموازنات.

وعرض المركز هذه «الإشكاليات» على مجموعة من الخبراء للمناقشة وإبداء الرأى منهم الخبير الاقتصادى هانى توفيق، وعمر المنير، نائب وزير المالية سابقا، ود. مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، وبالطبع د. عبلة عبد اللطيف، مدير المركز المشرفة على أبحاثه.

هانى توفيق، أشار إلى أنها تفتقد إلى القراءة الاقتصادية، كما أنها أصبحت موازنة حكومة وليست موازنة دولة، لوجود الكثير من الكيانات الاقتصادية خارجها مثل الصناديق المختلفة والهيئات الاقتصادية.

ولفت نظر المشاركين والمتابعين إلى وجود أربع ظواهر سلبية تعانى منها الموازنة، أولها: أعلى سعر فائدة حقيقى، أعلى عجز سنوي إلى الناتج المحلى، وكذلك أعلى نسبة قروض، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم والمرشح للزيادة نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية.

عمر المنير يرى أنها تفتقد للواقعية فى تقديراتها، وضرب مثلا: تقديرات ضرائب العام المالى المنتهى كانت 964 مليار جنيه، مع أن الضراب المحققة فى العام السابق كانت 739 مليارًا فقط، وأضاف أنه حتى الآن لم يعلن عن الحصيلة الضريبية التى تحققت فى العام المنتهى، وتوقع ألا تزيد على 930 مليارًا، ومع ذلك قدرت ضرائب العام الحالى بنحو 980 مليارًا، مشيرا إلى ضرورة أن ترتبط التقديرات بنسبة من الناتج المحلى.

الدكتورة النائبة مها عبد الناصر ركزت على مخصصات الإنفاق على التعليم، و الصحة ورأت أنها منخفضة ولا تفى بالاحتياجات المطلوبة، وهو ما انعكس على الصور المتداولة لعدم وجود مقاعد للطلبة فى الفصول وتكدس الطلبة فى المدارس، وانتهت إلى زيادة نفقات التعليم و الصحة لأنها تحقق التنمية المستدامة المطلوبة، وهو الاستثمار فى البشر.

د. عبلة عبد اللطيف ترى أن الأصل فى الأمور ليس مجرد تدبير الاستحقاق الدستورى للإنفاق على التعليم و الصحة والبحث العلمى.. وكأنه عبء!

إنما الهدف أن نحدد أين نحن وأين نريد أن نكون، ومن ثمَّ تأت الموازنة ترجمة لتحقيق هذه الأهداف، وأضافت أن المطلوب – موازنة برامج حقيقية قابلة للتطبيق وأن تكون هناك مشاركة مجتمعية فى إعداد الموازنة حتى تأتى بالصورة المطلوبة.

وإذا كان لى أن أبدى رأيى – وهذا حقى – فإننى لا أختلف مع ما تقدم، بل أؤكد أنه كلام علمى واقتصادى محترم، لكنه أيضًا كلام خبراء ومتابعين، حيث أعتقد أن وزير المالية – فى أى دولة ناشئة مثلنا - يجب أن يكون «حاوى» ليس لديه ما يكفى لتلبية جميع الرغبات، لكنه يستطيع أن يبهر مشاهديه ومتابعيه بخبرته وحركاته وتكاته!

والمعنى أن الموازنة المالية للدولة – هى تعبير عما يجرى فى المجتمع، فقد تكون الموارد قليلة لكن الطموحات مرتفعة، وقد يحدث العكس، موارد كافية لكن الطموحات متواضعة!

والمعنى.. أن وزير المالية يتصرف فى ضوء ما يتوافر لديه ويحاول «الموازنة» بين الطلبات المختلفة مع مراعاة الأبعاد السياسية والاجتماعية لأصحابها.

أضف تعليق